بعد قرابة عام كامل على وفاة مروى البيتي، الفتاة الحضرمية التي تحولت مأساة موتها إلى قضية رأي عام هز الشارع الحضرمي واليمني، يتوقع أن يتم إصدار الحكم النهائي في قضيتها خلال الأيام القليلة القادمة.
مروى فتاة حضرمية عادية، لا يتجاوز عمرها السابعة والعشرين، زوجة وأم لطفلين، لكن غير الاعتيادي في قصتها هو أن زوجها قام بحرقها حية أمام أطفالها، عقابًا لها لعدم الامتثال لأوامره.
السؤال الذي يطرحه الجميع هو: هل هذا ممكن؟ أو هل من الممكن وجود هذه الوحشية بيننا؟!
يجيب عن هذا التساؤل المئاتُ من القضايا المقدمة من قبل النساء في المحاكم، قصصٌ لمروى أخريات محتملات، إلا أنهن اخترن أن يكسرن دائرة العنف، اخترن أن يعشن بكرامة، ولم يكن الأمر سهلًا عليهن قط، بل ربما دفعن مقابل ذلك الكثير.
نهايات أخرى
في مجتمع يعتبر الضحية مذنبًا، ويرى أن اللجوء للقضاء لانتزاع الحقوق من الأقرب -الذي يفترض أن يكون من يحميها- تشهيرٌ وجرم لا يغفر مهما تقادمت به السنوات، لا يمكننا أن نلوم النساء لعدم رغبتهن في مشاركة قصصهن أو الاختباء وراء أسماء مستعارة.
كل قضية عنف تُقدم للقضاء، خلفها عشرات القضايا الأخرى غير المعروفة، فالعنف يولد عنفًا في عملية مستمرة لا تؤثر فقط على المعنف، بل أيضًا على جميع المحيطين به، والذي قد يتسبب لهم بأزمات نفسية متفاوتة.
اختارت (سناء علي) -خريجة كلية القانون- نهاية أخرى لقصتها، وذلك بعد لجوئها للقضاء إزاء معاناة لسنوات من الضرب والتعنيف من قبل زوجها، حيث تقول في تصريح لـ"خيوط": "الحياة مع زوجي لم تكن سيئة منذ البداية، لكن بعد أربعة سنوات اكتشفت خيانته لي فواجهته بالأمر، فكان رده الضرب المبرح، وحين لجأت لأهلي، أخبروني أنني "سِتر الزوج وغطاؤه" ولا بد أن أعود لبيتي وأفتح صفحة جديدة معه".
تصف معاناتها بالقول: "السكوت مرة واحدة عن العنف، يجر سلسلة طويلة منه، تجاوزي في المرة الأولى عن ضربي جعله يتمادى في ذلك، وكأنه كان حقًّا مشروعًا له، كان يضربني باستمرار وأمام أطفالي، حتى أصبحوا يرتعبون بمجرد دخوله المنزل".
في أحد الأيام، وبسبب خلاف بسيط جدًّا، تعرضَت لضرب مبرح مع جروح وإصابات في جسدها، قررت سناء أن تكون هذه نهاية لمأساتها مع العنف، توجهت للمستشفى العام وقامت بتحرير تقرير طبي بالإصابات التي تعرضت لها، وتوجهت إلى البحث الجنائي، وقاموا على الفور بعمل محضر واستدعاء للزوج وتوجيه الاتهامات له.
تتابع: "لم يكن يتخيل قط أنني قد أقدم على هذه الخطوة، لم يكن يتخيل أنني قد أكون بهذه الشجاعة! فور استلامه للاستدعاء جاء يعتذر ويطلب مني سحب الاتهامات حفاظًا على سمعته ومستقبل أبنائنا".
حصلت سنا على الطلاق، ولكنها اضطرت بعد ضغط عائلي إلى سحب دعوى العنف ضد زوجها. سنا الآن تعمل محامية مستقلة وحقوقية ومدافعة عن حقوق النساء في المحافظة.
تزايد قضايا العنف
حسب تقارير الأمم المتحدة، تتعرض امرأة من بين كل ثلاث نساء للعنف الجسدي خلال حياتهن، وفي اليمن ومع تصاعد النزاع المسلح منذ أواخر العام 2015، ازداد العنف ضد المرأة بنسبة كبيرة، وهذا يشمل حالات الاغتصاب والعنف المنزلي والزواج القسري وزواج القاصرات، إلى جانب الإيذاء الجسدي والنفسي.
