لطالما ارتطمت مواطنتنا المبتورة بهذه الأسئلة، فلا تلحظ إحدانا ما ترمي له هذه المسميات إلا حين يقتحم عالمها الزهري عمر الثامنة عشرة. أتذكر حين وضعت في أول موقف مشابه أن غضبًا عارمًا انتابني؛ عندما ذهبت كأي مواطنة بالغة تسعى لاستخراج بطاقتها الشخصية، ووجهت لي أسئلة مليئة بالاستفهامات الصادمة، كان أغربها على الإطلاق: لما تأتين لتتمة معاملة رسمية في جهة كهذه بدون وجود ذكر يصاحبك إلى هنا؟
لم يكن السؤال عن أبي للتأكد من صحة الأوراق كما ظننت! بل كُررت في وجهي عبارة "هاتي قريب ذكر". حملق الجميع فيَّ يومها وكأنني كائن فضائي، وتوجهوا نحوي باللوم وتساءلوا لِمَ أريد هوية وآتي لإثباتها بشخصي، فلا بد ألّا تثبت هذه الهوية إلا بالكفيل (قريب ذكر)، ولو كانت كل أوراقي والإجراءات سليمة.
حصلت على الهُوية أخيرًا بعد معركة طويلة، وبقي السخط في قلبي مدة لا بأس بها تجاه تلك الهوية. مضت السنوات ووقفت أمام جهة رسمية أخرى بهويتي كمواطنة أولًا، وكصاحبة مهنة عقلًا وجبت أن تحترم، ليتهكم الموظف الحكومي في قلم كتاب إحدى المحاكم على ثلة النساء، كما وصفنا وتعجب حين أردف بالسؤال:
لوحت له بالبطاقتين علّ دماغه يستوعب أننا نساء وبالغات راشدات، "نسوان" ونعمل في مهنة تنتزع الحقوق المسلوبة وتعيدها لأهلها، وطرحت عليه سؤالًا بديهيًّا: هل أنت متأكد أنك تحدثنا من باب العمل بالقانون؟ فرفض النقاش ومتابعة استخراج الوثيقة، ورضخت الثلة، ما عداي، وجلبن له ذكورًا للشهادة، واستخرجت الوثيقة بتعويذة التفضيل الأسمى.
ربّتُ على نفسي بافتراض أن موقفي في عدم البقاء قد يحفظ ماء الوجه وجزءًا لا بأس به من الكرامة، وحاولت التنصل من موقف آخر على مضض بإرسال أخي لاستخراج وكالة تعطيني حق استخراج جواز سفر، وحين ذهب أخي لاستخراج وكالة لإصدار جواز سفر لي قوبل بالتعجب من موظفي المحكمة، وسُئِل الرجل الأربعيني: "أين والدكما؟ ألا تعرف أن الولاية بالتراتب وأنت لا تنفع!".
لا أدري حقيقةً كيف تكون وكالة التزويج الممنوحة للولي في الفقه الإسلامي تكريمًا لمحارمه مصدرًا لقياس فاسد يبدأ بالتكريم وينتهي بالتكبيل. تحصر النساء في زاوية المتهم المطعون في عفته وأهليته منذ ميلادهن، ويقع على رأس من لا يستوعبه من الرجال الأسوياء عبء مجاراة هذا الحمق.
لا أستوعب كيف يمكن للشهادة على أوراق رسمية أن تحتاج إلى إقرار من ذكر آهل منذ الميلاد لنساء، مهما تعلمن أو كبرن، يبقى بينهن وبين الاعتراف بالآدمية حاجبٌ وحجاب.