تعيش فاطمة عطية -في الثلاثينيات من عمرها- في بيت والدها بمحافظة الحديدة، هي وأطفالها الثلاثة، بعد أن اضطرت إلى اللجوء إليه إثر وفاة زوجها قبل حوالي ثلاث سنوات، لتبدأ عطية رحلة كفاح مضنية بحثًا عن وسيلة لإعالة أطفالها، لكن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، إلى جانب تراكمات الحرب، أتت على ما تبقى من مخارج نجاة.
في البداية، ظنّت عطية أنها ستجد الدعم من إخوانها الذين يقطنون ذات المنزل، كونهم السند الوحيد الباقي بعد وفاة والديها وزوجها، لكن الظروف السيئة كانت قد طالت الجميع، وغيّرت في النفوس الكثير، لتكتشف بمرور الأيام والشهور، أنها مكشوفة الظهر، في وسط معركة حياتية تحول فيها أقرب الناس إلى خصوم، وباتت كل حيل المواجهة أشبه بحديث غير واقعي.
تقول عطية لـ"خيوط"، إنها تعرضت لضغوط من إخوانها للعمل، وإلا ستُحرَم هي وأطفالها من الطعام، بل وصلت الضغوطات إلى حد التهديد بالطرد من المنزل الذي لها حق فيه.
مأساة عطية، واحدة من بين مئات الحالات لنسوة أخريات يتحملن مسؤولية إعالة أسر بكاملها، في ظل وضع بالغ التعقيد، وبيئة لا تمنح النساء فرصًا حقيقية للعمل والبحث عن لقمة عيش كريمة لهن ولمن يَعُلْنَهم.
عالم متوحش
تعمل هناء الوصابي (39 سنة) -أمّ لطفل- من أجل توفير سبل حياة كريمة لها ولطفلها، بعد أن وجدت نفسها معنية بتوفير متطلباتها ومتطلباته إثر انفصالها عن زوجها، لكنها صُدِمت في الخارج بعالم متوحش، لا يرحم طفلًا ولا امرأة. تقول الوصابي لـ"خيوط": "عملت تحت تعنيف نفسي ومعنوي لا أتمناه حتى لألدّ أعدائي، شارك المحيط، القريب قبل البعيد، في مصادرة حقوقي بصفتي إنسانة أولًا، وامرأة ثانيًا، لقد تحولت حالتي الاجتماعية كوني مطلقة إلى وصمة عار، تلقي على عاتقي ذنب فشل العلاقة، علاوة على صنوف شتى من الابتزاز والاستغلال الذي أتعرض له من بعض أفراد عائلتي، ولولا ألطاف الله، لكانت داستني عجلة الحياة منذ اليوم الأول لطلاقي".
حرمان من الحق
يشير أستاذ علم الاجتماع والباحث في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبدالكريم غانم، إلى أنّ العنف الاقتصادي هو أبرز أنواع العنف الذي قد تتعرض له النساء المعيلات. وقال غانم في حديث لـ"خيوط": "حين تتحمل بعض النساء مسؤولية إعالة أسرهن، يتجهن للبحث نحو تحرير موارد الأسرة من سيطرة الأقارب، لكنهن في الطريق إلى ذلك يتعرضن للكثير من الاستغلال والتشكيك في نواياهن وسلوكهن لدرجة الطعن في أعراضهن، فالمرأة التي يتوفى زوجها، لا تُمَكَّن من بعض ممتلكات زوجها، إلا بقبولها الزواج بأحد إخوته، وهو شرط لتمكينها من بعض ما هو حق لها ولأبنائها بالأساس، أو حرمانها في حال رفضت هذا العرض".
يتابع غانم حديثه، قائلًا: "وفوق حرمانها من أبسط حقوقها، وإلقاء التهم عليها جزافًا، يلجأ بعض الذكور من عائلة المتوفَّى، إلى التعنيف الجسدي بحجة حمايتها، وحماية عرضهم وبناتهم وسمعة العائلة، وإذا قررت الأرملة الخروج من هذه الدائرة المغلقة والذهاب لسوق العمل، في الخارج، فقد تواجه عددٌ منهن محاولات كثيرة من التحرش والاستغلال الجنسي".
