يشكو مُلّاك المخابز والأفران في العاصمة صنعاء، ومحافظات أخرى مثل تعز وعدن، من تراكم الديون وخطر الإفلاس؛ بسبب رسوم الجبايات، وإلزامهم من السلطات المختلفة بتحديد أسعار البيع، دون مراعاة ارتفاع تكاليف المواد المستخدمة في صناعة الخبز، في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي والإنساني في البلاد.
وتشهد هذه المدن منذ فترة، احتجاجات مختلفة بعضها يتخذ طابع الإضراب، بينما اضطر بعضهم تحت وطأة اليأس والديون إلى التوقف عن العمل نهائيًّا، بينما لا تبدو السلطات المختلفة قادرة على تقديم حلول مناسبة مثل دعم أصحاب المخابز بالمواد اللازمة، وبأسعار معقولة تساعدهم على بيع الرغيف للمواطنين، بما يناسب قدراتهم الشرائية.
جبايات حد الإفلاس
في صنعاء، يقول بعض مُلّاك المخابز؛ إنّ جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي تسيطر على العاصمة ومحافظات أخرى، تفرض عليهم تسعيرة بيع ثابتة منذ 2022، رغم ارتفاع تكاليف مواد الإنتاج، حيث يتم بيع خمسة أرغفة من (الروتي) بمئة ريال يمني.
وقد أصبحت هذه التسعيرة سيفًا مُسلطًا على رقاب أرباب المخابز الذين يُجبرون على دفع غرامات مالية على مخالفات السعر أو الوزن، حتى لو كانوا مضطرين لمواجهة ارتفاع تكاليف المواد المستخدمة في إنتاج هذا الخبز.
يشرح أحدهم لـ"خيوط"، تداعيات ذلك عليه، شريطة عدم ذكر اسمه: "لا يعرف أحدنا كيف يبيع ولا كيف يشتري، لقد تكبّدت خسائر تجاوزت المليونَي ريال يمني خلال عام ونصف؛ بسبب الفارق بين أسعار البيع وتكاليف الإنتاج والجبايات".
منذ إقرار التسعيرة، والدخل في تراجع بالنسبة لهذا المالك، الذي يشعر بالخوف في كل مرة يزوره فيها الفريقُ المُكلّف من وزارة الصناعة والتجارة بمراقبة الأسعار والأوزان، وعادة ما تنتهي هذه الزيارات بمشادّات كلامية تتطور أحيانًا إلى عراك بالأيدي مع ملاك المخابز.
بدا مالك المخبز مهمومًا وهو يجلس على كرسيه يُقلّب دفتر الحسابات ويتحدث منكسرًا: "انظر إلى هذه الإشعارات التي تصلنا من فريق الصناعة بشكل مستمر، وإلى فواتير شراء مواد الإنتاج وأجور العمّال وإيجار المحل، ستعرف أننا في حالة عجز ولا نعرف ماذا نفعل!".
بالنسبة للسلطات المعنية، تعدّ التسعيرة أمرًا ضروريًّا لحماية المستهلك من الاستغلال، ويترتب على ذلك إيداع المخالفين السجن، ومعاقبتهم بدفع الغرامات، لكن ملّاك المخابز يقولون إن هذا التعامل غير مسؤول، ولا يراعي مصالحهم، بالنظر إلى الرسوم التي يدفعونها، والتي تذهب جلّها لصالح أشخاص نافذين.
قبل الحرب، كانت الحكومة تقدّم لملاك المخابز حصصًا من الدقيق والوقود المشمول بالدعم الرسمي، مقابل التزامهم بالبيع بسعر محدد، وبناءً على هذا الدعم التزم الفرّانون بالسعر، ومن يخالف يُحرم من التموين، لكن بعد اندلاع الصراع، تغير هذا الوضع تمامًا، إذ لا دعم، ولا إعفاءات، ولا أدنى امتيازات تمكّنهم من الاستمرار وتلبية احتياجات المستهلكين.
إفرازات حالة الحرب
قبل الحرب المستمرة منذ سنوات، كانت الحكومة تقدّم لملاك المخابز حصصًا من الدقيق والوقود المشمول بالدعم الرسمي، مقابل التزامهم بالبيع بسعر محدد، وبناء على هذا الدعم التزم الخبازون بالسعر، ومن يخالف يُحرم من التموين، لكن بعد اندلاع الصراع، تغيّر هذا الوضع تمامًا، إذ لا دعم، ولا إعفاءات، ولا أدنى امتيازات تمكنهم من الاستمرار وتلبية احتياجات المستهلكين وفق المواصفات، ومِن ثَمّ فهم يرون أنّ سياسة فرض تسعيرة دون دعم أو مراعاة متغيرات أسعار المواد المستخدمة، أمرٌ غير منطقي.
مالك فرن سابق يقول لـ"خيوط": "إنّ الظلم الذي تعرضت له، وإشعارات الإغلاق التي كانت تصلني تباعًا، دفعتني لإغلاق مخبزي وتسريح العمال". مضيفًا: "لقد كنت ملزمًا بدفع رسوم ثلاثة إشعارات إغلاق وصلتني من وزارة التجارة والصناعة، لم يكن لديّ القدرة على سدادها، فاضطررت لإغلاق المحل".
