ترتفع أصوات النساء حول العالم لمناهضة العنف الممارس ضدهن، ومعهن تشارك المرأة اليمنية، لكن صوتها ما يزال خافتًا، ويكاد يكون معدومًا إذا تعلق الأمر بالنساء "المهمشات" وقضاياهن الأكثر عمقًا وألمًا.
سليّة علي (48 سنة)، نازحة قدمت من محافظة الحديدة غرب اليمن إلى تعز، تقول لـ"خيوط": "كنا نعيش في مدينة حيس في "عُشش" (مكان للمسكن من سعف النخيل أو الصفيح) ومن بعدها قامت قوات تابعة للواء السابع عمالقة -يتبع الحكومة المعترف بها دوليًّا- ممثلة بمدير أمن مديرية حيس (محمد كزيح)، بجرف عششنا القائمة في حي ربع المحل بـ"حيس" والتي نعيش فيها منذ عشرات السنين، تحت مبرر أننا "متحوثين" -تابعين لجماعة أنصار الله (الحوثيين)- تضيف سليّة: "أنا فقيرة لا أملك حتى حق العشاء، ومريضة ليس لدي حق العلاج".
تستطرد القول: "جرفوا عشتنا لذلك خرجت مع النازحين، مشينا طريق فيها ألغام، تعرقلنا لكني حصلت سيارة وصلتني لأطراف محافظة تعز". تؤكد سليّة على عدم معرفتها أي معلومات عن زوجها أو ابنها، فقد تم وفق حديثها، تلفيق لهم تهمة كيدية، بينما بالكاد استطاعت الهروب والنزوح هي وابنتها وأولادها.
نزوح وترحيل واغتصاب
في ظل احتدام المعارك في ساحل اليمن الغربي بين طرفي النزاع؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا ومن يتبعها، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، تستمر حالات الفرّ والكر ونزوح عشرات الأسر خصوصًا من مديرية حيس، لتقع النساء، بالذات المهمشات منهن، في خط نار المواجهات، ولذلك يضطرن للهروب الدائم عبر طرق محفوفة بالمخاطر ومليئة بالألغام، وقد يتعرضن للتحرش وأحيانًا يصل الأمر للاغتصاب والاتجار بهن، أو خدمة المواقع العسكرية واستخدامهن في نشاطات غير قانونية أو أخلاقية. شذى عماد 16 عامًا (اسم مستعار) تسكن في مخيم خاص بالمهمشين بمدينة تعز جنوبي غربي اليمن، فتاة تعرضت في نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي 2021، للاغتصاب في وضح النهار.
يقول محمد ، أحد أقارب شذى لـ"خيوط"، إن شخص يبلغ من العمر حوالي 23 عامًا استدعى شذى إلى منزلهم الواقع بجوار مخيم أسرتها، بمبرر أن والدته مريضة، ويريد منها تنظيف المنزل و اقتادها إلى المبنى وقام باغتصابها.
ارتفعت حالات الوفاة بين النساء عمومًا إلى أكثر من 500 حالة وفاة، في كل 100 ألف حالة ولادة بين عامي 2019 و2020، وتمثل النساء المهمشات نسبة كبيرة من هذه الإحصائية.
تم إسعاف شذى إلى المستشفى، وأثبتت التقارير الطبية بأن الفتاة القاصرة تعرضت لاعتداء جنسي، بعدها تم رفع قضية بمساندة الاتحاد الوطني للمهمشين، وأُثبتت الجناية تورط المهتم (نتحفظ عن ذكر اسمه حتى النطق بالحكم) والذي يتواجد حاليًا في السجن المركزي بتعز.
وتتعرض أماكن تواجد المهمشين إلى التجريف وترحيلهم بلا مسوغ قانوني أو قضائي في كثير من المحافظات حول البلاد، كان آخرها نقل عشش المهمشين من منطقة تحت جسر عمران (شمال صنعاء) ونقلهم لمنطقة الأزرقين (شمال غرب العاصمة اليمنية)، وهي منطقة تتكدس فيها المخلفات والنفايات التي يتم تجميعها من مختلف مناطق صنعاء.
ثالوث معاناة أمل
أمل (19 سنة) أم لطفلة، تزوجت في سن الـ14 كانت لا تزال طفلة لا تفقه من الدنيا إلا اللعب والركض في الشوارع، أخذها رجل يكبرها بعشرين عامًّا زوجةً ثالثة، قالت أمل حينها: "لا أريد الزواج"، فضربها والدها وشقيقها، لتزُفّ ووجهها مضرجٌ بالدماء، عقبها فصلٌ آخر من العنف الزوجي، إذ كان زوجها يعنفها بشكل يومي فتلجأ لوالدها، ليكمل الأخير ضربها، استمر مسلسل تعذيب أمل، لتتحمل مشاق الحمل وآلامه، إلى جانب دفع زوجها لها للعمل في التنظيف وأخذ ما نسبته 70% من أجرها اليومي، إلى أن جاء موعد ولادتها. تقول أمل لـ"خيوط": "مشيت للمركز الطبي برجلي، كان معي فلوس، لكني حين دخلت، قالوا لي انتهى الدوام، سمعت واحدًا قال من الداخل: "اصرفوها؛ هي إلا خادمة"!
حزنت أمل يومها، ومشت في الشوارع بلا وجهة، وهي تبكي، وترتجي الله أن يأخذ روحها حتى تنتهي من هذا العذاب، ومن هذه النظرة الدُّنيا، عانت من ولادة متعسرة كادت تودي بحياتها، لكنها نجت بمعجزة هي وطفلتها. تضيف أمل: "هربت من عدن وزوجي لا يعرف أين أنا، الآن لو في شغل أشتغل، أنظف أو أكنس، وإذا ما فيش أتسول".
