أجبرت المعارك المحتدمة في مدينة حرض، منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن قبل ما يزيد على خمس سنوات، المواطن عبدالله صالح وعائلته إلى الفرار من مدينته، وبدء رحلة نزوح شاقة استقر في نهايتها في العاصمة صنعاء، وتحديدًا في حي السنينة، حيث يسكن في دكان صغير وسط أوضاع إنسانية صعبة يرزح تحت وطأتها مع أسرته في هذا المكان غير الصالح للحياة الآدمية.
يقول صالح لـ"خيوط"، إن معاناتهم تضاعفت مع دخول الشتاء واشتداد البرد هذه الأيام، مع افتقادهم للوسائل التي تساعدهم وتقيهم من البرد من ملابس وبطانيات، إضافة إلى الصعوبة التي يواجهونها في توفير الغذاء والاحتياجات المعيشية، إضافة إلى معاناته -وفق حديثه- من مرض القلب الذي أثر عليه، وحد من حركته ومن بذل أي مجهود لتوفير احتياجات عائلته المعيشية.
ورغم وجود العديد من المبادرات الفردية والجماعية لجمع وحشد التبرعات من البطانيات والملابس والأفرشة لمساعدة المحتاجين، إلا أن هذه الجهود غير كافية لتشمل كل المحتاجين، خاصة وأن العاصمة صنعاء استقبلت أعدادًا كبيرة من النازحين والأسر المعدمة، في ظل تزايد مستمر لأعداد النازحين بالتوازي مع تصاعد المواجهات في أكثر من جبهة في البلاد.
إذ ينجم عن ذلك نزوح أعداد كبيرة من المواطنين الفارين من هذه المواجهات والأوضاع المضطربة، وبالتالي تفاقم أكثر للأوضاع الإنسانية، إلى جانب زيادة الاحتياجات في مثل هذه الأيام لوسائل الحماية والوقاية من البرد.
يمثل دخول موسم الشتاء واشتداد البرد تحديًا كبيرًا أمام المنظمات الدولية العاملة في اليمن، في ظل إغلاق الكثير من البرامج للأمم المتحدة، لانخفاض حجم التمويل المقدم لليمن في واقع زادت فيه حجم المعاناة والاحتياج، إلى جانب زيادة أعداد النازحين في كثير من مناطق البلاد
محمد الزعفور نازح من الحديدة، ويسكن في أحد الدكاكين في منطقة جدر، يشكو لـ"خيوط"، إذ يعيل أربعة أبناء، من مضاعفة البرد لمعاناتهم في ظل افتقادهم لوسائل التدفئة التي تجعلهم في مأمن من قسوة الليالي الباردة -حد قوله- فيما يشكو بأن اسمه غير مدرج في قوائم المساعدات التي تقدمها المنظمات التي تعمل بعضها على توزيع مساعدات خاصة بالتدفئة للنازحين والمحتاجين في مثل هذه الأيام مع اشتداد البرد.
إمكانيات ضعيفة
بحلول موسم الشتاء تلاحق اليمنيين أزمة معاناة جديدة وأكثر فتكًا على أجساد غالبيتهم، وخاصة ممن هم نزلاء شوارع وفي مخيمات ودكاكين صغيرة معرضة للبرد، وهذا هو حال الآلاف في صنعاء، حيث النازحون هربًا من نيران الحرب والباحثون عن عمل ومرضى نفسيون، إلى جانب معاناة حتى من هم في منازل وشقق مفروشة، من شدة البرد الشديد الذي يبدو هذه المرة أكثر شدة وقسوة.
وتتركز المعاناة بشكل أكبر لأولئك الذين اتخذوا من أرصفة الشوارع ملاذهم الأخير بعد أن انقطعت بهم سبل الحياة والعيش الكريم، إضافة إلى آلاف الأسر التي ترزح تحت وطأه الفقر وانعدام سبل المعيشة؛ الأمر الذي يجعلهم فريسة سهلة للموت على إثر ما يتعرضون له.
ولم يعد الفقر وسوء المعيشة بالنسبة لهؤلاء المشكلة الوحيدة التي يواجهونها فحسب، بل إن موجات الصقيع والتعرض لليالي الباردة أزمة ومعاناة جديدة تضاف إلى حياة كثير من المواطنين الذين لا يستطيعون توفير احتياجاتهم الغذائية والمعيشية.
كما أن إمكانيات الكثيرين من اليمنيين محدودة في مواجهة البرد في الريف والحضر على حد سواء في ظل تردي الأوضاع المعيشية والإنسانية وانعدام الرواتب، إلى جانب ارتفاع كلفة الحصول على وسائل التدفئة، وفي ظل حرب جارية مشتعلة في أكثر من جبهة، يوازيها انسداد أي أفق لحلول تنهي من العناء الملقى على قرابة 27 مليون شخص يعانون الأمرّين.
