في 28 أكتوبر 1962، أصدر الرئيس عبدالله السلال (رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة)، قرارًا بمنح ترخيص للبنك اليمني للإنشاء والتعمير، وحيثية إصدار القرار حسب الوثيقة -المكونة من ثلاثة أسطر فقط ومكتوبة بخط اليد- كانت للحاجة لتشجيع الاقتصاد الوطني، حتى تضمن البلاد التطور والتقدم.
هذه الوثيقة البسيطة لم تسبغ عليه صفة أول بنك وطني يتأسس في اليمن وحسب، وإنّما حدّدت مهامه وأهدافه الاقتصادية الوطنية الكبيرة، في بلدٍ خرج لتوّه من العزلة والانغلاق قبل 32 يومًا، بقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962؛ ولكونه أول بنك وطني، فقد استلزم الأمر أنّ تتعدد أغراضه بحيث تشمل كافة الخدمات المصرفية الاعتيادية للقطاعين العام والخاص، إضافة إلى المساهمة في عمليات التنمية الاقتصادية من خلال تأسيسه لعديد من الشركات الحيوية التي كانت تفتقر إليها البلاد، وساهم في تأسيس شركات حيوية أخرى رافدة للاقتصاد الوطني، مثل (المحروقات، والتبغ والكبريت، والقطن، والكهرباء والملح، والتجارة الخارجية، والأدوية، والشركة اليمنية للطباعة، والشركة اليمنية للسينما، وشركة مأرب للتأمين، وشركة تسويق المنتجات الزراعية، وغيرها).
نظامه الداخلي الأول الذي صدر في العام 1963، حدّد أهداف البنك بتحقيق جملة من المهام، منها: القيام بجميع العمليات المصرفية، وله في سبيل ذلك مزاولة جميع أعمال البنوك التجارية من خصم وتسليف على بضائع أو مستندات أو أوراق مالية أو تجارية، وقَبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والاعتمادات، وبيع وشراء الأوراق المالية، والاشتراك في إصدارها.
وله أن يقوم بعقد عمليات ائتمان مع غيره من البنوك، كما يجوز أن يقرض الحكومة أو يضمن القروض والاستثمارات التي تعقدها مع الهيئات والمنشآت اليمنية والأجنبية، ويجوز أن تكون له مصلحة أو يشترك بأي وجه من الوجوه مع الهيئات التي تزاول أعمالًا شبيهة بأعماله أو تعاونه على تحقيق غرضه في الجمهورية (العربية) اليمنية أو في الخارج.
كان رأس مال البنك عند التأسيس في أكتوبر 1962، عشرة ملايين ريال (ماري تيريزا)، ووزع رأس مال التأسيس على مليون سهم، وقيمة كل سهم فيه عشرة ريالات. امتلكت الحكومة نسبة 51% من الأسهم، تمثّلت في قيمة دمج شركة المحروقات اليمنية [النفط] في البنك كجزء من قيمة مساهمة الدولة (مع منح المساهمين في الشركة أسهمًا في البنك)، والرصيد الدائن في ميزانية تصفية البنك الأهلي التجاري السعودي، حين تحولت ملكية هذا البنك بعد التصفية إلى البنك اليمني بعد قيام ثورة سبتمبر. بقية النسبة البالغة 49% تُركت للاكتتاب العام، والتي بلغت في 31 ديسمبر 1962، أكثر من 67 ألف سهم.
أول تقرير سنويّ قدّمه البنك للجمعية العمومية (المساهمون وأعضاء مجلس الإدارة)، كان عن العام المالي المنتهي في 31/ 12/ 1963، تضمّن الإشارة إلى الدعم السخي الذي قدّمه البنك لثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
ولم يَصِرْ رأس مال البنك مدفوعًا بالكامل إلَّا في العام 1970، حيث "دفعت الحكومة قيمة أسهمها من نصبيها في شركة المحروقات والكهرباء، ومن نصيبها من أرباح الأعوام الثمانية (1962-1970)، كما استكمل القطاع الخاص سداد قيمة أسهمه خلال العام نفسه، أمّا الأفراد فقد دفعوا قيمة أسهمهم نقدًا عند الشراء، كما وزَّع البنك بقيّة الأسهم على موظفيه حسب الدرجات الإدارية والرتب، وحسم قيمتها من رواتبهم".
