اختارت أروى -اسم مستعار- (29 سنة)، مهنة التمريض وتحمل مسؤولية أسرة مكونة من أبٍ فقد راتبه كموظف مدني منذ خمس سنوات، وأمٍّ ليس بيدها حيلة، وأربع أخوات أصغرهن تعاني من مرض مزمن، بحاجة إلى أدوية تكلف مبالغ كبيرة، وأخ وحيد منعه الدلال من أن يجيد شيئًا.
وصلت أروى إلى عتبة المنزل خائرة القوى، لتجثو جاهشةً بالبكاء بعد أن رمت حقيبتها بعيدًا، وهي تبكي بحرقة: "يكفي، أنا لا أستطيع التحمل أكثر".
تقول لـ"خيوط": "لقد، انفجرت نتيجة لتراكمات كثيرة أتلقاها يوميًّا في مكان عملي، تحملت كثيرًا لأجل الحفاظ على وظيفتي، كون الأسرة كلها تعتمد علي. كما أنه ليس من السهل الحصول على عمل آخر، تحملت الجميع؛ ابتداء من حارس البوابة، مرورًا بموظف الاستقبال، وصولًا للمرضى، والزملاء أو الدكتور المناوب إلى الشارع وعمال المواصلات العامة، كل هذا الروتين تحملته من أجل الحفاظ على مصدر الدخل".
تعرضت أروى للكثير من المضايقات في مقر عملها، ووصل الأمر في إحدى المرات إلى محاولة اثنين من الموظفين استدراجها بعد مغادرة المرضى من المركز الطبي الذي تعمل فيه والاعتداء عليها والتحرش بها.
تمكنت من الإفلات منهما والاستنجاد بإدارة المركز، والتي قررت إلزامهما بتعهد خطي بعدم التعرض لها مرة ثانية.
يضع أرباب العمل لوائح خاصة تنظم العمل، منها تخصيص فترات الدوام بدون أدنى مراعاة لحال المرأة وطبيعة المجتمع الذي تعيش فيه، وحين تعترض يقال لها: "لستِ مضطرة، ابقي في مطبخك، وغيرك أفضل منك".
أساليب تعنيف كثيرة
لا يقتصر العنف ضد المرأة في بيئة عملها على الاعتداءات الجسدية فقط، بل يشمل أساليب متعددة؛ منها التنمر، التحرش، القوانين الصارمة التي تعاكس طبيعة الفتاة، وجميعها أساليب يمارسها الذكور على الإناث؛ نظرًا للسلطة التي يتمتعون بها في بيئات العمل، وتعود كل هذه التصرفات لطبيعة بعض الذكور.
ويعد التحرش الجنسي من أشد أنواع العنف ضد المرأة في بيئة عملها، حيث تخير فيها المرأة في بعض الحالات بين أن تكون فريسة سهلة، أو أن تعيش في حالة تهميش وذل دائم مقارنةً بزملائها، وربما تتضاعف الإجراءات التعسفية بحقها إلى أن تصل إلى الفصل.
كما تتعدد أساليب التحرش الجنسي، بين اللفظي ويحمل كلمات مبتذلة، وعنف جنسي بصري وفيه يقوم الشخص المتحرش بتركيز حاسة بصره على مواضع في جسد المرأة.
إضافة إلى التحرش المعنوي، وهو عبارة عن إيماءات وتصرفات خادشة للحياء، قد تصل إلى اللمس والاعتداء المباشر على النساء.
كما تمارس ضد المرأة في بيئة العمل تمايزًا بأشكال مختلفة، سواءً بالترقيات أو العلاوات أو بالتكاليف والأجور.
يرى الناشط، الاجتماعي عبدالفتاح الصلاحي في حديث لـ"خيوط"، أن المرأة في اليمن تعاني من التنمر في بيئة عملها، إذ لم يتقبل حتى الآن المجتمع فكرة تواجد المرأة في سوق العمل، والاعتقاد أن مكان المرأة يجب أن يكون في البيت والمطبخ.
السفر بمحرم
يضع أرباب العمل لوائح خاصة تنظم العمل، منها تخصيص فترات الدوام بدون أدنى مراعاة لحال المرأة وطبيعة المجتمع الذي تعيش فيه، وحين تعترض يقال لها: "لستِ مضطرة، ابقي في مطبخك وغيرك أفضل منك".
رنا (اسم مستعار)، عاملة في إحدى محلات بيع الأقمشة بصنعاء، تقول لـ"خيوط"، إن مديرها في العمل يؤخر وقت دوامها إلى ما بعد السابعة مساءً، في مجتمع محافظ جدًّا يعتبر عودة المرأة ليلًا أمرًا معيبًا وغير مستحب.
من جهتها تقول (م. ن)، عاملة في إحدى المنظمات المدنية، لـ"خيوط": "منعت من النزول الميداني بسبب توجيه من سلطة المنطقة بعدم السماح للنساء بالنزول الميداني بدون محرم"، وأضافت: "أغلب العاملات معي هن نساء فقدن أزواجهن؛ فهم إما قُتلوا أو ماتوا، أو انفصلوا، وأخريات بدون معيل خرجن للاعتماد على أنفسهن".
وتشير إلى عدم اختلاف الوضع في وسائل النقل الجماعي بين المحافظات اليمنية، إذ تهان المرأة إن قررت التنقل أو السفر بدون رجل، إذ تؤكد أنها شاهدت بنفسها إحدى الراكبات مع ابنتها تم إنزالهن من الحافلة بسبب عدم وجود "مَحْرَم".
في هذا الخصوص، يقول المستشار القانوني، فؤاد الجعفري لـ"خيوط"، إن قانون العمل اليمني لم يأخذ في الاعتبار خصوصية المرأة التي تعاني الأمرّين من قبل زملائها ومدرائها الذكور. ولا ينفرد بهذا التعسف ضدها الرجال فقط، فقد يكون مديرها امرأة وتمارس ضدها التعسف والاضطهاد ذاته.
ويؤكد الجعفري أن المحامية قد تتعرض للاعتقال والسجن كعقوبة، مثلها مثل الرجل دون مراعاة لكونها امرأة أو للأعراف والتقاليد المجتمعية.
من جانبها، تصف المحامية إنتصار المعافى في حديث لـ"خيوط"، ما قد تتعرض له المحاميات اللواتي يخضن غمار قضايا متعددة، بالقول: "نتعرض للتهديد والتعقب إلى حد بيوتنا، نواجه أشكالًا متعددة من العنف اللفظي أو الجسدي".
ويرى كثير من العاملين في هذا المجال أن الترقية الوظيفية للمرأة عند أغلب أرباب العمل تكون بحسب قدرات المرأة الجسدية لا العقلية والفكرية والابتكار، وهذا ما يخلق مشاحنات، وإجحافًا بحق الكثير من النساء المجدات بعملهن.
وتؤكد المعافى أن المرأة قد تكون مساهمة بشكل أو بآخر في كل ما تتعرض له، فضعف شخصية البعض، وجهلهن بحقوقهن، بالإضافة إلى السكوت عن الاعتداءات التي يتعرضن لها، قد تؤدي إلى تطاول المعتدي والتمادي بطرق مختلفة.