تفاجأت مريم أحمد (60 سنة)، بطلب توكيل من ولي أمرها، حتى يُسمح لها بالسفر من قبل شركة النقل، لم تكن تدرك وقتها أنّ هناك توجيهات بمنع سفر النساء بمفردهن من صنعاء الخاضعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين). تقول في حديثها لـ"خيوط"، إنها كانت تسافر بمفردها إلى عدن بشكل مستمر دون أن يعترضها أحد.
اعتادت مريم على أن تقضي رمضان من كل عام في مدينة عدن، في منزل ابنتها هناك، إلا أن إجراء توكيل السفر من قبل ولي الأمر هذا العام جعلها تعدل عن هذا القرار، وتظل في صنعاء خوفًا من أي مكروه أو مضايقات قد تتعرض لها.
رفض مكتب النقل منحها قسيمة "تذكرة" خاصة بالسفر، طالبًا منها توكيلًا خطيًّا من قبل زوجها أو والدها أو أحد إخوانها، وعدم قبول موافقة أحد أبنائها، إذ تشير مريم إلى عدم مراعاة سنّها في ظل إصرار مكتب النقل وفق التوجيهات والتعميم من قبل سلطة أنصار الله (الحوثيين)، الذي يلزمهم بضرورة توفير التوكيل من أجل السفر أو البقاء في صنعاء.
ما جرى لهذه المرأة مريم، والتي قررت عدم السفر، نموذجٌ واضح يعكس الطريقة التي تتعامل بها سلطة صنعاء- أنصار الله (الحوثيين) مع النساء وما تفرضه من قرارات للتضييق على المجتمع وتقييد حرياته وتنقلاته.
تنقلات مشروطة
التعميم الذي ظهر مؤخرًا للعلن، ويتم تداوله بشكل واسع، كانت قد أصدرته جماعة أنصار الله (الحوثيين) مطلع العام 2021، وسط استهجان متواصل من قبل المنظمات الحقوقية والمدنية بتقويض حقوق وحريات النساء والفتيات بشكل خطير وجسيم في مناطق سيطرة الجماعة، ودعتها إلى التوقف فورًا عن استهداف النساء وحضورهن في الحياة العامة.
تواتر هذه الانتهاكات بحسب منظمات حقوقية، وعدم اتخاذ خطوات قانونية بحق مرتكبيها، فضلًا عن اتساع القيود المفروضة، والتي يأتي بعضٌ منها كنتيجة لتوجيهات مُعلنة من خلال التعميمات أو التوجيهات، يعطي مؤشرًا خطيرًا بأن تلك الانتهاكات تأتي ضمن سياسة رسمية لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في طريق قمعهم للحريات
على الرغم من عدم وجود قانون يشترط وجود محرم أثناء تنقل النساء، إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية، تكررت حوادث تشديد وسؤال النساء عن المحرم في وسائل المواصلات أثناء التنقل بين المحافظات التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين). دأب مسلحو جماعة "أنصار الله" على سؤال النساء اللواتي يسافرن بمفردهن، كما تكثر مطالبة الرجال المسافرين مع النساء بإثبات علاقتهم بالمرأة، على سبيل المثال: من خلال إبراز شهادة عقد الزواج، أو بطاقات الهوية، إذا كان الرجل والمرأة على خلاف ذلك.
بحسب مدير إحدى شركات النقل البري في صنعاء، والذي رفض الكشف عن هويته، في حديث لـ"خيوط"، فإن هذا التعميم جاء من قبل هيئة النقل البري في العاصمة اليمنية صنعاء، وأنّ من لم يلتزم بتلك التوجيهات يتعرض إلى مساءلة قانونية.
وأكّد أنّ الهيئة أصدرت هذا التعميم في بداية ديسمبر/ كانون الأول من العام 2021، والذي يلزم شركات النقل البري برفع التوكيل مع صور هوية المسافرة والمؤكل لهيئة النقل قبل تحرك مركبة النقل من صنعاء، ويتم توزيع نسخ أخرى من التوكيل والوثائق لنقطة عسكرية في منطقة يسلح على المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء، إضافة إلى النقاط العسكرية في مداخل المدن التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين).
