تُلقِي الأزمات التي تُنتجها الأطراف المتصارعة بعبئها الأكبر على كاهل المواطن الذي تنعكس عليه كل تبعات الأزمات السياسية والاقتصادية والصراع الدائر، يأتي ذلك في الوقت الذي تمرّ فيه البلاد بأسوأ وأخطر أزمة أنتجتها القرارات الصادرة عن بنك عدن المركزي الأخيرة، وما رافقها من صراع لا يزال مشتعلًا على كافة المستويات.
ويتصدّر الصراع المصرفي مؤخرًا، واجهةَ الأحداث منذ مطلع العام الحالي في اليمن، خصوصًا منذ بداية مايو/ أيار الماضي، مع انتهاء المهلة التي حدّدها البنك المركزي في عدن التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا للبنوك السبعة بالانتقال إلى عدن، حيث أدّى امتناعها إلى إصدار البنك مذكرةً لإيقافها من نظام التحويلات المالية العالمية "سويفت".
هكذا منذ نحو تسع سنوات، يتقدّم التوطين السياسي للمال بين الأطراف المتصارعة في منحى بعيد عن التنمية والتوافق الذي يسمح بمواجهة التحديات والصعوبات التي ساهمت بتوسع الانقسام وانهيار الاقتصاد والعملة المحلية، بالتزامن مع تدهور معيشي يطال جميع سكان البلاد.
السياسات والإجراءات التي اتخذتها سلطات عدن ممثلةً بالبنك المركزي، وكذا السياسات والإجراءات المضادّة لها، قد أربكت الأوضاع المالية والنقدية، وعمّقت فجوة انقسام البنك المركزي والجهاز المصرفي والعملة الوطنية، وأدّت إلى المزيد من تنافر السياسات النقدية بين صنعاء وعدن.
يتحمل المواطن اليمني عبء وتبعات هذه القرارات في ظل انقطاع رواتب الموظفين المدنيين وتوسع مستويات الفقر والبطالة في بلادٍ تعاني إحدى أكبر الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، في حين يُعتبر الشباب الفئةَ الأكثر تضررًا جراء تدهور الاقتصاد مع انعدام فُرص العمل.
في حين لا يبدو -بحسب خبراء اقتصاد- أنّ هناك آفاقًا مبشِّرة لتراجع التدهور الاقتصادي والإنساني، بل على العكس من ذلك؛ حيث تبرز العديد من المشكلات التي تتضخم بشكل تصاعدي، أهمّها: أزمة سيولة نقدية تتفاقم في صنعاء والمناطق التابعة لها، يرافقها بالغ للحياة المعيشية والإنسانية، فضلًا عن الأزمات المتصاعدة مؤخرًا، حيث يُلاحَظ شللٌ تام في التحويلات المالية بين مناطق طرفَي الصراع.
مصير مجهول للقرار
بالمقابل، تتجه الأزمة إلى الحل بعد نحو أربعة أشهر من الصراع الذي شكّل خطرًا محدقًا بأهم ستة بنوك يمنية، شملها قرار البنك المركزي في عدن، بسحب ترخيصها، ومن ثم إيقاف تعاملها مع نظام التحويلات المالية العالمية "سويفت"، إذ أعلنت جميع الأطراف التوافق على مبادرة المبعوث الأممي إلى اليمن، لإنهاء الأزمة.
وعاشت اليمن طوال الأشهر الماضية على وقع هذه الأزمة التي ألقت بتبعاتها الكارثية على المواطنين اليمنيين، الذين وجدوا أنفسهم عالقين وسط صراع طاحن يفوق قدراتهم على تحمل تبعاته التي شملت البنوك والقطاع المصرفي في ظلّ الشلل الذي أصاب التحويلات المالية بين مناطق الطرفين.
في السياق، يقول المحلل الاقتصادي نبيل الشرعبي، لـ"خيوط"، إنّ القفز إلى القطاع الخاص هو مِن غير المهام المختص بها البنك المركزي في عدن، إذ لا يرى أيَّ منطقٍ لهذا القرار، ومهما كانت مبرراته فهي غير مقبولة؛ لأنك صرت تتعامل كأنّ القطاع المصرفي الخاص -البنوك الستة والقائمين عليها أو المؤسسين- مجموعاتٌ تجارية ومساهمين، وكأنّهم قصار رؤية وأطفال أو سفهاء، وصار من حقك تولي أمر الحجر عليها وتسييرها حرصًا على ألا تضيع".
