تعاني مريم أحمد (اسم مستعار)، من الأمراض الناتجة عن "الديدان" التي استوطنتها منذ الصغر، بالرغم من تناولها أصنافًا عديدة من العقاقير والأدوية، وحتى الأعشاب الطبية للقضاء على الديدان، لكن دون فائدة.
تؤكد مريم (27 عامًا)، لـ"خيوط"، أنها تعاني من النحافة المفرطة، حيث لا يزيد وزنها على 40 كيلوغرامًا، إذ لم تُجدِ نفعًا الفحوصاتُ الطبية التي أجرتها، ولم توضح حالتها على وجه التحديد مع تعدد تشخيصات الأطباء الذين عاينوا حالتها، فبعض الأطباء يشخص المرض بأنها جرثومة في المعدة، وبعضهم الآخر يقول إنها "ديدان" دون تحديد نوعيتها.
تقول مريم إنّ الأدوية تتطلب دائمًا جهدًا كبيرًا، ولا بدّ من تحمّل أعراضها؛ كالعصبية، وفقدان الشهية، ونقصان الوزن، إضافة إلى أن نسبة الشفاء كما في حالتها وتجربتها في الحصول على علاج؛ ضئيلة جدًّا، فما كان منها إلا أن تركت استخدام الأدوية بسبب خوفها من الاستمرار في نقصان الوزن، واستبدلتها ببعض الأعشاب الطبية والعسل، والأهم محاولتها التعايش مع المرض حتى تجد حلولًا علاجية مناسبة له.
تصنف اليمن إلى جانب دول أخرى، مثل مصر والصومال والسودان؛ الأشد توطنًا لداء البلهارسيا في الشرق الأوسط، حيث تشهد البلاد انتشارًا مخيفًا للأمراض الناتجة عن المياه الملوثة بالديدان، التي تصيب الأشخاص بسرعة وتخترق طبقة الجلد لتنتقل إلى الدم، ما يؤدي إلى استهلاك وإضعاف أجسام المصابين بها. ويعتبر داء "البلهارسيا" في هذا الخصوص مرضًا طفيليًّا حادًّا ومزمنًا تُسبّبه الديدان المثقوبة الدموية (المثقوبات) من جنس البلهارسيا.
تختلف الأعراض من شخص لآخر، حيث إن هناك العديد من المصابين لا يعانون من أعراض البلهارسيا إلا بعد مرور عدة أشهر، أو حتى عدة سنوات من لحظة التعرض للعدوى.
في السياق، تبدي مريم حيرتها من السبب الذي أدّى إلى إصابتها بهذا المرض، وهل هو ناتج عن تلوث المياه التي يتم شربها، أو التي يتم الاغتسال بها، أو بسبب الأكل الذي يتم شراؤه وتناوله في المدارس خلال مرحلة التعليم الأساسية.
في حين يتفق أطباء، تحدثوا لـ"خيوط"، على أنّ البلهارسيا هي أحد الأمراض الطفيلية والمعدية، وتصيب الأشخاص نتيجة انتقالها إلى الجسم، وتخترق يرقاتها الجلد عند حدوث اتصال مباشر مع المياه العذبة الملوثة بهذا الطفيلي المعدي. وعند دخول هذه الطفيليات إلى الجسم تبدأ بالتطور إلى ديدان حيث تنتشر في الأوعية الدموية.
ويوضح الطبيب المختص في الأمراض الباطنية محمد عبدالحافظ حيدرة، لـ"خيوط"، أنّ أنثى الديدان تقوم بوضع بويضاتها في مجرى الدم، وقد تغادر هذه البويضات الجسم مع "البراز أو "البول"، وبعضها الآخر يبقى في أنسجة الجسم ويؤدي بها إلى تحفيز الجهاز المناعي، وبذلك يزداد خطر تلف الأعضاء الأخرى؛ بسبب العدوى الطفيلية من الأعضاء التي قد يكون لها تأثيرات تطال الجهاز البولي، والجهاز الهضمي.
يرقات طفيلية
تنتشر البلهارسيا في الأماكن التي تتدنى فيها مستويات النظافة، والتي تعاني من تلوث المياه، وتعدّ فئة أطفال المدارس الأكثرَ عرضة للإصابة بالمرض؛ وذلك بسبب قضاء أوقاتهم بالسباحة في الأماكن الملوثة بالديدان (البلهارسيا).
تشرح أم خالد، لـ"خيوط"، تجربة ابنها، الذي تقول إنه أصيب بالديدان بسبب السباحة في المياه العذبة الملوثة، حيث لا تستطيع منعه من السباحة، خصوصًا عند ذهابه للمدرسة، أو عند اللعب مع أصدقائه؛ لأنه من الصعب مراقبته في كل وقت وحين.
