أكّد البنك الدولي أنّ اليمن الذي يعاني من صراع محتدم منذ العام 2015، معرّض بشدّة لأخطر موجات تغير المناخ في ظل ضعف قدرات المراكز الحضرية في البلاد على تحمّل تغير المناخ.
وتوقع البنك الدولي، معاناة اليمن خلال الفترة القادمة، في ظلّ تسارع وتيرة تغير المناخ، من زيادة شح المياه، وموجات الحرارة، والعواصف الترابية، والانهيارات الأرضية، والفيضانات المفاجئة، والسيول، وارتفاع منسوب مياه البحر، والفيضانات في المناطق الساحلية في البلاد. فضلًا عن الارتفاع المتوقع في شدة درجات الحرارة القصوى وتواترها، والذي يرجح أن يؤدّي إلى تفاقم تأثير ارتفاع الحرارة في المناطق الحضرية.
وتسببّت الحرب الدائرة في اليمن، منذ ثماني سنوات، بأضرار بالغة بالبنية التحتية في المناطق الحضرية، وأدّى نقص المياه، والأضرار التي خلّفتها السيول، وضعف قدرة الحكومة، إلى حرمان ثلثي سكان البلاد، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، من الحصول على المياه المأمونة والصرف الصحي والخدمات الأساسية الأخرى.
وتؤدّي هذه العوامل إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، التي تشتدّ بسبب الفقر المدقع ونقص الغذاء والمياه، وتبعات تفشي وباء الكوليرا وتعطل خدمات الرعاية الصحية.
ويشدّد خبراء في مجال المناخ على أهمية التطلّع إلى المستقبل وتقييم مستوى المخاطر التي تتعرّض لها كل مدينة، لا سيّما بسبب السيول، والفيضانات المفاجئة، والانهيارات الأرضية. فبعض المدن، مثل صنعاء، معرضة لخطر كبير بسبب كثافتها السكانية وطبيعة تراثها المعماري. وتعاني المدن الساحلية في اليمن بالفعل من ارتفاع منسوب مياه البحر والعواصف الشديدة.
ضغط السكان والخدمات
تبدو مناقشة العمل المناخي في اليمن غير مناسبة من حيث التوقيت في ظل هذه الأزمات، لكن خطورة الوضع والتقلبات المتواصلة في المناخ، وتردّي مختلف المرافق الخدمية والبنية التحتية- تدفع لطرق ناقوس الخطر من تأثيرات وتبعات كل هذه التغيرات الحاصلة على عموم سكان البلاد.
المدن اليمنية تواجه أعدادًا متزايدة من العواصف والسيول والانهيارات الأرضية، وهو ما يجعل عملية التخفيف من حدة هذه الظواهر المناخية تزداد صعوبة. فالبنية التحتية للمدن غير كافية أو متضررة أو تفتقر إلى أعمال الصيانة. ويعوق التخطيط المكاني الذي عفا عليه الزمن، والتوسع الحضري السريع، وانتشار المناطق العشوائية- إدارةَ مياه العواصف والسيول.
وفي خضم كل هذه الصعوبات، تكافح المدن اليمنية لتوفير أبسط الخدمات الأساسية. وداخل هذه المدن، يزيد احتمال أن تعيش المجتمعات المحلية المحرومة في مناطق أكثر تضرُّرًا بسبب التقلّبات المناخية الشديدة ونقص الخدمات، ومِن ثَمّ تتعرّض لتأثير غير متناسب.
ويرى البنك الدولي أنّ هذه المشكلة ستزداد سوءًا؛ فقد دفع النزاعُ في البلاد، المزيدَ من السكان إلى التِماس الأمان النسبيّ في المدن، ممّا يسبب ضغطًا على البنية التحتية والخدمات في المناطق الحضرية، بل والنسيج الاجتماعي للبلاد.
ويتطلب ذلك مساعدة هذه المدن اليمنية على أن تصبح قادرة على الصمود، والعمل على وضع أنظمة لتحسين مستوى الخدمات في المناطق الحضرية، وهو ما قام به البنك الدولي من خلال المشروع الطارئ للخدمات الحضرية المتكاملة، الذي استهدف عشر مدن يمنية، في الفترة بين عامي 2017 و2020.