تضخم وغياب الدعم
عشرات الأفران في صنعاء وضواحيها، أُغلِقت بسبب التسعيرة المفروضة والإشعارات الضريبية، التي يقول ملّاكها إنها غير واقعية. بموجب هذه التسعيرة، يتم بيع خمسة أقراص (روتي) بدلًا من أربعة كما كان سابقًا مقابل مئة ريال، وهو ما يعني خسارة بسبب معدلات التضخم، وغياب الدعم؛ حد شكاوى المُلّاك.
في المقابل، يقول مصدر بمكتب الصناعة والتجارة بصنعاء، في تصريح لـ"خيوط"، إنّ إغلاق المخابز غير مبرر، باعتبار أنّ التسعيرة جاءت نتيجة لانخفاض أسعار القمح منذ بداية 2023، مشيرًا إلى أن مصلحة الضرائب والغرف التجارية قضت بفرض القائمة السعرية المناسبة على كل المولات التموينية، وأن القرار تم تطبيقه منذ 2022.
وأكّد المصدر ذاته، أنّ الوزارة ستتمسك بالقائمة السعرية المحددة، وأن العمل على تخفيض معاناة المواطنين وحماية لقمة العيش من الاستغلال، من أولوياتها.
من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن، محمد جمال الشعيبي، في حديث لـ"خيوط"، أنّ التسعيرة التي تفرِضها جماعة أنصار الله (الحوثيين) جزءٌ من نتائج تداعيات الحرب على البلاد، بما تسبّبت به من فقر وجوع وارتفاع في الأسعار وانخفاض في القدرة الشرائية، والجماعة اليومَ تضغط على ملاك المخابز لكيلا يتحوّل الشارع والجياع ضدهم.
ويقول الشعيبي: "حينما تصل أسعار المواد الخام وتكاليف الإنتاج إلى المستوى الذي يتجاوز الأسعار التي يفرضها "الحوثيون"، فبدون شك أن ذلك سيدفع أصحاب الأفران والباعة إلى التوقف عن الإنتاج والبيع؛ الأمر الذي سيخلق أزمة، ومن ثم إثارة غليان الشارع ضدهم باعتبارهم المسؤولين عن ارتفاع السلع والخدمات".
تسعيرة غير منصِفة
في تعز، الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، كان محافظ المحافظة، نبيل شمسان، ألغى قرارًا صادرًا عن مكتب الصناعة والتجارة في المحافظة، قضى بتحديد سعر الخبز وفقًا لعدد الأرغفة أو وزنها. القرار لاقى استهجانًا من ملّاك الأفران، دفع المحافظ لإلغائه وتلافي غضب وإضراب ملاك الأفران.
وتعليقًا على القرار وإلغائه، تحدث لـ"خيوط" أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، محمد القحطاني، قائلًا: "التسعيرة بالمقاييس التي تم تحديدها، نظريًّا هي لصالح الناس، إلا أن ما يتخذ من قرارات مع غياب مؤسسات الدولة وانتشار صور الفساد بصورة فاضحة، تجعلنا لا نعير اهتمامًا لما يعلن من القرارات؛ لأننا نعلم مسبقًا بأنها لن تطبق".
وأضاف القحطاني: "قيام السلطة المحلية بتحديد حجم رغيف (الروتي) تحت وزن معين، مبادرةٌ قد تبدو ظاهريًّا جيدة، لكنها في الواقع غير ممكنة، فلم نجد فرنًا واحدًا يخبز وفقًا للوزن المقرر، كل محل يبيع بوزن خاص به، خاصة في ظل قصور الرقابة والمتابعة من الجهات المعنية".
وأكد القحطاني أن التسعيرة التي كان فرضها مكتب الصناعة والتجارة في تعز، غير مُنصِفة لأصحاب الأفران، وجاءت بدون تخطيط ودراسة؛ حتى تكون مناسبة للمواطن ومالكي الأفران على حد سواء.
على صعيد متصل، لا يختلف الحال في عدن (جنوب البلاد)، التي شهدت احتجاجات نفّذها ملاك المخابز والأفران الآلية، للمطالبة بوضع حدٍّ لما يعانونه بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام وانخفاض سعر العملة المحلية، خصوصًا مع استمرار بيع الخبز بالأسعار القديمة منذ عامين دون أن يطرأ عليها أي ارتفاع يتناسب مع زيادة تكاليف الإنتاج.
تقرير حديث للبنك الدولي، أشار إلى وجود تباين في معدلات التضخم في مناطق سيطرة أطراف الصراع المختلفة؛ ففي صنعاء شهدت انكماشًا بنسبة -11.8%، بينما تواجه عدن تضخمًا مرتفعًا بنسبة 7.0% بسبب انخفاض قيمة العملة. فيما حذّر تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة الزراعة والأغذية (فاو) التابعة للأمم المتحدة، من أن الأُسَر معرّضة للخطر الغذائي بشكل متزايد؛ بسبب انخفاض قيمة الريال اليمني، ومِن ثَمّ ارتفاع تكاليف الغذاء. ويضيف التقرير أن هذا الوضع يجعل الأُسر عرضة لعدم الاستقرار الاقتصادي والسوقي.