وهو يودع زملاءه، لم يكن أديب محمد، يتوقع أنه سيحكي تجربته الحافلة أمام المئات ذات يوم، وهو الذي عانى كثيرًا للوصول إلى ما وصل إليه، كما يقول؛ فبعد أن حصل على دبلوم من المعهد التقني عام 2010، أتبعه بالبكالوريوس عام 2014 من جامعة تعز، وما بين سنوات الدراسة وواقعه، كان شغوفًا بمهنته التي اختارها كمهندس كهرباء، يعمل لتوصيل الخطوط، وصيانة بعض الأجهزة، حتى إنه لم يجد يومها وقتًا كافيًا للجلوس مع أسرته ورؤية ابنته الوحيدة.
نجح أديب في تكوين صورة إيجابية عنه، من خلال أعماله المنجزة، وسلاسة تعامله مع عملائه، ليخوض وفق هذا غمار مسيرة أخرى خطط لها مع ثلاثة من زملائه. بدؤوا من الشارع، ومن ثم استأجروا غرفة صغيرة، وبينهما حددوا الجدوى مما سيقدمون عليه، ثم اتفقوا على إجراءات البدء بالتنفيذ، وها هم اليوم يعملون في مؤسسة أطلقوا عليها "SMART ENG" للحلول الهندسية.
منذ شهر، تُوّج أديب، رفقة أربعة آخرين، بكأس ريادة الأعمال في تعز، حيث فاز مشروعه من بين عدد من المشاريع المنافسة على مستوى المحافظة.
إلى جانب العاصمة صنعاء ومحافظات يمنية أخرى، تحيي تعز فعاليات الأسبوع العالمي لريادة الأعمال للمرة الأولى منذ 12 عامًا من بدء المناسبة عالميًّا، والتي تهدف لتعريف الشباب في القارات الست بموضوع ريادة الأعمال. كان أسبوعًا حافلًا، تضمّن إلى جانب مؤتمر المتحدثين لريادة الأعمال، عددًا من الفعاليات الأخرى، كندوة متخصصة احتضنتها جامعة تعز، ومعرضًا للمشاريع الريادية على القاعة المفتوحة بمنتزه التعاون.
كان أديب من بين سبعة آخرين وقفوا في الأسبوع الأخير من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على مسرح منتزه التعاون أمام مئات الحاضرين، ليتحدثوا عن تجاربهم المختلفة وصولًا إلى الريادة على مستوى مشاريعهم التي باتت حقيقة على أرض الواقع، وسط تفاعل جماهيري كبير.
حفاوة وتفاعل
في هذا السياق، يتحدث الدكتور إبراهيم المسلّمي مدير مؤسسة تمدين شباب بتعز لـ"خيوط"، عن أهمية تنظيم مثل هذه الفعاليات الخاصة برواد الأعمال، لاستعراض تجارب ملهمة ومحفزة للشباب، ولإحياء تعز فعاليات الأسبوع العالمي لريادة الأعمال بهذه الحفاوة والتفاعل الواسع. "لقد لمسنا عبر العالم الافتراضي وعلى الواقع، أهمية تنظيم مثل هذه الفعالية". أضاف المسلمي.
إضافة إلى تعز، أحيت صنعاء الأسبوع العالمي لريادة الأعمال، بحضور ثقافي وأدبي وجماهيري لافت، وعدد من الفعاليات النوعية، بما في ذلك تذوق القهوة اليمنية
وقدّم المتحدثون عرضًا مفصلًا لرحلاتهم التعليمية، ومسيرتهم العملية المعلّقة بطموحاتهم، وصولًا إلى آلية تنفيذ مشاريعهم، وكيف رأت النور، وكيف تعمل اليوم.
يشير المسلمي إلى أن المؤتمر كان هدفه الرئيسي تقديم نماذج شبابية ناجحة من رواد الأعمال في تعز، خاصة أولئك الذين واجهوا صعوبات بالغة في ظل الحرب وجائحة كوفيد-19، وتمكنوا من الوصول إلى ما يريدون بنجاح؛ هؤلاء جديرون بأن يكونوا ملهمين للشباب والشابات بأن يحذوا حذوهم، ويحققوا أهدافهم بذات العزيمة والإصرار التي تحلّى بها هؤلاء الرواد الذين استعرضوا تجاربهم المليئة بالشغف، قال المسلّمي.
ومثلّت حاضنة "Build it up" "ابنيها"، التابعة لمؤسسة "شباب سبأ" للتنمية، مثالًا ناجحًا للمسار الرامي لتطوير وتأهيل القدرات الشبابية الريادية. فالحاضنة جاءت خلاصة مشروع تأهيلي لعدد من الرواد، أصبحت بعد ذلك موئلًا لهم، للاستمرار في إدارة أعمالهم ضمن الحاضنة من مقر المؤسسة.
عُلا الأغبري رئيسة مؤسسة "شباب سبأ"، قالت إن هذه الحاضنة تمثل فرصة للمترددين، ومثالًا يمكن استنساخه، عند تشكّل الحاضنة الأولى للأعمال في تعز، إذ إن ذلك -وفق حديث الأغبري لـ"خيوط"- يشجع على الاستمرار في هكذا مشاريع يمكن أن تكون لها آثار ملموسة على المدى القريب، إضافة إلى تحفيز رواد آخرين للتقديم والمشاركة والوصول إلى ما يريدون.
