أن تشاهد امرأة تحمل أدوات الصيانة وتستخدمها في إصلاح الهواتف الذكية، هو أمر غير معتاد في اليمن، إذ لا تزال هذه المهنة حكرًا على الرجال. لكن امرأة في محافظة مأرب قررت أن تقتحم هذا المجال وتجعل المرأة شريكة للرجل فيه.
كل يوم تتوجه العديد من الفتيات والنساء بمدينة مأرب، إلى منزل السيدة إشفاق سعيد (٢٩سنة)، وهي من أهالي مديرية "شَرْعَب الرَّونَة" بمحافظة تعز، تسكن مع أسرتها في مأرب. يقصدن منزلها للاستفادة من موهبتها في صيانة أجهزة الهاتف المحمول، مطمئنات على خصوصياتهن المخزونة في الأجهزة.
تقول إشفاق في حديثها لـ"خيوط": "عملت في هذا المجال لأني أدركت أهمية وجود نساء يعملن فيه نظرًا لخطورته".
في ظلِّ التطور التكنولوجي المتسارع بوسائله المتعددة، من هواتف ذكية وأجهزة لوحية ووسائط متعددة، صارت الآلاف من النساء في اليمن يستخدمن الهواتف المحمولة، ويحتفظن فيها بالصور ومقاطع الفيديو والمحادثات، التي تعتبر شديدة الخصوصية في مجتمع محافظ ولا يزال ظهور وجه المرأة عيبًا في تقاليده. ومن منطلق الحفاظ على هذه الخصوصية، وجدت إشفاق الدافع الذي شجعها على الاستمرار في مشروعها الصغير، رغم ما واجهته من "صعوبات وتحديات".
تقول عن بداية عملها: "مشواري في هندسة الجوالات والقطع الإلكترونية، لم يكن وليد الحاضر، بل شغف كبر معي منذ الطفولة"، حيث كانت تحب إصلاح الأجهزة الإلكترونية.
على الرغم من ميلها لهذه المهنة وموهبتها التي باتت ملحوظة لديها، لم تسنح الفرصة لإشفاق بدراسة الهندسة الإلكترونية في الجامعة، ناهيك عن تأثرها بكونه تخصصًا لا يناسب الفتيات، لذلك التحقت بقسم الرياضيات .
في الوقت الذي تعد فيه إشفاق أول امرأة في محافظة مأرب تحترف إصلاح وصيانة الهواتف المحمولة بأنواعها، يفتتح كادر نسائي متخصص في مدينة تعز، مشروعًا لصيانة وبرمجة الأنظمة الإلكترونية وتطبيقات الأندرويد وأجهزة الكومبيوتر والهاتف المحمول.
منذ العام ٢٠١٤، يعيش اليمن بأسره ظروفًا اقتصادية صعبة دفعت بآلاف النساء للعمل في مهن كانت وما زالت مقتصرة على الرجال. وعلى الرغم من قيود العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحد من عمل المرأة وممارستها لهذه المهن، إلا أن الكثيرات تخطين تلك القيود وأثبتن أن حال المجتمع سيكون أفضل بتوسيع نطاق عملهن.
"مع مرور الوقت والتطور التكنولوجي وحاجة المجتمع، خاصة النساء لمثل هذا التخصص، تعزز لدي الإصرار في ممارسة هوايتي كمهنة، فعمدت إلى دراسة صيانة الجوالات". تضيف إشفاق، مشيرة إلى أنها دشنت مشروعها من منزلها الذي تسكن فيه مع طفلتها وزوجها، الذي دعمها لتحقيق حلمها بمزاولة هذا العمل.
وعن أهم الصعوبات التي واجهتها، قالت إنها "صعوبات اجتماعية"، باعتبار هذه المهنة حكرًا على الرجال، إلى جانب الصعوبات المادية، كارتفاع تكاليف فتح محل خاص بما يتطلبه من تجهيزات، وارتفاع أسعار الإيجارات وشروط الدفع المقدم لعدد من الشهور، التي صارت بمثابة قوانين وأعراف متداولة لدى ملاك العقارات. ومع ذلك، تقول إشفاق: "تمكنت من مزاولة المهنة بمساعدة عائلتي وزوجي، الذين وفروا لي أدوات وأجهزة الصيانة، وغيرها من المتطلبات".
تقول السيدة نور علي (٣٧ سنة)، وهي إحدى زبونات إشفاق، إن وجود نساء يعملن بمثل هذا التخصصات، أمر في غاية الأهمية. وتضيف في حديثها لـ"خيوط": "جميعنا نعرف أن بعض الرجال الذين يعملون في محلات صيانة الجوالات، يعبثون بهواتف النساء التي من المفترض ان يصلحونها فقط". كما تشير إلى ما يحدث أحيانًا من مشكلات اجتماعية وجنائية كبيرة عندما يتجرأ بعض العاملين في إصلاح الهواتف المحمولة، على نسخ صور أو محادثات خاصة بالنساء، ويقومون بنشرها على الإنترنت أو يبتزون السيدات بها للحصول على المال. وبالطبع مثل هذه الأمور، بحسب نور، تقلق النساء، وبعضهن يفضلن ترك هواتفهن معطلة علي أن يرسلنها للإصلاح في المحلات. لذلك ترى أن وجود امرأة ذات خبرة في إصلاح أجهزة الهواتف، يمنح النساء الشعور بالثقة والأمان، وسيدفع بهذه المهنة إلى أن تكون من المهن المشتركة بين الرجال والنساء.
في الوقت الذي تعد فيه إشفاق أول امرأة في محافظة مأرب، تحترف إصلاح وصيانة الهواتف المحمولة بأنواعها، يفتتح كادر نسائي متخصص في مدينة تعز، مشروعًا لصيانة وبرمجة الأنظمة الإلكترونية وتطبيقات الأندرويد وأجهزة الكومبيوتر والهاتف المحمول، وكاميرات المراقبة، وغيرها من الأمور التقنية.
وتأمل إشفاق أن يكون لديها محل خاص بها لصيانة الهواتف المحمولة، متطلعة بذلك لخدمة النساء في المجتمع اليمني عمومًا.
* تحرير خيوط