ويمثل اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج نحو 80% من السكان، أي أكثر من 24 مليون شخص، إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية.
وتحذر الأمم المتحدة من خطورة تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن، في ظل تأثر العمليات الإنسانية الرئيسية بسبب ضعف التمويل، الأمر الذي سيفاقم من معاناة ملايين اليمنيين ووفاة الكثيرين، في حال عدم توفير التمويل المطلوب، وقد تم إغلاق 12 برنامجًا رئيسيًّا من أصل 38 للأمم المتحدة، أو تخفيضها بشكل كبير.
وترك النزاع المستمر والهجمات وانتهاكات حقوق الإنسان على مدى السنوات الخمس الماضية، أثرًا لا يمحى على المدنيين. أجبر نحو 4 ملايين من إجمالي عدد السكان البالغ 30.5 مليون على مغادرة منازلهم بسبب النزاع، بعد أن تعرضت منازلهم للتدمير، وفقدوا سبل كسب عيشهم.
منذ بداية هذا العام، نزح أكثر من 158,200 شخص في اليمن، معظمهم نزحوا بسبب الصراع وفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في اليمن، حسب المنظمة، تعد مأرب المنطقة التي شهدت أعلى نسبة نزوح، حيث انتقل أكثر من 100,000 شخص إلى مواقع النزوح المزدحمة في المدينة والمناطق المحيطة بها.
في السياق، يؤكد الناطق الرسمي للمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي التابع لحكومة صنعاء طلعت الشرجبي في حديثه لـ"خيوط"، بأن المجلس الأعلى يبذل جهودًا كبيرة من حيث التدخلات والعمل على استهداف المحتاجين والمتضررين بالمستلزمات الإيوائية الشتوية، لكن ما زالت قاصرة عن تلبيه كافة المتطلبات وتحتاج إلى مزيد من التدخلات.
تواضع التدخلات
يمثل دخول موسم الشتاء واشتداد البرد تحديًا كبيرًا أمام المنظمات الدولية العاملة في اليمن في ظل إغلاق الكثير من البرامج للأمم المتحدة، لانخفاض حجم التمويل المقدم لليمن في واقع زادت فيه حجم المعاناة والاحتياج إلى جانب زيادة أعداد النازحين في كثير من مناطق البلاد، هذا ويُعدّ النازحون الأكثرَ تضررًا واحتياجًا من أي شريحة أخرى.
رئيسة مبادرة "بسمة أمل" للتراحم والتكافل الاجتماعي والإنساني، شذى الشامي، تؤكد لـ"خيوط"، أن هناك الكثير من المواطنين يرزحون تحت موجات البرد الشديدة من غير القاطنين في مخيمات النزوح أو في الشوارع، وإنما في المنازل حيث يتعرضون للبرد القارس وخاصة الأطفال.
وتشير إلى تواضع التدخلات والحملات في هذا الخصوص، إذ إن قرابة 90% -وفق حديثها- من إجمالي من يعانون، لا يتلقون أي دعم أو حماية من البرد، حد قولها.
وفي تقرير صادر عن مجلس إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية في صنعاء، حصلت خيوط على نسخة منه، أوضح التقريران إجمالي عدد الأسر النازحة بلغ 606.694 أسرة، ليبلغ إجمالي النازحين 4.168.301 لتشمل الإحصائية 15 محافظة يمنية واقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، حتى أواخر أغسطس/ آب الماضي.
هذا ويرى مراقبون أن الدعم المقدم من المنظمات الدولية للمتضررين والمحتاجين محدود، ولا يفي بنحو 60% من احتياجات المتضررين وخاصة النازحين، التي تكون احتياجات هؤلاء غالبًا غير منظورة؛ ما فاقم من معاناة الكثيرين وتركهم عرضة للكثير من الجوع وكل صور الحرمان، إلى جانب جعل البعض منهم عرضة للأمراض النفسية وافتراش الشوارع، كما هو حال الكثيرين في كل مدن البلاد.
ويقول رئيس مؤسسة وجوه للإعلام والتنمية منصور الجرادي لـ"خيوط"، إن المبادرات التي تقوم بها المنظمات المحلية عبارة عن مسكنات خفيفة ومحدودة، نظرًا لاتساع رقعة الاحتياج والفقر الشديد.
بدوره، يرى الناشط في منظمات المجتمع المدني مأمون أبو خاطر لـ"خيوط"، أن دور الجمعيات والمؤسسات والمنظمات والمبادرات ما زال محدودًا في التخفيف من معاناة المحتاجين، مضيفًا أن الآلاف من الأسر مع دخول موسم الشتاء يزداد احتياجها للكساء ووسائل الوقاية والحماية من شدة البرد.
ويشدد أبو خاطر على أهمية التكافل الاجتماعي؛ لأن المسؤولية تقع أيضًا على عاتق المجتمع بأكمله تجاه كل من يعاني من شدة البرد، أو غيرها من صور المعاناة.