وترى الأغبري أن هناك الكثير من الشباب ينتظرون الفرصة للوصول إلى ما وصل إليه الرواد المتحدثون، حيث تأمل أن تُبنى على هذه الفعاليات ردات فعل إيجابية على المستويين الشبابي والاجتماعي، لأننا بحاجة -وفق حديثها- لأن نصنع حضورنا وسط هذا الواقع الصعب.
محافظات أخرى
إضافة إلى تعز، أحيت صنعاء الأسبوع العالمي لريادة الأعمال، بعدد من الفعاليات التي وصفت بالنوعية، إذ تنوعت ما بين فعاليات جماهيرية، ومعارض للأعمال الريادية، وجلسات استماع لمتحدثين روّاد، وحتى تذوق القهوة كان ضمن هذه الفعاليات التي تميزت بحضور ثقافي وأدبي وجماهيري لافت.
وتنضم مأرب إلى قائمة المحافظات التي تحيي الأسبوع العالمي لريادة الأعمال بعدد من الفعاليات، وللمرة الأولى أيضًا، مع توقعات بنجاح أسبوعها الريادي كما نجح في كل من صنعاء وتعز.
من حضرموت يصف رائد الأعمال معاذ باني، الحراك التفاعلي في صنعاء بالمحفز والملهم، ويهنئ ما وصفه بالمجتمع الريادي على نجاح وتنوع وتميز فعاليات أسبوع ريادة الأعمال العالمي، وكذلك الفعاليات على مستوى اليمن وخاصة صنعاء؛ المستوى الراقي والحماس والشغف بدا عاليًا من قبل الرواد والتجار والمجتمع بشكل عام.
باني دعا لأن تستفيد المحافظات الأخرى من تجربة فعاليات صنعاء، وتعميمها، ليكون هناك تفاعل على نطاق واسع، للأهمية التي يمثلها الأسبوع العالمي لريادة الأعمال، ولما تتميز به الفعاليات من إبداع وابتكار.
وعلى الرغم من أن المشاريع الريادية والابتكارية في اليمن لا تزال في المهد، إلا إن الخبير في التسويق الإلكتروني جلال القحطاني يوضح في حديثه "لخيوط"، بأن الغالبية العظمى من الجهات التمويلية والاستثمارية تؤكد معاناتها من عدم وجود أفكار ابتكارية مميزة تستحق الاستثمار فيها، وذلك -بحسب القحطاني- يدل على ضعف وتقصير العديد من الجهات المعنية من جامعات وغيرها في أداء أدوارها، وقد نتج عن ذلك العديد من حالات صرف الأموال على مشاريع تقليدية ذات نفع محدود.
ويشدد على أن الشباب بحاجة إلى منظومة متكاملة للاستفادة من الفرص المتعددة، حيث تعمل هذه المنظومة على توفير السياسات والإجراءات الممكنة، وإيجاد قنوات تمويل مناسبة للمشاريع الريادية، والمنشآت الصغيرة، والمتوسطة، إضافة لخلق ثقافة محفزة وداعمة لرواد الأعمال، وإيجاد مجموعة آليات للدعم، بما في ذلك البنية التحتية، وهذا ما تفتقره معظم المحافظات.
فيما يتعلق بالأفكار الابتكارية، يقول رائد الأعمال أكرم منصور إن الأمر لا يتعلق بشحة الأفكار لدى رواد الأعمال اليمنيين، بقدر ما يتعلق بعدم وجود شركات استثمار في المشاريع التقنية أو ما يسميه "رأس المال المخاطر". ووفقاً لأكرم، فإن الدعم المحدود لفكرة مشروع معين قد يكون سبباً في فشله.
أكرم تحدث لـ"خيوط" أيضاً عن فعاليات أسبوع ريادة الأعمال في صنعاء، والتي بلغ عددها 221 فعالية اجتذبت 10 آلاف زائر على الواقع وقرابة 200 ألف زائر على مواقع التواصل الاجتماعي.
ضمن هذه الفعاليات كان معرض (show I can) الذي ضمّ أكثر من 40 شركة ناشئة، وأربع مسابقات لريادة الأعمال، فاز فيها 15 مشروع من مؤسسة روّاد و12 من المؤسسة الوطنية للتمويل، و10 فائزين من مؤسسة اليمن للتدريب من أجل التوظيف.
ويعمل أكرم في مشروعه الخاص بتسويق العسل اليمني، وقد بدأ من حاضنة "المحطة" في صنعاء، التي شارك في إنشائها مع عدد من أصدقائه في فبراير/ شباط 2017. و"المحطة" هي ثاني حاضنة أعمال في صنعاء من حيث النشأة، وخلال عمرها القصير خرج منها ما يقارب 10 مشاريع ناجحة، ولا تزال تحتضن عدداً من المشاريع التي تشق طريقها نحو النجاح.
جلال الرداعي هو أحد رواد الأعمال الذين بدؤوا في حاضنة "المحطة"، وهو الآن في تجربته الثانية التي قرر خوضها في مجال الترجمة بين اللغتين العربية واليابانية. قبل ذلك حاول جلال إنشاء مشروعه في مجال تسويق البن اليمني، لكن كثرة العراقيل في هذا المجال كانت أكبر من قدرة فرد على حلّها. ومن تلك العراقيل- حسب جلال- عدم وفاء الموردين اليمنيين بالكمية التي يعلنوا عنها للمستورد في الخارج. وعلى الرغم من تحوله إلى مشروع الترجمة بين العربية واليابانية، لا يزال جلال يقدم المساعدة الاستشارية لرواد الأعمال المتخصصين بتسويق البن اليمني