تقول علياء الحامدي –مسؤولة الدائرة القانونية في اتحاد نساء اليمن- لـ"خيوط"، إن الوضع الاقتصادي المتدهور وتداعيات الحرب منذ نحو سبع سنوات وقلة فرص العمل بين الشباب وانتشار المواد (المخدرة) بينهم، بالإضافة إلى جائحة كورونا التي اضطرت الكثير من الرجال للجلوس في البيوت والتوقف عن العمل- كل هذه الأسباب أدّت إلى زيادة العنف في حضرموت، بل في اليمن ككل، مؤكدةً أن اتحاد نساء اليمن استقبل مئات قضايا العنف خلال العام الحالي فقط.
كل قضية عنف تُقدم للقضاء خلفها عشرات القضايا الأخرى غير المعروفة، فالعنف يولد عنفًا في عملية مستمرة لا تؤثر فقط على المعنف، بل أيضًا على جميع المحيطين به، والذي قد يتسبب لهم بأزمات نفسية متفاوتة.
الفضيحة، التشهير، ألسنه الناس وحكمهم، هذه الحجج التي تمثل "فزّاعات حقيقية" أمام المعنفات، بالإضافة أيضًا إلى أن الكثير منهن غير مستقلات ماديًّا ولا يوجد مكان آخر يذهبن إليه.
تحكي المحامية علياء في هذا الخصوص، قصة إحدى النساء من وادي حضرموت التي أتت إليها تشتكي من ظلم أشقائها لها بعد موت أبويها، حيث امتنعوا عن الموافقة على زواجها إلا بعد أن تتنازل عن حصتها في ورث والدها كاملًا!
تتابع حديثها: "أخبرناها أننا نستطيع أن نأخذ حقها عبر القضاء، ولكنها رفضت، واصفة ذلك بالمصيبة الكبيرة؛ فماذا سيقول الناس عنها عندما يعلموا بأنها تجرأت ورفعت قضية على إخوانها! على الرغم من أنها حرمت من حقها الشرعي في الميراث وفي الزواج، ومع هذا فإن المجتمع على استعداد كامل لنبذها مع أنها على حق، وإخوانها على باطل!".
القانون اليمني والمرأة
تواجه المرأة في القانون اليمني تمييزًا شديدًا، ويتهمه البعض أنه يخلق الظروف التي تسهل وتعزز من تعنيف المرأة، فلا يوجد قانون مخصص تحديدًا لحماية المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ولم يتم تحديد حد أدنى لسن الزواج إلى الآن، ولا يمكن لها الزواج دون موافقة ولي الأمر، وليس لديها حقوق متساوية في الطلاق أو الميراث أو الحضانة، ولهذا فإن انعدام الحماية القانونية يجعل المرأة عرضة للعنف الجسدي والجنسي، وفق منظمات حقوقية.
تقول المحامية علياء إن اليمن ما زالت متأخرة عن كل الاتفاقيات وإعلانات حقوق مناهضة العنف ضد النساء، فإلى اليوم لا نزال بعيدين كل البعد عن أي شكل من أشكال الإنصاف للمرأة المعنَّفة، خصوصًا في قضايا التحرش والاغتصاب والعنف المنزلي.
طوق نجاة وأمل
الحديث المحض عن قضايا العنف وعن ضحاياها دون تقديم حلول ملموسة وواقعية، غير مجدٍ في كثير من الأحيان، فالكثير من النساء يخفن أن يكنَّ "عرضة" للتشهير، فتختار الصمت.
كما تشدد سلوى عمر -حقوقية ومستشارة لدى أحد مراكز دعم المرأة بمحافظة حضرموت- في حديثها لـ"خيوط"، على ضرورة كسر الصمت ومشاركة القصص، وإظهار الفارق الكبير الذي حدث في حياة كثير من الناجيات، حيث يجب أن تفهم النساء أن هناك دائمًا طوق نجاة، يجب أن يعلمن أن هنالك الكثير من الجهات ستقدم لهن المساعدة والدعم اللازم. وتوضح أن تغيير واقع النساء للأفضل في المجتمع يبدأ من طريقة تناولنا لقضايا العنف.
وتضيف سلوى بالقول: "لقد كبرنا ونحن نعتقد أن من حق الآخرين التحكم في حياتنا وتصرفاتنا، وأحيانًا من حقهم أن يمارسوا العنف ضدنا، لكن هذا يجب أن يتوقف، يجب أن يتم تعليم كل طفلة وامرأة حقوقها كاملة، وألَّا تتنازل عن أيٍّ منها، وأن يكون لها كيانها الخاص، واستقلالها المادي، وأن تكون هي سيدة خياراتها الوحيدة، عندها فقط سنعيش في مجتمع خالٍ من العنف ضد المرأة".