تُحيي نساء العالم، اليومَ الأربعاء 8 مارس، (يوم المرأة العالمي)، للتعبير عن حضور نسبة وازنة منهن في الحياة السياسية والاجتماعية في كثيرٍ من الدول، وللتذكير أنّ نساءً أخريات ما يزلْنَ أسيرات قمع وقهر مجتمعات وسلطات اجتماعية وسياسية ودينية في دولٍ أكثر، ولم تبلغ النساء لحظة التحقّق هذه إلّا بعد تضحيات كبيرة وطويلة وشاقّة ضدّ التمييز وسلطات المجتمع القاهرة.
وبالتزامن ذاته، تُحيي نساء اليمن هذه الذكرى في وقتٍ وصلت فيه موجة المدّ الأصولي الظلامي ذروتها، وتحاول مع مدّها جرفَ الكثيرَ من مكتسبات اليمنيّات التي انتُزعت على مدى عقود طويلة، بنضالات شتى عبر التعلُّم والوظيفة والخدمة العامة، التي أتاحتها أمامهن عمليات التحول السياسي والاجتماعي التي بشّرت بها الثورة اليمنية، ابتداءً من مطلع ستينيات القرن الماضي.
بدأ التجريف مع الموجة "الوهابية" التي صارت منذ مطلع السبعينيات جزءًا أصيلًا من بنية السلطة، فأعادت تعريف اليمنيات في الحضر والريف من منطق البداوة المتشدِّد والمكتسي بالدين السياسي، فألبستها السواد عوضًا عن ألوان الحياة، وأسكتت صوتها بوصفه عورة؛ لتعظيم سلطة الذكورة، غير أنّ هذا الصوت أعيد استخدامه وتوظيفه لأغراض سياسية مع كلّ حاجة أرادت قضاءَها أو انتخابات خاضتها جماعات التكسب الديني.
مكتسبات المرأة الكبيرة في "قانون الأسرة"، صار في خبر كان مع التصدُّعات الباكرة في جدار دولة الوحدة؛ أمّا القيمة العالية لفكرة الإنتاج في الريف اليمنيّ القائمة على مجهود التشارك بين المرأة والرجل صارَ هو الآخر مجرَّمًا في خطاب الوعظ المتشدّد.
الموجة الظلامية "الوهابية" صارت معزّزة، منذ عقدين، بموجة ظلاميّة أشدّ فتكًا، وهي الموجة "الخمينية"، التي فرضت، مع سنوات الفوضى والحرب، تميُّزًا عنصريًّا فجًّا، بدأ من: منع الاختلاط في فصول الدراسة، وصولًا إلى فرض لون الملابس وطرائق تفصيلها، والتشنيع بالوظيفة وعمل النساء في المجال العام، ولم تنتهِ بفرض "المَحْرَم" في سفَر وتنقُّل النساء، ولكنها لم تلتفت إلى جوعهن وفقرهن الذي تشير إليه حالة التسول المتعاظمة في أوساط النساء، والأكل من المكبَّات.
ومع كل هذا الترهيب لم تزل النساء ينتجن أشكالًا متعدّدة من المقاومة العفوية ضدّ هذا التمييز والتنكيل، وينجزن الكثير من قصص النجاح في هذا الدرب الوعر، ولا بُدّ أن يصلن إلى ما يبتغين؛ فمنطق الحياة والعقل هو الذي ينتصر في نهاية المطاف.
(**)
ومنذ إطلاقها في 10 مارس 2020، وحتى اليوم 8 مارس 2023، عملت منصة "خيوط"، وفي ظروف شديدة القسوة، لتكون حاملًا أمينًا لصوت الفئات الضعيفة والمهمشة، وعلى رأسها المرأة، فاستوعبت، في نوافذها العديدة، الكثيرَ من الموادّ التي تعاين وتخوض في قضايا وموضوعات المرأة، من موقع مسؤوليتها المهنية والأخلاقية، فصارت هذه المواد ملفًّا مهمًّا بالتراكم، حمل عنوان (النصف المهدور)، ويستطيع من خلاله القارئ أن يستبصر الكثيرَ من المفردات الحيّة لصوت النساء، الذي يُراد محوه، وليس تغييبه فقط.