ليس هو بالزميل فقط، بل هو أستاذ بكل المعايير، وبكل ما تعنيه كلمة أستاذ، يجري إهانتها في هذه البلاد الموبوءة بالنحيب والنخب لا فرق... قال في رسالته القصيرة:
"مساء الخير، تصور لم أتحمس لإرسال هذا الموضوع إلا لك، وللولد وهو متخصص IT؛ ما رأيك بالموضوع، أصبحت أستحي أن أحسب على الإنسانيين الأحياء. لدي قناعة بأنه لن يقرأه غيرك".
أكبرت ثقته بي وبالفعل قرأت، وما أرسله إليّ عبارة عن تقرير مطول تحت عنوان: "السلاح المناخي"، تنتهي من قراءته فتضع يدك على قلبك من الخوف.
التقرير يتحدث أولًا عما حصل في العراق وما هو المتوقع في العالم: ستصل درجة الحرارة في العراق لأكثر من 70 درجة مئوية. جنوب العراق أحرّ مناطق العالم بسبب مشروع "هارب" الأمريكي الذي أنشأته أمريكا بعد احتلال العراق، والذي هو عبارة عن فرن مايكرويف ضخم يستهلك ملايين الفولتات.
تقرير مفصل تم نشره في العام 2011، عن مشروع "هارب" لحرب المناخ، هذا السلاح الصامت والمدمِّر الذي يعتبر أحدث وأخطر أسلحة الدمار، ويذهب إلى تفصيل ماذا سيحدث في سيناريو مرعب؛ قد يظهر هنا "عبده العرّيف" ويقول: هذا قديم، فليكن، فلا يزال الأمر قائمًا. قرأته وأرسلت له أقول:
يجمع بين الحقيقة والخيال، مشكلتنا ذرة أمام فيل، لا نمتلك وسائل تمكننا من أن نقول: هذا صحيح ومبالغ فيه، مثل هذا وغيره قد يكون بالفعل قائم ويتطور على طريق محاولة السيطرة والهيمنة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن التسريب سلاح تستخدمه الدول المتقدمة لإخافة الآخر والضعيف بالذات.
كما أن هشام- وهو متخصص IT أيضًا، جعل رأسي يدور، وقد سألته عن التحذير من الإنصات للواتس وإدارته تصر على مراقبة بياناتك، أو كيف تحمي نفسك من الاطلاع على خصوصياتك؟ قال: لا تفعل شيئًا لأنك لن تستطيع، فأنت مكشوف لهم بكل أدوات سيطرتهم، ومهما فعلت فأنت مكشوف ولسبب مهم؛ أنك جاهل ومتخلف، ضحكت وقلت: كثّر الله خيرك.
ببساطة، فهم استعمرونا الآن ويضحكون علينا عندما نردد أننا حققنا الاستقلال. الدول الأقوى تصارع بعضها. هل تتذكر "حرب النجوم" أيام ريغان؟ الآن صراع بوسائل أخرى، ونحن ضحية جهلنا وتخلفنا والثروات في باطن الأرض. هم لا ينتجون أفلام الخيال العلمي من فراغ، هي سيناريوهات لصور الصراع في المستقبل بين الأقوياء. أما نحن، فتلك الذرة التي تقف أمام الفيل، لا نملك إلا الدعاء لأرحم الراحمين يشلّنا إلى أقرب محيط.
هل تتذكرون تسونامي؟ وبالمقابل لا تزال اليابان، ومن خلال رئيس تحرير إحدى صحفها، تتهم أمريكا وإسرائيل بأنهما وراء الزلزال الأخير.
كيف سنواجه حرب المناخ؟ هنا تسأل الذرة، فلا يسمعها الفيل لفارق المسافة بين رأسها وخرطومه! للأسف لم نسأل أنفسنا يومًا: كيف وصلوا؟
وفي المستقبل الآتي سنجدهم يحاربون والبراكين والفيضانات والأعاصير، ومخرجات الذكاء الاصطناعي، روبوتات تحارب، مناخ يحارب نيابة عنهم، والقادم بعده لا تدري كيف سيكون! نحن في عالمنا الجاهل والمتخلف، حالنا حال من يتابع مباراة في تنس الطاولة، اللاعبون يخرج أحدهما ويعتلي منصة الفوز والتكريم، ونحن نخرج نبحث عن أقرب عطار يعيد رؤوسنا إلى أماكنها بعد الجهد الكبير يمين شمال!
العالم مثل ملاحقة الخير للشريط أدواته في صراع تنافس على المكانة والثروة، لأنهم يعيشون بمستويات من الرفاهية لا يمكن لهم أن يتنازلوا عنها، وفي هذا الحال لا توجد عواطف الكُره والحب وتقبيل اللحى، بل مصالح يدرون كيف يحافظون عليها ويحاربون من أجلها! وأين؟ في ميادين هي بلداننا، فنحن نموت مردّدين شعارات الموت للآخرين بأننا الأفضل والأروع، ونحقق الانتصارات في أحلام اليقظة، بينما هم يطورون أدواتهم للحفاظ على مصالحهم.
وانظر لجهلنا حين نظن أن دولة كألمانيا تجتذب إليها ملايين المهاجرين، نعم تجتذبهم لأنهم قوة عمل شابة، نحن نخسرهم وهم يحصلون عليهم جاهزين وبالمجان، وانظر إلى بلد آخر مساحته أكبر من أمريكا، هي كندا، تعمل على أن تملأ المساحة الهائلة بهاربين من جحيم أوطانهم، وانظر كيف تعاملهم وبالقانون، تعدّهم سريعًا للاندماج وتستفيد منهم. وانظر أيضًا بعد الحرب هنا كم بقي لديك من الكفاءات التي خسرتها؟ ذهبوا ووجدوا الحضن الدافئ ومن يحترمهم كبشر ويهيئ لهم الإمكانات للإبداع. كيف سنواجه حرب المناخ؟ هنا تسأل الذرة، فلا يسمعها الفيل لفارق المسافة بين رأسها وخرطومه! للأسف لم نسأل أنفسنا يومًا: كيف وصلوا؟
نحن مشغولون بإدخالهم إلى النار، وهم مشغولون، كما قالت تلك الرسالة عن الوطن -أنزلتها في صفحتي- بالإنجاز. لا يحبون أحدًا ولا يكرهوا أحدًا، يتعاملون على قاعدة المصلحة. هل ندري أين تكمن مصلحتنا؟ كيف سنواجههم؟ الشعارات والدعاء لن يؤديا إلّا إلى مزيد من الجهل والتخلف.
ما لم نسيّد العلم ونغير مناهجنا في اتجاه التكنولوجيا وعلوم الفضاء، فسنظل نصرخ إلى يوم الدين. العرب أمام خيارين: إما وإما، واليمنيين عليهم أن يتوقفوا عن قتل بعضهم، وبعدها لكل حادث حديث.
بقي السؤال الأهم: هل سألنا أنفسنا يومًا: كيف وصلوا؟ سيظل السؤال معلقًا حتى نسأل.