الكلمات: د. سعيد الشيباني
لحن وغناء: محمد مرشد ناجي
منصة خيوط
منذ ما يزيد على ستة عقود وأغنية "يا نجم يا سامر"، التي كتب كلماتها الدكتور سعيد الشيباني في 1958، ولحّنها وغنّاها الفنان الراحل محمد مرشد ناجي بصوته العبقري مطلع الستينيات، صارت أيقونة كبيرة، وسَرَت في ألسنة الناس ووجدانهم، ولم تزل حتى الآن تندفع كنبع شجن دفاق، وهي إلى جانب ذلك واحدة من أغاني التأسيس الباكرة للون الغنائي التعزي، إن لم تكن مفتتحه الصريح. وهذه الأغنية تجاوزت حدودها المحلية حين أدّاها الفنان السوري الراحل فهد بلان، وتلقّفها منه آخرون بذات لحن المرشدي العبقري.
تقول كلمات الأغنية:
يا نجم يا سامر فوق المصلى
كل من معه محبوب وانا لي الله
الأخضري من العدين بكَّر
مشدته بيضاء ومشقره أخضر
فرحي أنا فرح الثمر بمبكر
فرح الشجر ساعة نزول الامطار
لما تعود شاهْديك ألف حُلّة
ومن هجير الشمس أنا مظلّة
شوقي إليك شوق الزهور مُطلّة
شاصْبر عليك لما يردّك الله
هجرتني والقلب غير سالي
كل السبب عساكر الحلالي
بكّر من التربة غبش يلالي
بيده سبيل بجيبه أمر عالي
عن الشاعر
منذ كان طفلًا في إحدى قرى بني شيبة، التي وُلد فيها في العام 1939، يُقوم برعي الأغنام وحراسة الحقول الزراعية من القرود والثعالب والجراد و"الجُدم"، وتعلمه مبادئ الكتابة والقراءة وقراءة القرآن على يد أحد فقهاء القرية، وتاليًا انتقاله إلى مدينة عدن، وتحديدًا منطقة التواهي في العام 1949، حيث كان والده يمتلك مخبازة بالقرب من جامع الهتاري، وتعلمه الخط والحساب والعلوم والنحو والبلاغة من فقهاء الجامع، ومبادئ اللغة الإنجليزية من الأستاذ علي عبدالكريم الشيباني في نادي الاتحاد بالطويلة. وأكمل تعليمه المتوسط في المدرسة الأهلية في التواهي، بعد أن تعذر التحاقه بأيٍّ من مدارس المستعمرة الإنكليزية، حين كانت ترفض استقبال التلاميذ غير المنتمين لمدينة عدن أو المولودين فيها.
في عام 1953، تحصَّل على منحة إلى القاهرة بواسطة الاتحاد اليمني ضمن 12 طالبًا من أنحاء اليمن، منهم: أحمد الشجني، وعبدالوهاب عبدالباري، وفتح الأسودي، وقائد محمد ثابت، وفيصل الأصنج، علي عبدالله الأغبري، وهي إجمالي المنح التي تحصل عليها الشيخ عبدالله علي الحكيمي شخصيًّا من الرئيس جمال عبدالناصر، إبان رئاسته للاتحاد، وقبل وفاته بعام.
حين أكمل دراسته الثانوية في العام 58، التحق بجامعة القاهرة، حيث أنهى دراسة التجارة في قسم المحاسبة، وأتبع البكالوريوس بدبلوم الإدارة العامة من ذات الكلية في العام 1963.
وخلال هذه الفترة صار اسمًا شعريًّا معروفًا، تغنّى بنصوصه الشعرية الغنائية العديد من الفنانين، منهم: محمد مرشد ناجي، وأحمد قاسم، وفرسان خليفة، وأذاعت له "صوت العرب"، التي استمر يتعاون معها أكثر من عامين، بين 61 و63، عشرات القصائد، بعضها وجد طريقه إلى حناجر الفنانين الكبار، وعلى رأسها النصوص التي تغنت بالثورة والأرض والإنسان.