كانت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان قد وثّقت عديدًا من الانتهاكات التي تمارسها سلطة صنعاء، وكشفت في تقرير صادر عنها، اطلعت عليه "خيوط"، عن ممارسات نقطة نقيل يسلح في إيقاف عدد من النساء وابتزازهن بتهمة السفر دون محرم، ومصادرة وثائقهن الرسمية ومنعهن من السفر، كما وثّقت المنظمة عددًا من حالات الانتهاك مطلع العام الماضي 2021.
ورغم أنّ التوجيهات بمنع النساء من السفر كان قد تمّت قبل أشهر، إلا أنها قوبلت برفض كبير، وتم إثارتها مؤخرًا بمواقع التواصل الاجتماعي من قبل بعض النشطاء، وقالت رئيسة منظمة "مواطنة لحقوق الإنسان"، رضية المتوكل، في بيان على موقع المنظمة على "تويتر"، إنّ هذه الانتهاكات "ليست سوى جزء صغير من ممارسات عديدة تبين توجهًا خطيرًا لتقويض وجود النساء في الحياة العامة، وإنهاء كل المكاسب التي كافحت من أجلها على مدى سنوات، وعلى الحوثيين وقف هذا الاستهداف للنساء".
قرارات تعسفية
تواتر هذه الانتهاكات بحسب منظمات حقوقية، وعدم اتخاذ خطوات قانونية بحق مرتكبيها، فضلًا عن اتساع القيود المفروضة، والتي يأتي بعضٌ منها كنتيجة لتوجيهات مُعلنة من خلال التعميمات أو التوجيهات- يعطي مؤشرًا خطيرًا بأن تلك الانتهاكات تأتي ضمن سياسة رسمية لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في طريق قمعهم للحريات، وتحديدًا حين يتعلق الأمر بالنساء.
في السياق ذاته، أطلقت مجموعة من النساء، في الأشهر الماضية، حملة مطالبة بمنع عرقلة استخراج وثائق السفر في تعز واشتراط ولي الأمر، ونجحت تلك الحملة في وقتٍ لاحق بعد صدور توجيهات من قبل رئيس الحكومة المعترف بها دوليًّا بالسماح للمرأة بالحصول على وثيقة سفر بدون أي اشتراطات غير قانونية، مثل موافقة ولي الأمر.
ترى الصحفية، مروى العريقي، أنه يُراد للمرأة أن تعود للبيت لتمارس أدوارًا محددة فقط، دون إدراك أنها اليوم تعمل لتعيل نفسها وأسرتها، عملها يتطلب تنقُّلًا، وكذلك دراستها، وتتساءل لماذا التركيز على هذا الجانب، وترك أمور أخرى كصرف رواتب الموظفين؟!
وتضيف في حديثها لـ"خيوط"، أنّ المرأة في السابق كانت تعمل متى ما أرادت، وفي مجالات محدودة كقطاع التعليم، لكن ظرف الحرب وتردّي الأوضاع المعيشية وانقطاع رواتبها وراتب ذويها أو عائلها، أجبرها على العمل في أي مجال آخر حتى تعيش، وهو ما يتم تجاهله والتركيز على التضييق على الحقوق والحريات.
وتصف قرار منع المرأة من السفر دون موافقة ولي أمر على جميع شركات النقل، أنه أنهى تمامًا هامش الحرية المتاحة للنساء والتي وصلت إلى أقصى مستوياتها.
وتعتبر هذه القرارات منافية للقانون اليمني، حيث تنص المادة (57) من الدستور اليمني على "حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنية مكفولة لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المواطنين وحرية الدخول إلى الجمهورية اليمنية والخروج منها، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن الأراضي اليمنية أو منعه من العودة إليها".
ويعتبر قرار منع النساء من السفر في صنعاء قرارًا من بين مجموعة من القرارات والإقصاءات التي تقوم بها جماعة أنصار الله (الحوثيين) ضد النساء، وهي حالة تعسفية، إذ يتم من فترة لأخرى إصدار تعميمات وقرارات للتضيق على النساء من كافة النواحي.