مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، وبعد ست سنوات من انقطاع راتبه في المؤسسة العامة للمياه بصنعاء، لاح الأمل للعيش مجددًا للموظف المدني محمد صالح، من سكان منطقة النابية شمال محافظة لحج (جنوب اليمن)، بعد الإعلان من قبل السلطة المحلية عن إجراءات للتعاقد مع 200 عامل لتغطية النقص في الكادر التربوي الذي تعاني منه مدارس المضاربة وراس العارة؛ كبرى مديريات محافظة لحج، ليجدها فرصة سانحة للعمل بعد فقدانه لمصدر عيشه.
باكرًا، وعلى مدى ستة أشهر يغادر محمد صالح -في الأربعينيات من عمره- منزلَه نحو طلابه بجد واجتهاد للعمل، وتوفير مصادر دخل من بوابة المدرسة ضمن العشرات من شباب المديرية ممن تم التعاقد معهم، بعد دخول ما يقارب 250 معلمًا موظفًا في المديرية، سنَّ التقاعد دون إحلال أو توظيف خلال سنوات الحرب.
ويحصل الموظف الواحد ممن تم التعاقد معهم على راتب شهري، نحو 60 ألف ريال يمني، بحسب نظام الخدمة المدنية المتبع في اليمن، والذي لم يجرِ عليه أي تغيير أو تطوير، وهو مبلغ ضئيل لا يغطي أدنى متطلبات الحياة المعيشية، مع تدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية والاستهلاكية.
يقول محمد صالح لـ"خيوط"، إنهم لم يتسلموا غير راتب شهرين من هذه المستحقات بداية العام الدراسي، فيما مرّت بقية الأشهر تحت مبررات عبارة عن مهدئات ليست أكثر من وعود، عبارة عن وَهْم وسراب، لتصل العملية التعليمية إلى نهايتها دون أن يجد كامل مستحقاته؛ الأمر الذي ضاعف تدهور معيشة أسرته رغم أنه رفض مع مطلع الفصل الثاني التوقفَ حتى تسليم مستحقاته، بعد قيام بعض المعلمين بالإضراب، رغبة منه -وفق حديثه- في خدمة الطلاب الذين لا ذنب لهم فيما يحصل.
الآمال تبدَّدت مع مرور الأسابيع بعدم جدية الوعود في تسليم المرتبات، وحرمان البعض منها خلال الشهرين الأولين اللذين تم الصرف فيهما، حيث يشكو بعض المعلمين من إسقاط أسمائهم أو الاستقطاع من أجور الشهرين، فيما مرت بقية الأشهر بلا مرتبات دون توضيح حقيقي من قبل الجهات المعنية.
ويبدي هذا الموظف استغرابه من عدم إعارة مكتب التربية اهتمامه بالأمر الذي تضررت منه عشرات الأسر تحت كذبة التعاقد.
إجراءات دون رواتب
مع بداية العام الدراسي، وللاستفادة من إيرادات جمرك رأس العارة الساحلي، وللعام الثاني على التوالي، أعلنت السلطة المحلية لمديرية المضاربة ورأس العارة في محافظة لحج، رفعَ أعداد الدرجات التعاقدية من 100 درجة عن العام المنصرم إلى 200 درجة تعاقدية لتغطية ما أسمته بالنقص الوظيفي الذي تعاني منه.
فيما حدد قسم الشؤون التعليمية بمكتب التربية راتبًا شهريًّا يصل إلى 40 ألف ريال لحملة الثانوية، و50 ألف ريال لحملة الدبلوم، و60 ألف ريال للبكالوريوس، و70 ألف ريال للماجستير.
وعلى الرغم من شكاوى الإدارات المدرسية من غياب عدالة التوزيع في المدارس الحكومية في هذه المناطق، تفاءل الكثير من الشباب ومجالس الآباء، بحل معضلة النقص في هذه المرافق التعليمية، بهذه التعاقدات.
لكن الآمال تبدّدت مع مرور الأسابيع بعدم جدية الوعود في تسليم المرتبات وحرمان البعض منها خلال الشهرين الأولين اللذين تم الصرف فيهما، حيث يشكو بعض المعلمين من إسقاط أسمائهم أو الاستقطاع من أجور الشهرين، فيما مرت بقية الأشهر بلا مرتبات دون توضيح حقيقي من قبل الجهات المعنية.
آمال متلاشية
تُرجع جهات مطّلعة أسبابَ العجز عن تسليم مستحقات المعلمين والعاملين المتعاقدين، إلى نشوب خلافات بين السلطة المحلية في المحافظة والمديرية لعدم الرجوع للجهة التنفيذية في المحافظة عند إجراءات التعاقد الذي تسبب في عدم الإيفاء بحقوق المتعاقدين.
ويقول أيوب عواجي، ناشط إعلامي وأحد الشباب الذين التحقوا بالعمل في المدارس مطلع العام الدراسي، في حديث لـ"خيوط"، إن الجميع استبشر بهذه التجربة التي تسجل للسلطة المحلية في القيام بمهامها والاستفادة من موارد المديرية في تغطية النقص في المدارس، والإسهام في الحفاظ على الجيل من التسرب، لكن الآمال تلاشت لدى الكثير بعد وقع المتعاقدين في فخ الوهم والوعود التي ظلت تُسكنهم بها السلطة ومكتب التربية من شهر إلى آخر، لتنتهي العملية دون حقوق، متسائلًا هل ما تزال هناك إمكانية لصرف مستحقات المتعاقدين أو ستكون كذبة لن تنسى في تاريخ المديرية؟
الجدير بالذكر، أن مديرية المضاربة ورأس العارة تشكل ثلث مساحة محافظة لحج، وتعمل فيها نحو 60 مدرسة، يرتادها حوالي 12 ألف طالبٍ وطالبة، بحسب آخر بيانات تعليمية رسمية صادرة قبل الحرب في العام 2014.