لم تعُد هنادي أنعم، قادرة على الترويج لأعمالها، ولا تستطيع عرضها على منصات التواصل الاجتماعي؛ حتى لا يبدو نجاحها جريمة بنظر المجتمع؛ كما تقول لـ"خيوط".
تعمل هنادي منذ أعوام في المجال الصحفي مع عدة منصات ومواقع صحفية وقنوات تلفزيونية، وتعمل الآن مراسلة لدى قناةٍ خارجية، حيث يُعَدّ ذلك نجاحًا كبيرًا بالنظر إلى قلة عدد الإعلاميات اليمنيات العاملات في وسائل إعلامية خارجية.
تتابع أنعم حديثها، بالقول: "التعليقات السلبية التي تهاجمني كامرأة اخترقت عاداتهم وتقاليدهم المجتمعية والقبَلية التي سلبت من المرأة جميع حقوقها؛ أصابتني بعقدة نفسية بدأت تعيق مسيرتي الإعلامية والعملية".
تواجه النساء اليمنيات، خصوصًا العاملات ممن أثبتن كفاءتهن في ميادين العمل المختلفة، تحديات شاقة بسبب "العنف الرقمي" في مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب عدم تقبل بعض أفراد المجتمع لهن، ممن تحكمهم العادات والتقاليد التي تهمش المرأة وتتعامل معها بنوع من الدونية والتمييز؛ ممّا يخلق بيئة خصبة للتنمّر والتحرّش والابتزاز.
تضيف أنعم أنّ النشر على منصات التواصل الاجتماعي والترويج لأعمالها، كان سيساعدها على الانطلاق أكثر والوصول إلى جهات إعلامية أكبر وأكثر انتشارًا، ممّا سيشجِّع الصحفيات والإعلاميات الصاعدات في حال كان هناك وعي مجتمعي يدعم المرأة ويشجعها، لكنها تأسف لِمَا أصبحت عليه هذه المنصات التي تحوّلت إلى ما يشبه ساحة للتنمر المحبط، والسب والقذف الذي قد ينتج عنه نتائج سلبية مدمرة لمن يواجهن ذلك، وللمرأة بشكل عام.
يشّكل العنف الإلكتروني ظاهرةً خطيرةً تُهدّد سلامة وأمان النساء اليمنيات على وسائل التواصل الاجتماعي، تاركًا آثارًا نفسيةً عميقةً تؤثر على نجاحهن وشغفهن.
من جانبها، تقول أشواق علي، ممثلة يمنية، لـ"خيوط": "ما يجعلني أستغرب أكثر، أننا لم نعُد نعنّف رقميًّا من الرجال فقط، حتى النساء يشاركن في ذلك، فبمجرد أن أقوم بنشر صورة لأحد أعمالي الدرامية أُهاجَم من قبلهن بالسخرية والتنمر، على الرغم بأنها صور غير مخلة بالأدب العام ولا تسيء للمجتمع"، مشددةً على أهمية وجود قوانين وآليات تحد من العنف الرقمي ضد النساء اليمنيات في مواقع التواصل الاجتماعي، لتلافي كل تلك الآثار والتبعات السلبية التي تعاني منها المرأة.
العنف المركب
لا تزال المرجعيات الثقافية والمعايير الاجتماعية الحاكمة في المجتمع اليمني، تضع المرأة في مواقع القصور والدُّونية، مع تكريس المجتمع نظرته إليها على أنها وسيلة للمُتعة والإنجاب فقط، وهو أبعد من أن يتعامل معها بصفتها كائنًا اجتماعيًّا له هُويته المستقلة وكينونته الخاصة به، فضلًا عن القَبول بها شريكةً فاعلة، وتمكينها سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا.
هكذا يشخص الباحث في علم الاجتماع، عيبان السامعي، وضعية المرأة اليمنية في ظل مجتمع تقيّده العادات والتقاليد البالية المتوارثة، مشيرًا في حديثه لـ"خيوط"، إلى أنّ المجتمع الذكوري يخاف من المرأة القوية، المستقلّة، المرأة الصانعة لهُويتها، والمالكة لمصيرها؛ ولهذا يعمل بكل ما يتسنّى له من أدوات إكراهيّة وتحايُليّة لإخضاع المرأة، وقهرها، واستعبادها.
يرجع ذلك إلى طبيعة النظام الاجتماعي الذي يوصف بأنه أبويّ ويقوم على أساس قيم ذكورية، تلك القيم التي تعمل على إقصاء المرأة من النشاط في الشأن العام وخارج المنزل، وحرمانها من حقوقها بوصفها مواطِنة -وفق السامعي- وحصر أدوارها الاجتماعية داخل المنزل وفي خدمة الرجل.
في حين تعتبر رشا كافي -ناشطة وكاتبة- في حديثها لـ"خيوط"، التنمرَ على النساء في مواقع التواصل الاجتماعي، عنفًا رقميًّا ضد المرأة، هدفه قمعها وإسكات صوتها؛ حيث يعد عنفًا مركبًا؛ كونهن ناشطات مؤثرات بارزات في المجتمع، إضافة إلى نوعهن الجندري.
كما ترى كافي أنّ هذه الطريقة وسيلة جديدة وافقت حداثة وسائل التواصل الاجتماعي، كما تؤكد عدم وجود أي امرأة ناشطة، أو مؤثرة بارزة في وسائل التواصل الاجتماعي، لم تتعرض للعنف الرقمي.