فيما تم إطلاق المرحلة الثانية من المشروع في يونيو/ حزيران 2021، بالشراكة مع مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع. وتساعد المرحلة الثانية من المشروع، اليمنَ على تلبية الاحتياجات الطارئة من خلال استعادة خدمات البنية التحتية في المناطق الحضرية، وزيادة القدرة على تحمل التقلبات المناخية في 16 مدينة تم اختيارها لتنفيذ المشروع؛ هي: عدن، والضالع، والحُديدة، والمكلا، وعمران، وبيت الفقيه، وذمار، وإب، ولحج، وصعدة، وصنعاء، وسيئون، والشحر، وتعز، ويريم، وزنجبار. ويستفيد نحو 3 ملايين شخص من هذا المشروع.
كما أتاحت منحة مقدمة من شراكة الاستثمار في البنية التحتية الجيدة، مموّلة من حكومة اليابان، فرصة للبحث عن أساليب مبتكرة لإنشاء بنية تحتية قادرة على تحمّل تغير المناخ في اليمن، تشمل الاستشعار عن بعد، والتحليل الهيدرولوجي الجغرافي المكاني، وخرائط المخاطر العالمية من أجل مساندة مشاريع البنية التحتية.
مواجهة التحديات
خلص خبراء في البنك الدولي، ومسؤولون حكوميّون انتظموا في ورش عمل لمناقشة التحديات المناخية التي يواجهها اليمن، إلى أنّ المدن اليمنية تواجه أعدادًا متزايدة من العواصف والسيول والانهيارات الأرضية، وهو ما يجعل عملية التخفيف من حدّة هذه الظواهر المناخية تزداد صعوبة. فالبنية التحتية للمدن غير كافية أو متضررة أو تفتقر إلى أعمال الصيانة. ويعوق التخطيط المكاني الذي عفا عليه الزمن، والتوسع الحضري السريع، وانتشار المناطق العشوائية، إدارةَ مياه العواصف والسيول.
إضافة إلى عدم وجود هيئة مركزية في اليمن لتنسيق التنبُّؤات بهطول الأمطار وغيرها من التنبؤات بأحوال الطقس. وبالكاد توجد أنظمة إنذار مبكر وتخطيط الاستجابة للطوارئ في هذه المدن، وتفتقر المجتمعات المحلية إلى الدراية بهذه الكوارث والاستعداد لمواجهتها.
ويؤكّد مختصون على أهمية تكثيف الجهود بهدف بناء معرفة محلية كافية لتصميم بنية تحتية قادرة على تحمّل تغيّر المناخ، بما في ذلك الأساليب الجديدة لإدارة مياه الأمطار، والتنوع البيولوجي في المناطق الحضرية، وتشجيع الاندماج في الحياة الاجتماعية في الأماكن العامة المفتوحة. وقد عرض خبراء دوليّون من اليابان وبلدان أخرى خبراتهم في إدارة السيول في المناطق الحضرية، وأيضًا خبراتهم في إيجاد حلول مستمدّة من الطبيعة، والممارسات المستدامة لإدارة المخلفات الصلبة، وتعزيز القدرة على الصمود.
فضلًا عن تكوين رؤية لصياغة سلسلة من المشروعات الجاذبة على نحوٍ يساند التكيّف مع تغير المناخ في المدن اليمنية، بالاعتماد على الخبرات والحلول والدروس المستفادة من البلدان الأخرى.
ولا يزال هناك الكثير ممّا يتعيّن فعلُه لتحسين تخطيط عملية التكيّف في اليمن، وإنشاء بنية تحتية في المناطق الحضرية أكثر قدرة على الصمود في وجه السيول والفيضانات المفاجئة. ويستعين البنك الدولي حاليًّا باستشاريين وخبراء محليين يمنيين لإجراء مسوحات ميدانية، والمشاركة المباشرة مع المجتمعات المحلية والأطراف المعنية في العديد من مدن البلاد، وتحديد القضايا الأكثر إلحاحًا المتعلقة بالمناخ، وتحديد أولويات التدخلات وتصميمها.