بينما اعتقدت بداية الأمر، أنّ الأكل الملوث هو السبب الرئيسي الذي يصيب ابنها بـ"المغص" والإسهال، إلى أن تكرر الأمر أيامًا وأشهرًا، فاضطررت للذهاب به إلى المستشفى لعرضه على طبيب والقيام بفحصه لتحديد وتشخيص نوعية المرض الذي يعاني منه ولدها خالد.
بحسب أطباء ومنظمات صحية، فإن هناك أنواعًا عديدة للبلهارسيا، منها: "البقرية"، و"البلهارسيا اليابانية"، و"المانسونية"، و"الدموية"، و"البلهارسيا هيماتوبيوم"، في حين يشير الطبيب عبده الأحصب، أخصائي باطنية عامة، إلى أنّ الأشخاص يصابون بالعدوى عندما تخترق يرقات الطفيلي التي تطلقها قواقع المياه العذبة عند ملامستهم للمياه الملوثة.
ويضيف لـ"خيوط"، أنّ ذلك يحدث عند تلوث المياه العذبة بـ"البراز" أو "البول" اللذَين يحتويان على بيوض الطفيليات التي تفرغ في الماء، فيصاب البشر بداء "البلهارسيات" عن طريق السباحة، أو الاستحمام في المياه العذبة الملوثة بالديدان.
منظمة الصحة العالمية توضح أن داء "البلهارسيات" مرض حاد ومزمن تسبّبه ديدان طفيلية، حيث يتسبب انعدام النظافة وبعض عادات اللعب لدى الأطفال في سن المدرسة مثل السباحة أو الصيد في المياه الملوثة، في تعرّضهم بصفة خاصة للعدوى، كما يُصاب الأشخاص بالعدوى أثناء ممارستهم للأنشطة الزراعية والمنزلية والمهنية والترفيهية الروتينية التي يتعرضون فيها للمياه الملوثة.
ويتابع الأحصب، بالقول: "إن الأطفال أكثر المعرضين لخطر الإصابة بالبلهارسيا، إضافة إلى الأشخاص الذين يعتمد عملهم على التعرض للمياه العذبة؛ كالصيادين، والمزارعين، وعمال الري، وكذا الأشخاص الذين يمارسون السباحة في تلك المناطق".
أعراض مؤجلة
قد يعاني بعض المصابين من "الحكة" ولا يعلمون مسبباتها، ومع ظهور البثور الحمراء التي قد يكون سببها دخول "ديدان" أو يرقات بعد أيام من إصابة الشخص بها، ترتفع درجة حرارة جسمه مع ألم في البطن، إضافة إلى الإسهال و"الكحة".
تختلف الأعراض من شخص لآخر، حيث إن هناك العديد من المصابين لا يعانون من أعراض البلهارسيا إلا بعد مرور عدة أشهر، أو حتى عدة سنوات، من لحظة التعرض للعدوى.
يشير حيدرة إلى أن هناك أعراضًا للبلهارسيا، منها ما تأتي على المدى القصير، وتقتصر على المصاب بشعوره بالحكة، واحمرار وانتفاخ الجزء الذي انتقلت خلاله اليرقات الطفيلية. وغالبًا ما تستمر هذه الأعراض عدة أيام ثم تختفي.
في بعض الأوقات -والحديث لهذا الطبيب- قد لا يعاني مريض "البلهارسيا" من ظهور أي أعراض، إضافة إلى أن هناك أعراضًا وعلامات تظهر على المصابين في المرحلة الحادة من مرض البلهارسيا من خلال الإصابة بالحمى، حيث تتجاوز درجة حرارة الجسم 38 درجة مئويّة، وانتشار الطفح الجلدي الذي يتسبب بإثارة الحكّة والسعال، وأيضًا الإسهال، فضلًا عن الشعور بألم في المفاصل، والعضلات، والبطن، وكذا الشّعور بالتعب العام والشعور بألم أثناء التبوّل، فضلًا عن تضخم الكبد، والطحال.
في حال التواجد في المناطق التي تكثر فيها مسببات البلهارسيا، يُنصح بضرورة تجنب السباحة في المياه العذبة، ومحاولة السباحة في مياه "البحار" مثلًا، أو البرك الصغيرة المُعالجة بالكلور، وتجنّب السباحة في الأنهار والقنوات والبحيرات التي قد تحتوي على الديدان البلهارسية.
