تبقى أغنية (يا سامعين الصوت) للفنانة الرائدة فتحية الصغيرة، التي كتب كلماتها الشاعر الراحل فريد محمد بركات، ولحّنها أحمد بن غودل، واحدةً من الأغاني السامقة في مدوّنة الموسيقى والطرب في اليمن:
يا سامعين الصوت ردوَّا عليَّا
حد شاف لي مخلوق يسأل عليَّا
أسمر وكله حلا.. يخطر ومشيه دلا
يا سامعين الصوت
يا ريت انا مثله عيوني بصيرةْ
لكن انا عاشق جناحي قصيرةْ
ويني ووين الحبيب.. يا ريت يقرب قريب
يا سامعين الصوت
دوّرت له بين العيون السواحر
ردَّت عليَّا الغيد قالت مسافر
وحده ودربه بعيد.. يا بخت من هو وحيد
يا سامعين الصوت
باصبر على بعده وهجره وظلمه
ما شفت حد مثله ولا حد بحسنه
يرتاح لما يغيب.. قاسي وطبعه غريب
يا سامعين الصوت
باعبر على شوك الهوى والمحبة
بانسى معاذيره وبانسى الأحبة
لما المحب يستجيب.. بارجع وسهمي يصيب
يا سامعين الصوت
الفنانة "فتحية الصغيرة" واحدة من الأصوات الغنائية النسوية اليمنية الكبيرة. وُلدت في حافة القاضي بكريتر في العام 1946، لأسرة فنيّة معروفة. أبوها قبطان أعالي البحار، الشيخ محمد فقيه عبدالرحمن، كان لديه مبرز فنّي (مقيل قات) أسفل مسكنه، يستقطب روّاد الفنّ والطّرَب في المدينة وقتَها، وكان الأب الشغوف بالفنّ يحتفظ بعشرات الأسطوانات الغنائية المصرية والهندية والكويتية، التي كانت الصغيرة تستمع إليها وتحفظ العديد من أغانيها. أخواها الفنّانان حسن وحسين فقيه لعبا دورًا مهمًّا في تبنّي موهبتها الفنّية مبكرًا، حينما سمعاها ذات ظهيرة وهي تشدو بأغنية "مظلومة يا ناس"، فطارا بها إلى منزل علوي السقاف، والذي كان وقتها ينقّب عن المواهب الجديدة، وتم تقديمها في برنامجين مختلفين في إذاعة عدن.
وحين بلغت الثانية عشرة من العمر، سجّلت مجموعة من الأغاني، منها أغنية "ليه تباني أنساك وأنا قلبي مبتلي"، وأغنية "يا غائب كم باتغيب"، وأغنية "أحبك مهما تتكبر"، من ألحان أخويها حسن وحسين فقيه، وأغنية "حائر وحبك محيّرني" من ألحان أبوبكر سالم. ستنفتح لها أبواب الانتشار سريعًا بعد ذلك، وستتعزز أكثر بعد ارتباطها بالفنّان أحمد قاسم، ليشكِّلا ثنائيًّا فنّيًّا رائدًا، ليس على مستوى جنوب اليمن وشماله، وإنّما في الجزيرة والخليج.
أمّا الشاعر فريد محمد بركات (فريد بركات)، ابن مدينة عدن وأحد آباء الحداثة الأدبية والثقافية في اليمن، صاحب إرث متنوّع ومهمّ، شعرًا ونقدًا وتنظيرًا سياسيًّا، لا يمكن القفز على تميزه وثرائه في حال مقاربته بالدرس والفحص. لفريد الكثير من القصائد المغنّاة التي صدحت بها حناجر روّاد الأغنية العدنية، كأحمد قاسم، ومحمد مرشد ناجي، وفتحية الصغيرة، وأمل كعدل، ومن أشهر قصائده المغنّاة: "اشتقت لك"، "أجمل هوى"، "حمام الشوق"، "صبوحة خطبها نصيب"، وقصيدتنا التي تصدح بها الفنانة فتحية الصغيرة. وله باعه الإداريّ الطويل في المؤسسة الثقافية الرسمية، حيث شغل فيها العديد من المواقع المتقدمة، على نحو رئاسة مجلة الثقافة الجديدة، ورئاسة التلفزيون، ووكالة وزارة الثقافة، ورئاسة مجلة قضايا العصر. وفريد أحد مؤسِّسي اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين الأوائل مطلع سبعينيات القرن الماضي. تُوفِّي في مايو 2019، بمدينة عدن.
______________
المصادر:
- الأصوات الغنائية النسوية في اليمن 1950–2000، د. يحيى قاسم سهل، دار الصادق، صنعاء، 2020.
- موسوعة شعر الغناء اليمني، الجزء 8، الطبعة الأولى 2005، دائرة التوجيه المعنوي، صنعاء.
- أصوات نسوية في الغناء اليمني خلال نصف قرن! https://almahriah.net/opinions/176
- من صفحة محمد عبدالوهاب الشيباني، في الفيس بوك، عن فريد بركات، في 19 مايو 2019.