تضيف: "جميعنا تعرضنا لجميع أشكال العنف الرقمي من التنمر والتهديد وحتى الابتزاز من أشخاص لديهم نظرة قاصرة تجاه المرأة، ويشعرون بالنقص، ويدفعهم ذلك إلى مهاجمة النساء؛ كونهن الحلقة الأضعف مجتمعيًّا، حتى يشعروا بالاكتمال".
وفق كافي فإن بعض الأشخاص الذي يمارسون العنف الإلكتروني ضد المرأة، يكونون مدفوعين من أطراف سياسية معارضة للناشطة أو الإعلامية أو أيًّا كانت؛ وذلك لتحطيمها نفسيًّا، وتصف هؤلاء بـ"الذباب الإلكتروني".
إضافة إلى أنّ هناك أشخاصًا مدفوعين من رجال الدِّين بسبب نظرتهم القاصرة تجاه النساء، ويقلقهم نشاطهن في الفضاء العام؛ بحسب هذه الناشطة والكاتبة، ويرون مكانها الأول والأخير في المنزل.
وترى أنّ "العنف الرقمي الجندري" الموجَّه من النساء، هو بالأساس نتيجة شعورهن بالعجز؛ إذ إنهن لم يستطعن تحقيق ما حقّقته هذه المرأة الناجحة. ويوضح السامعي أن وجود بعض النساء اللاتي ينخرطن في الحملات التي تستهدف نساء أخريات ويتماهين مع الخطاب الذكوري، يشير إلى أنهن يعشن حالة استلاب في الوعي ويخضعن للعنف الرمزي.
كبت الأحلام وفقدان الشغف
يُشكّل العنف الإلكتروني ظاهرةً خطيرةً تُهدّد سلامة النساء اليمنيات وأمانهن على وسائل التواصل الاجتماعي، تاركًا آثارًا نفسيةً عميقةً تؤثّر على نجاحهن وشغفهن.
كثيرٌ من الفتيات الموهوبات والطموحات تحدثن لـ"خيوط"، أن لديهن شغفًا كبيرًا تجاه الكثير من الأعمال التي تتطلب الظهور المجتمعي، إلا أنهن تراجعن وذهبن إلى مجالات أخرى خارج شغفهن؛ لتجنب العنف الرقمي.
شكّلت النماذج الموجودة في اليمن من النساء البارزات اجتماعيًّا، رعبًا للفتيات المقبلات على اختيار التخصص الجامعي، حيث أصبحن يتجنبن تخصصات كثيرة، مثل: الإعلام، والحقوق والعلوم السياسية، والشريعة والقانون، وغيرها.
صفاء الأشعري، إحدى الفتيات التي راهنت عائلتها عليها لتكون إعلامية مميزة منذُ الصغر، حيث تمتلك الكثير من المهارات الإعلامية منذ الطفولة، كما أنها تحب هذا المجال وتحلم به منذ طفولتها.
تقول صفاء لـ"خيوط": "كبرت وما زلت أحب الإعلام، إلا أنني عندما أتابع صفحات الإعلاميات والمشهورات والناشطات، وأجد الهجوم عليهن بلا سبب مقنع، وعندما أقرأ التعليقات السلبية التي تهاجمهن شخصيًّا بسبب النوع الجندري، ولا تنتقد الأعمال نفسها، تراجعت عن السعي لتحقيق أحلامي، واخترت تخصصًا آخر لا يمت لشغفي بصلة".
بدورها، تفيد شيماء العز، مختصة نفسية، لـ"خيوط"، أن العنف الرقمي ضد النساء في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا النساء اللاتي يعملن من أجل المجتمع، يؤثر بشكل كبير على نفسيتهن، فهو يسبّب لهن ضغوطًا نفسية، وخوفًا وقلقًا، إضافة إلى الشعور بالخزي والخجل في بعض حالات.
تتابع شيماء بقولها: "تؤدي التعليقات السلبية إلى تراجع ثقة النساء بأنفسهن وقدراتهن، مما يُفقدهن شغفهن ويهدّد مسيرتهن، وقد يشعرن باليأس والإحباط من إمكانية تحقيق أهدافهن، وهذا قد يدفعهن إلى التخلي عن شغفهن".
كما أنّ التنمر والتهديد والعنف بشتى أنواعه، الذي تتعرض له المرأة إلكترونيًّا، يؤثر بشكل واضح على علاقاتهن الاجتماعية والعامة، فقد تخاف النساء من التعرض للمضايقات أو التهديدات في الواقع، ممّا يدفعهن إلى تجنب التفاعلات الاجتماعية.
تضيف هذه المختصة النفسية، أن هذه الظاهرة التي تمارس ضد النساء، تجعلهن غالبًا يشعرن بالوحدة ويلجأن إلى العزلة، إضافة إلى أنها قد تجبرهن على التخلي عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما يفقدهن منصة مهمة للتواصل مع الجمهور وتعزيز مسيرتهن المهنية.
فضلًا عن تراجع الإنتاجية بسبب فقدان التركيز على فرص العمل الجيدة والتعليم بشكل أكبر، وقد يصل الأمر إلى إجبار هؤلاء النساء على التخلي عن أعمالهن.