وأول نص غنائي له هو الذي لحنه وأدّاه الفنان الكبير محمد مرشد ناجي، والمعنون: "يا نجم يا سامر". ولتلحين وغناء النص قصةٌ يرويها الشاعر نفسه، الذي يقول: "أتممت كتابته في العام 58، وسلمته للفنان أحمد السنيدار، الذي كان حينها زميلًا لنا في القاهرة، لكنه بعد أشهر أعاده لي ولم يلحنه، فأبقيته لديّ قرابة عام، ثم أرسلته للفنان المرشدي، الذي بدأ نجمه في الظهور حينها، عن طريق إذاعة عدن، ليظهر على المستمعين في العام 1961".
عن الفنان
عمل لأكثر من ستة عقود على التأصيل للفن اليمن بكل ألوانه، وغنّى لمعظم شعرائه الرواد، لهذا عرفته اليمن بسهولها وجبالها ومدنها وقراها، غنَّى للإنسان والأرض والثورة والعشاق، أطرب وأرقص ونوَّر وثوّر.
لم يكتفِ بالتلحين والغناء، بل نظر للفن وألوانه، وهو الذي حُرم من منحة لدراسة الموسيقى لأسباب سياسية اتصلت بمواقفه الوطنية المناهضة للاستعمار، والتي توّجها بانخراطه في الجبهة الوطنية المتحدة التي قادت تظاهرات ضدّ السياسات التمييزية للمستعمر ضد أبناء اليمن عمومًا، المظاهرات التي عرفت في الأدبيات السياسية بمظاهرات إسقاط انتخابات المجلس التشريعي أواسط خمسينيات القرن الماضي.
الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين، أصدر في العام 1959 كتابًا هو الأول من نوعه في مجال التنظير الموسيقي في ذلك الوقت، أسماه "أغانينا الشعبية"، وقال فيه:
"عندما كتبت (أغانينا الشعبية)، لم يكن الهدف من الكتابة تناول قضايا فنية بحتة حول الأغنية الشعبية في اليمن، والقصور في هذا الجانب واضح كل الوضوح، وكان القصد والمراد هو خدمة أهداف الجبهة الوطنية المتحدة 1955م، والتي كان لي شرف الانتماء إليها متأخرًا كعضو في هيئتها التنفيذية العليا".
وهو في الحادية والعشرين من عمره، لحّن وغنّى قصيدة "هي وقفة" للشاعر محمد سعيد جرادة، والتي لم تبلَ حتى اليوم بعد أكثر من سبعين سنة على ظهورها الأول المدهش.
غنّى لتهامة رائعة الشاعر العنسي: "شابوك أنا وامرِفَاق بكرة، أرض امجبل ما نبا امساحل"، وغنّى من حضرموت رائعة المحضار "دار الفلك دار" حينما سكب فيها من روحه اللحني البديع، ولصنعاء غنّى مُجِّددًا رائعة القاضي عبدالرحمن بن يحيى الآنسي المشهورة: "عن ساكني صنعاء حديثك هات وا فوج النسيم".
غنَّى من اللون اليافعي قصيدة "يحيى عمر قال يا طرفي لما تسهر"، وغنى من اللون البدوي قصيدة أحمد الجابري "على امسيري على امسيري أَلَا بسم الله الرحمن".
هو أحد الملهمين الكبار للون الغنائي التعزي بخصوصيه الحجرية حين غنّى باكرًا للدكتور سعيد الشيباني "يا نجم يا سامر"، ثم لأحمد الجابري "أخضر جهيش مليان"، وعبدالله سلام ناجي "قطفت لك كاذي الصباح بكمّه"، وسلطان الصريمي قصيدة السياسية "نشوان".
وغنّى باللون اللحجي الكثير، ومنها رائعتَا الشاعر عبدالله هادي سبيت: "يا بن الناس حبيتك"، و"لا وَين أنا لا وَين".
وهو أولًا وقبل كل شيء أحد مجددي اللون الغنائي العدني، حين غنّى الكثير من قصائد لطفي جعفر أمان والجرادة وغيرهما. إنه باختصار المرشدي الصوت الذي تقطَّرت اليمن في ألحانه وغنائه، ولهذا سيبقى صوتًا صدّاحًا خالدًا.
____________________
(*) ينظر كتاب: "من هنا مرّ الغناء دافئًا- شعراء ومطربون يمنيون"، محمد عبدالوهاب الشيباني، منشورات مواعيد 2023، صفحات 61 وما بعدها، 99 وما بعدها.