ويؤكّد أنّ موقف المنظمات والهيئات الأممية العاملة في اليمن، التي رفضت "أكثر من 40 طلبًا من مسؤولين بحكومة الشرعية لفتح حسابات رسمية لها في مركزي عدن للاستفادة من العملة الصعبة، وذلك منذ نقل عمليات البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وحتى اليوم".
ويمثّل قرار رفض المنظمات والهيئات الأممية اعتبارًا مهمًّا، بحسب ما ذهب إليه الشرعبي، فهو "يكشف بجلاء موقف ما يُطلق عليه "مساندو الشرعية الدولية"، تجاه الحكومة المعترف بها دوليًّا بكل مؤسساتها".
تمدّد تبعات الأزمة
لم يكن قرار بنك عدن الأخير الذي فجّر الأزمة المحتدمة، والذي يدعو فيه البنوك العاملة في صنعاء إلى نقل مراكزها للعاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن- هو القرار الأول، بل سبقه سلسلة من القرارات، شملت تحذير البنوك العاملة بصنعاء من قبول تجميد حسابات الشخصيات المنخرطة في العمل السياسي، التي تساند الحكومة المعترف بها دوليًّا، وقرار حصر استخراج وتجديد تراخيص الصرافة على بنك عدن المركزي، إضافة إلى تحذير البنوك من التعامل مع المحافظ الإلكترونية التي أعلن عنها بنك صنعاء في 2021-2022، فضلًا عن القرار الذي يحذّر من التعامل بفئة الـ(100 ريال) المعدنية التي سكّها بنكُ صنعاء.
ويتحمّل المواطن اليمني عبءَ وتبعات هذه القرارات في ظل انقطاع رواتب الموظفين المدنيّين، وتوسع مستويات الفقر والبطالة في بلادٍ تعاني إحدى أكبر الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.
ويتحدّث الشرعبي عن أنّ أكثر من 50% من واردات المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، تأتي عبر ميناء الحديدة، وفي المقابل الموانئ الواقعة تحت نفوذ حكومة عدن غيرُ مهيَّأة لتغطية هذه النسبة ولا حتى نصفها أو الربع منها. ولا يستبعد الشرعبي أن تَعمَد صنعاء إلى اتخاذ موقف موجع تجاه تجار وواردات المحافظات والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا.
ويرى أحمد الجلال، المدير السابق للجمعية اليمنية لحماية المستهلك، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ "استمرار نشاط تجار هذه المحافظات وتخليص معاملاتهم مرهونٌ بالتزامهم بدفع ما عليهم من جمارك ورسوم شحن عبر ميناء الحديدة بالطبعة القديمة فقط، لا دولار ولا ريال سعودي، وغير ذلك يؤدّي إلى تجميد بضائعهم أو مصادرتها، وهذا ما يخص ترتيب مركزي عدن لإنهاء التعامل بالطبعة القديمة من العملة المحلية.
هذا الأمر قد يقود إلى احتقانات غير مرغوب فيها بين التجار ومركزي عدن ومثلها صنعاء، والأسوأ من هذا الاحتقان، أنّ مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا ستشهد ارتفاعًا جنونيًّا في أسعار السلع والمواد الأساسية وشحتها.
بدورها، تتحدث الصحفية الشابة هبة التبعي، من تعز، لـ"خيوط"، عن الآثار المترتبة على المواطن جراء قرارات مركزي عدن وتدهور سعر العملة وانعكاس ذلك على ارتفاع الأسعار مما جعل الحصول على الاحتياجات الأساسية صعبًا للغاية، مثل الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والتعليم والصحة.
وتضيف: "الشباب هم الأكثر تضرّرًا جراء تدهور الاقتصاد مع توسع مستويات "البطالة"، وانعدام فُرص العمل، وبتنا نجني القليل من المال مقابل الكثير من العمل، إن وُجِد طبعًا، في ظل ارتفاع تكاليف الحصول على الخدمات الأساسية وزيادة المسؤولية، هذا أدّى بدوره إلى انتشار الكثير من الأمراض النفسية في أوساط الشباب؛ بسبب الضغط النفسي وعدم القدرة على التحمل، مما قد يؤدّي إلى ارتفاع نسبة الجريمة وزيادة حالات الانتحار".
* تحرير خيوط