عندما أعلنت مؤسسة ينابيع الخير عن إقامة مخيم طبي للعيون في بلدة العند (شمال محافظة لحج)، في أبريل/ نيسان 2022، لم تكن حينها الكفيفة رندا حسين (22 عامًا)، من سكان بلدة المناصرة بمنطقة الفيوش (شرقي المحافظة)؛ تعرف أنّ هذا المخيم سيضع حدًّا لمعاناتها من فقدان البصر لما يزيد على العقدين من الزمن.

ولدت رندا عام 2000، كفيفة في أسرة مكونة من عشرة أشقاء جميعهم ليسوا كفيفين. وخلال سنوات طفولتها عملت أسرتها على عرضها على أطباء ومشافٍ عدة، لكن جميع تلك النتائج أقنعت الجميع باستحالة عودة النظر للصغيرة.

استمرت في ممارسة حياتها لتلتحق بالتعليم من خلال جمعية المكفوفين في الحوطة، عاصمة محافظة لحج (جنوب اليمن)، حيث تلقت تعليمها الأساسي والثانوي، لكن طموحها لم يتوقف برغم معاناتها من فقدان البصر، حيث أصرت على مواصلة تعليمها الجامعي.

تقول رندا لـ"خيوط"، إنّ طموحها كان في البداية، دراسة كلية الحقوق، لكن موقع الكلية حيث تقع بمدينة الشعب في عدن وطول المسافة، جعلها تقرر الالتحاق بكلية التربية في لحج، لدراسة اللغة العربية بتشجيع من والدتها وأسرتها، حيث تولت زميلة لها مرافقتها أثناء انتقالها للدراسة في الكلية.

يبدي الطبيب حسن استغرابه من عدم إجراء هذا العملية في سن مبكرة، ولم يحاول معها الأطباء، حيث كان يمكن إعادة نظرها وهي في سن التعليم الأساسي، إذ كان على الأطباء الذين تم عرضها عليهم المحاولة ما دام هناك بصيص أمل في الشفاء.

خاضت الكفيفة رندا بهمة كبيرة التعليم الجامعي، بأمل أن تسهم العملية التعليمية في انتهاء معاناتها، حيث وضع لها أساتذتها في الكلية نظامًا خاصًّا بها تقديرًا لظرفها، حيث استمرت طيلة الثلاث السنوات بهذا النمط تذهب مع صديقتها من ذات القرية نحو الكلية، وتغيب حينما لا تحضر صديقتها.

المغامرة بإجراء العملية

في أبريل/ نيسان من العام 2022، ذهبت رندا برفقة والدتها بأمل إعادة نظرها رغم توصية أطباء سابقين باستحالة إعادته، إذ تم عرضها على الأخصائي في مجال العيون صالح حسن، الذي اطلع على وضعها والتقدم المحرز في المحاولات السابقة .

يقول الطبيب حسن لـ"خيوط"، إنه عندما قابل الكفيفة رندا كانت أمها متحفظة إلى حد كبير، ولا توجد لديها رغبة في إجراء عملية في المخيم ما لم يكن هناك نجاح في العملية.

ويتابع: "حاولت مع والدتها كثيرًا ورفضت وطلبت رقمها، وعندما عدت إلى المنزل اتصلت عليها وطلبت منها إحضارها، حيث وجدت من خلال الفحص وجود مياه بيضاء هي السبب في منع الرؤية عنها، وبعد محاولات عديدة أحضرتها إلى المخيم".

كما يوضح أنه في يوم إجراء العملية كانت هناك ما يقارب 25 عملية أمامه، وأصر أن تكون العملية الأولى في الساعة الثامنة صباحًا مخصصة لها، حيث بدأ بإحدى عينيها، ثم ذهبت لإجراء العمليات المتبقية في المخيم المجاني.

عندما عاد إليها مرة أخرى في الساعة الثانية ظهرًا، كانت المفاجأة المذهلة كما يقول: "عندما قمت بتحريك حاجز العين، فوجئت برندا تدمع وتبكي، ولأول مرة ترى أمامها الضوء في حياتها، ليتم إجراء عملية العين الثانية بعدها مباشرة وسط فرحة لا توصف من رندا وأمها".

عدم المحاولة والتحسن المستمر

يبدي الطبيب حسن استغرابه من عدم إجراء هذا العملية في سن مبكرة، ولم يحاول معها الأطباء، حيث كان يمكن إعادة نظرها وهي في سن التعليم الأساسي، إذ كان على الأطباء الذين تم عرضها عليهم المحاولة ما دام هناك بصيص أمل في الشفاء، مؤكدًا أن حالة رندا في تحسن مستمر، وأن نسبة رؤيتها للنظر ما يقارب 40%، وقد يتحسن، فالنظر بنسبة 10% أفضل من عدم النظر بالمطلق، داعيًا الجمعيات الخيرية إلى مساعدة رندا حتى تكمل مسيرتها التعليمية وتحقّق طموحها.

في السياق، تقول رندا إنها الآن في وضع أفضل، وتأمل أن تنهي السنة الأخيرة من حياتها الدراسية بسبب الظروف المادية الصعبة التي تعانيها، مثنيةً على مساندة والدتها، ورئيسة جمعية المكفوفين، وأخصائي العيون، صالح حسن، الذي غامر بإجراء هذه العملية التي أعادت النظر إليها.

بدورها، تشير إقبال قشاش- رئيسة جمعية المكفوفين في لحج، إلى أن الجمعية تأسست في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج في 20 أغسطس/ آب من العام 2001، حيث بدأت بنحو 45 عضوًا كفيفًا وكفيفة، بالرغم من الصعوبات والتحديات ومحدودية الإمكانيات والتهميش الذي واجهته.

وتؤكد قشاش أنّ 18 كفيفًا وكفيفة، تخرجوا من التخصصات المختلفة من هذه الفئة، في تخصصات متعددة، كاللغة العربية، والعلوم الدينية، والأحياء، والخدمة الاجتماعية، والتسويق، وعلم الاجتماع. 

‍