أول رفع لرأس مال البنك كان في أغسطس من العام 1977، بالتزامن مع التغيير الثالث في النظام الأساسي، وتم رفع رأس المال إلى مئة مليون ريال يمني، بدلًا من عشرة ملايين ريال. في أبريل من العام 2002، جرى التعديل الرابع للنظام الأساسي، وبموجبه تم رفع رأس المال إلى ملياري ريال، وآخر تعديل لنظام البنك الأساسي كان في مايو من العام 2011، وفيه تم تمديد مدة الشركة (البنك) خمسين عامًا أخرى؛ تبدأ من 28 أكتوبر 2012، وتنتهي في 27 أكتوبر 2062، ورفع رأس المال إلى اثني عشر مليار ريال يمني.
مهمة قيادة البنك خلال سنوات التأسيس الأولى لم تكن فقط لإدارة البنك، بل تجاوزتها إلى المشاركة في تحديد سياسة الدولة النقدية والاقتصادية، والمشاركة الفعلية في تسيير أمور البلاد. وتشير بعض الوثائق إلى أنّ اتصال إدارة البنك برئيس الجمهورية كان مباشرًا، كما كان من حق رئيس مجلس إدارة البنك حضور اجتماعات مجلس الوزراء، كونه يحمل صفة وزير.
أول اجتماع لمجلس إدارة البنك كان بتاريخ 31 ديسمبر 1962، في مقر مجلس الوزراء بالقصر الجمهوري بصنعاء، برئاسة أول رئيس لمجلس إدارة البنك، الدكتور حسن محمد مكي، وبحضور أول مدير عام للبنك، الدكتور محمد سعيد العطار. الدكتوران مكي والعطار كانا قد تأهّلا تأهيلًا علميًّا عاليًا؛ الأول في إيطاليا والثاني في فرنسا، ومثّلا الصورة الجديدة لليمن الخارج من ركام السنين.
أما المركز الرئيس للبنك عند التأسيس، فقد كان في مدينة الحُديدة، وزاولَ نشاطه في مقرّ البنك الأهلي التجاري السعودي الذي افتتح مقره الرئيس في الحُديدة في العام 1956، وتحوّلت ملكيته للحكومة اليمنية الجديدة بعد الثورة مباشرة. أما اختيار مدينة الحُديدة ومقرّ البنك الأهلي كمركز رئيس، فسببه أنّ التجهيزات والبنية التحتية للعمل المصرفي كانت متقدمة نسبيًّا عن مثيلاتها في صنعاء أو تعز، لأنّ النشاط التجاري في المدينة كان فاعلًا بسبب وجود الميناء فيه. (في إحصائية مبكرة ظهرت في كتاب د. سعيد الشيباني، بيّنت العددَ الكبير لموظفي البنك السعودي في الحُديدة التي تتجاوز مثيلاتها في فروع صنعاء وتعز، وأيضًا فوارق المرتبات الكبيرة للعاملين، وهذا يؤشر لأهمية مركز الحديدة، الذي اتخذه البنك اليمني مقرًّا مؤقتًا له في تلك الفترة).
أول تقرير سنويّ قدّمَه البنك للجمعية العمومية (المساهمون وأعضاء مجلس الإدارة) كان عن العام المالي المنتهي في 31/ 12/ 1963، تضمن الإشارة إلى الدعم السخي الذي قدّمَه البنك لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، "التي واجهت، منذ البداية، حربًا اقتصادية لا هوادة فيها، فكان البنك الدرع الواقي الذي تحطّمت عليه جميع الأسلحة الاقتصادية التي أشهرتها الجهات المعادية في وجه الثورة، ولم يكن منتظرًا منه غير هذا، فهي باكورة إنتاج الثورة ووليدها الفتي، فكان لزامًا عليها العون والوفاء"، كما جاء في نصّ التقرير الذي لم ينسَ أيضًا الإشارة إلى دمج شركة المحروقات في البنك، كحصة للحكومة بوصفها أهم مداميك قيام البنك، وجاء في السياق:
"وقد كان لدمج شركة المحروقات اليمنية في مؤسستكم آثارٌ حسنة، فالدمج في حقيقة الأمر تجميعٌ لرأس المال اليمنيّ، وتركيزٌ لإمكانياته حتى يتمكن بالاضطلاع بمسؤوليات أكبر تجاه الاقتصاد الوطني وخدمته".
المراجع:
- د. سعيد الشيباني، البنك اليمني للإنشاء والتعمير، أربعة وثلاثون عامًا من العطاء التنموي (1962-1996)، طبعة أولى – خاصة بالبنك 1997.
- عبدالكريم الزبيري، "البنك اليمني للإنشاء والتعمير؛ قصة تاريخ مجيد في خدمة الاقتصاد والمجتمع- خمسون عامًا من العطاء 1962-2012م، طبعة أولى- خاصة بالبنك 2012.
- عن بنك البنوك وسنوات التأسيس الأولى.. البنك اليمني وما تبقى من صورة اليمن الجديد!
https://www.khuyut.com/blog/yemeni-bank