أعباء متراكمة
بسبب انتشار الزواج المبكر بين فئة المهمشين تتعرض الفتيات لمضاعفات الحمل والولادة، إذ ارتفعت حالات الوفاة بين النساء عمومًا إلى أكثر من 500 حالة وفاة في كل 100 ألف حالة ولادة بين عامي 2019 و2020، وتمثل النساء المهمشات نسبة كبيرة من هذه الإحصائية.
تقول فاتن الجرش، باحثة اجتماعية، لـ"خيوط": "يصعب على الأم التي تتزوج باكرًا التكيف مع الزواج ومتطلباته وما يترتب عليه من مسؤوليات، باعتبار المتزوجة بالأساس طفلة، غير مؤهلة لتحمل أعباء الزواج"، مشيرةً إلى أن نساء الفئة المهمشة مغلوبات على أمرهن، إذ يتعرضن لأنواع من الانتهاكات والعنف، في المقابل لا أحد يدافع عنهن، ونوهت الجرش إلى أنه يصعب على المرأة التي عايشت كل هذا التمييز منذ طفولتها أن تنشئ أسرة سليمة.
بلغت نسبة الفتيات اللواتي تزوجن قبل سن الـ 15 عاماً 9%، فيما بلغت نسبة الفتيات اللواتي تزوجن قبل سن 18 عاماً 32%. في حين ارتفعت نسبة زواج القاصرات بالدرجة الأولى في المناطق التي تستضيف أعداداً كبيرة من النازحين/ات مثل محافظة الحديدة وحجة وإب، فقد بلغ عدد من تزوجن قبل سن الـ 18 حوالي 72.5%، واللواتي تزوجن قبل سن 15 عاماً 44.5%، إضافة إلى أن الختان والزواج المبكر ظهرا كآليات دفاعية للحماية في الصراعات المسلحة.
ناهيك عن انتشار ختان الإناث بين فئة المهمشات، وهي كلها ممارسات تعاني منها المرأة في اليمن، وفي تهامة والمناطق الساحلية على وجه الخصوص، وتحديدًا بين أوساط فئة المهمشين.
عنصرية وتمييز
وتذكر تقارير حقوقية أن النساء المهمشات يتعرضن للعديد من الانتهاكات وللاغتصاب بسبب الإفلات العام من العقاب للمهاجمين بسبب وضع النساء من الطبقة الدُّنيا.
لا تقتصر الممارسات العنصرية والتمييز ضد النساء على محافظة دون أخرى، إذ يتم وصف النساء بـ(الخادمة) في صنعاء وإب وتعز وعدن، بينما في محافظات حضرموت شرق اليمن يتقسم المجتمع إلى طبقات مختلفة، ويضمن هذا التقسيم النساء، حيث لا يمكن لشاب من فئة السادة أو المشايخ أو البدو والقبائل أن يتزوج من المساكين أو بإحدى بنات الصبيان أو العبيد، وفي مأرب تسمى نساء فئة معينة بـ(القرويات) ولا يتزوج بإحداهن قبيلي أو بدوي.
وفي إطار الحد من الممارسات العنصرية، تحدث عبده سعيد، رئيس مؤسسة المستقبل للتنمية وبناء السلام بتعز، وبدعم من GIZ قائلًا: "نحضّر حاليًّا لمشروع تدريب شابات وشباب من الفئتين المهمشين والمجتمع الآخر حول مبادئ وقيم حقوق الإنسان"، ويضيف: "نقوم بتنفيذ عدة نزولات ميدانية، وأقمنا عدة ورش عمل، وقبله كنا قد نفذنا مشروع دمج المهمشين في الوظيفة العامة، وكثيرًا من المشاريع التي تستهدف تذويب الحواجز الاجتماعية وأشكال التمييز".
وبالرغم من ذلك ما يزال سوط التمييز مسلطًا على الفئات الضعيفة، ومنها فئة المهمشين؛ تقول مسك المقرمي، ناشطة في مجال حقوق النساء المهمشات وعضو جمعية كفاية للتنمية الاجتماعية النسوية، لـ"خيوط": "تعمل ما نسبته 70% من النساء المهمشات في التسول، يتعرضن خلال تسولهن لأنواع شتى من الانتهاكات الجسمانية والمعنوية"، تقول المقرمي إنهم كناشطين عمدوا إلى توعية هؤلاء النساء بتقديم بلاغات، لكن الجهات الأمنية لا تتجاوب مع البلاغ المقدم من النساء المهمشات، بعكس لو كان مقدّمًا من نساء لا ينتمين لهذه الطبقة.
من جهتها تقول المحامية، خولة عبدالجبار، إن الدستور اليمني يساوي بين جميع اليمنيين في المادة رقم (41) والمادة (25)، إذ يؤكد الدستور اليمني أن المواطنـون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبـات العامـة، وأن المجتمع اليمني يقوم على أساس التضامن الاجتماعي القائم على العدل والحرية والمساواة وفقـاً للقانـون.
الجدير بالذكر، أن اليمن كانت من بين أول الدول التي وقّعت على اتفاقية "سيدوا" المناهضة لجميع أشكال التمييز ضد المرأة من خلال انضمام اليمن الجنوبي للاتفاقية في سنة 1969، ومصادقته عليها، وما أن توحدت اليمن أصبحت ملتزمة بكل الاتفاقيات السابقة.