تحديات مختلفة
في السياق، أشارت دراسة أصدرتها منظمة العفو الدولية، بعنوان "أوقفوا العنف ضد المرأة"، إلى أنّ النساء في اليمن يتعرضن للعنف والتمييز المنهجي، ويُعاملن معاملة مواطنات من الدرجة الثانية، بدلًا من الاعتراف بحقوقهن المتساوية مع الرجال.
وذكرت الدراسة أنّ اليمنيات لا قرار لهن، وأن القرارات بيد الذكور، وأن قيمتهن بوصفهن إنسانًا، منتقصة مقارنة بالذكور.
الدراسة تذكر أيضًا أنّ العنف ضد المرأة شائع في اليمن، ويُرتكب عادةً من قبل أفراد الأسرة والمجتمع عامة، في المقابل لا يوجد قانون يحمي النساء من هذا العنف، فعلى سبيل المثال، يجرِّم قانون العقوبات اليمني الأذى الجسدي، لكنه لا يُحاكم العنف المنزلي أو العنف ضد المرأة.
فيما تشير تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى أنّ العنف ضد المرأة في اليمن، زاد بنسبة تصل إلى 63% منذ تصاعد النزاع في سبتمبر/ أيلول 2014، وهذا يجعل الجمهورية اليمنية من بين أوائل الدول التي تتعرض فيها النساء للعنف.
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه المرأة في اليمن، يقول ياسر المليكي -محامٍ متخصص في قضايا المرأة- في حديث لـ"خيوط"، إنّ المجتمع اليمني يمارس الانتهازية والتمييز الجنسي ضد النساء، وينظر للأرامل والمطلقات بوصفهن نساء متاحات وممكنات لتحقيق رغبات الرجال الشخصية، خاصة أثناء وجودهن في الأماكن العامة كالمحاكم والمستشفيات.
ويضيف المليكي: "يصل التعنيف وسوء المعاملة الذي تتعرض له النساء الأرامل والمطلقات إلى أولادهن، إذ يعامل جلهم بامتهان وقسوة وتحقير باعتبارهم تربية مَكَالِف (نساء)".
وقفة للمعالجة
ويسرد المليكي بعض نقاط الحل، قائلًا: "معالجة هذه القضية التي تمس شريحة مجتمعية واسعة، هو إعادة النظر في التشريعات والقوانين الضامنة لحقوقهن، ونشر التوعية في الأوساط المجتمعية عبر منابر شتى، سواء الإعلام أو الوعظ الديني أو عبر إقامة ندوات وورش عامة".
من جانبها، تقول مها عوض، رئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني، في حديث لـ"خيوط"، إنّ قصور النظرة المجتمعية تجاه النساء، وحشرهن في صورة نمطيةٍ تنال من إنسانيتهن، أمرٌ يجب الوقوف في وجهه؛ لأنّ إجهاض حق نصف المجتمع يعني فشل كل المجتمع، ومن ثَمّ فإن وجود الدولة، بقوانينها الرادعة من أولى أولويات المعالجة.
من جهته، يرى غانم، أنّ حماية حقوق النساء، خاصة الأرامل منهن والمطلقات، يتطلب تنفيذ دراسات ميدانية على المستوى الوطني لتقييم أوضاع النساء وما يتعرضن له من تعنيف وتمييز وضياع حقوق، للخروج بتوصيات تخاطب صنّاع القرار والجهات ذات العلاقة، المعنيين بسَنّ تشريعات تستجيب لاحتياجات النساء، وفي مقدمتهن الأرامل والمطلقات، وتحرص على مواءَمة القوانين اليمنية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واستحداث شُعَب تابعة لمكاتب الشؤون الاجتماعية، تعنى باستقبال الشكاوى.
معتز الشرجبي -مدرّب في مجال النوع الاجتماعي والمناصرة من أجل تحقيق المساواة في المجتمع- يؤكّد في حديث لـ"خيوط"، على ضرورة تشديد العقوبات على المعتدين، وتشجيع المرأة على الإبلاغ دون خوف، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في توعية المجتمع وتعزيز العدالة.