يُجمع حيدرة والأحصب، على أن تأخر ظهور أعراض الإصابة بالبلهارسيا على المدى الطويل، قد يؤدي إلى تعرض بعض الأعضاء للضرر، مثل: الكبد، والمثانة، والرئتين، والأمعاء، وفي مثل هذه الحالات غالبًا ما تظهر بعض الأعراض، مثل: التهاب وتليف الكبد على المدى الطويل، أيضًا التهاب في المثانة الذي قد يؤدي إلى حصول ورم في المثانة على المدى الطويل إذا لم تتم معالجته.
إضافة إلى التهابات في الأمعاء وسوء التغذية، وفقر الدم، وأيضًا صعوبات في التعلّم، خاصّة في حالة إصابة الطّفل بمرض البلهارسيا، والإصابة بالتشنّجات أو التهاب النخاع الشوكي في حال ترك البلهارسيا دون علاج والإصابة بالشلل، وذلك عند وصول بويضات الطفيلي إلى الدماغ أو النخاع الشوكي.
وقاية وإرشادات
وفق منظمة الصحة العالمية؛ يصاب الأشخاص بالعدوى عندما تخترق يرقات الطفيلي التي تطلقها قواقع المياه العذبة، جلودَهم عند ملامستهم للمياه الملوّثة. ويحدث سريان المرض عندما يلوث الأشخاص المصابون بداء البلهارسيا مصادرَ المياه العذبة بالبراز أو البول اللذين يحتويان على بيوض الطفيليات التي تفرخ في الماء.
وتتحول اليرقات في جسم الإنسان إلى ديدان البلهارسيا البالغة، في حين تعيش الديدان البالغة في الأوعية الدموية، وتضع الديدان الإناث بيوضها فيها. ويُطرح بعضٌ من تلك البيوض خارج الجسم في البراز أو البول، لتتواصل دورة حياة الطفيلي. وأمّا بقية البيوض فتظلّ حبيسة داخل أنسجة الجسم، وتسبب تفاعلات مناعية وأضرارًا تدريجية للأعضاء.
يوضح الأحصب عدم وجود لقاح يمنع الإصابة بالبلهارسيا؛ لذا من المهم أخذ الاحتياطات عند السفر إلى الأماكن التي تنتشر فيها العدوى، وتجنب السباحة، أو الاستحمام، أو الخوض في المياه العذبة في المناطق المعروفة باحتوائها على البلهارسيا.
في حال التواجد بالمناطق التي تكثر فيها مسببات البلهارسيا، ينصح هذا الطبيب بضرورة تجنب السباحة في المياه العذبة، ومحاول السباحة في مياه "البحار" مثلًا، أو البرك الصغيرة المُعالجة بالكلور، وتجنّب السباحة في الأنهار والقنوات والبحيرات التي قد تحتوي على الديدان البلهارسية.
وكذا التأكد من نظافة ماء الشرب، حيث قد تنتقل البلهارسيا من خلال شرب الماء المُلوث؛ لذلك لا بد من أخذ هذه النصائح بعين الاعتبار، كما تقتضي الضرورة غلي الماء بدرجة حرارة عالية لمدة دقيقة، ومن ثم تبريدها وشربها واستخدام فلاتر الماء، وكذلك الانتباه للماء الذي يُستخدم للاستحمام، مع ضرورة تجفيف الجسم بطريقة جيدة؛ لأن التجفيف الشديد للجسم بواسطة قماش (المنشفة) بعد التعرض للمياه الملوثة بشكل مفاجئ، قد يمنع الإصابة بالبلهارسيا.
لكن لا يتم الاعتماد على التجفيف وحده في الوقاية، إذ إنّ أيّ تعرّض لماءٍ ملوث قد يسبب الإصابة بالبلهارسيا أو عند التعرض لمياه تحتوي على مُسببات المرض، ويجب القيام بالفحوصات اللازمة حتى لا تسبب نقل العدوى للآخرين.
بدوره، يشدد حيدرة على أهمية سلامة مصادر مياه الشرب، فبالرغم من أنّ عدوى البلهارسيا لا تنتقل من خلال شرب المياه الملوثة بالديدان الطفيليّة، فإنّ ملامستها للفم والشفاه قد يؤدي إلى انتقال العدوى من خلال الجلد؛ لذا يجب الحرص على سلامة المياه في خزانات تجميع المياه، والتأكد من خُلوّها من يرقات البلهارسيا، وتجفيف المناشف بعد تعرضها للمياه، وذلك بهدف الوقاية من طفيليات مرض البلهارسيا، ومنع اختراقها الجلد عند استخدام هذه المناشف المبلّلة بمياهٍ قد تكون ملوّثة.