رواية "امرأة وحربان"، للكاتبة إنصاف حمود أبو راس، إنصافٌ حقيقيٌّ للمرأة؛ لليمن من الحربين: الداخلية، والخارجية، ضد المرأة: نور – اليمن.
بطلة الرواية: "نور" الساردة بضمير المتكلم تارة، وبالغائب مرات، ابنة عامل فقير أحبَّ ابنة عمه (سيد عمله) الغني، وأحبته المرأة. تعاشقَا، وتزوّجا ضدّ إرادة أسرتها، وأنجبا ابنهما أحمد، وابنتهما نور.
نضبت مياه الحب بين الزوجين، فانفصلا. تزوّجت الأم من موظف بالخارجية، قنصلًا بلبنان. اتُّهم بالخيانة في الصراع. عكف الأب على احتضان ولديه. بعد موت الأب أصبح أحمد الذي يكبر نور بأربعة أعوام الأب والأم لنور.
نور الطالبة الجامعية مغرمة بالقراءة. انعزالية، تكبر بصورة مدهشة. بطلا الرواية: نور، وأدهم، تعارفَا أثناء الدراسة في الكلية. تشاركا في فعالية أقامتها الكلية. لم يتحدثا معًا في البداية؛ فهي مشغولة بالدرس، وهو يجلس صامتًا. كانت معجبة به، لتقارب تفكيرهما؛ فهي تقدّس القراءة والكتاب.
بدَأَا يتبادلانِ الكتب. لم يفترقا بعد التعارف. قرأَا معًا، وتناقشا، وأسَّسا مكتبةً في تعز. نزح مع عائلته من تعز إلى صنعاء، وهي أيضًا. ساعدها في استئجار مكانٍ لمكتبتها.
مواقفه دومًا معها، وهي مدينةٌ له بالكثير. عندما فاتحها أخوها أحمد بوجود خطيب، رفضت بحُجّة الاهتمام به أولًا. كان أدهم صديقًا لأخيها، ورغم الرفض ظلَّ أدهم العشيق المستمرّ والمستتر؛ فهو المعشوق الأول.
أدهم الولد الأكبر بين أشقائه. مدرِّس في إحدى مدارس تعز. في فترة السبعينيات اعتُقل لعامين. زوجته ابنة أحد أبرز رجال الدين، وهي متدينة، محافظة، ومعتدلة. ترفض أسرتها أفكارها.
أبو أدهم (عبدالحق) فاسق في نظر الآخرين. تزوّج أدهم زواجًا تقليديًّا. زوجته جميلة، ولكنها بعيدة عن تفكيره. طفله الأول أشرف، والبنت وردة باسم والدته. واجه عنتًا كبيرًا من خلال كتابته في الصحافة، والتعامل السيئ مع مقالاته الناقدة للفساد، والمجرِّمة للمفسدين. عمل في صحيفة "مجرد رأي". واصل الكتابة رغم التهديد؛ فهو يعتقد أنّ الخوف هو القاتل، وأنّ في الجرأة حماية؛ فجبابرة اللصوص يهزمهم الأطفال- بحسب إبداع الزبيري. ورئيس التحرير رشاد، مثقفٌ، واسع الاطلاع، ومعادٍ للفساد، والطغاة، وبعد صراعٍ مع الاستبداد جرى إيقاف الصحيفة.
أمّا البطلة نور، فهي ابنة عامل بسيط من أسرة تعزية. أبوها يشتغل في شركات خاصة، ويعيش حسب إمكانياته. أمّا الأم، فهي من أسرة ثرية تحبّ الرفاهية، عاشت في بحبوبة من العيش مع أسرتها.
اعترفت نور لزميلٍ لها في الكلية بالحبّ. متمرّدة، وداخلها متمرِّدة أقوى. يدور حوار داخلها بين نور، ونور، وكثيرًا ما تنزل على حكم المتمردة داخلها.
عملت نور في شركة خاصة براتب كبير. تزوّجت من رجل الأعمال- التاجر الكبير الذي تتحدث عنه كل وسائل الإعلام. أقام دارًا للأيتام. قُتِل مع كثيرين في القصف. قُصفت داره، ودُمِّرت، وأذاعت "قناة الجزيرة" بوجود أسلحة فيها.
نور هي المرأة التي عنتها العنونة: "امرأة وحربان". والحربان ما شهدته، وتشهده اليمن. قُصِف متجر زوجها- رجل الأعمال، ورجل الخير الذي يقيم دارًا للأيتام. حافظت زوجته على الدار، ونقلتها إلى صنعاء، وتوسَّعت فيها.
الحربان هي: الحرب الأهلية بين الإخوة الأعداء والتي تخوضها الميليشيات الكاثرة، والحرب الإقليمية التي يلعب فيها القصف السعودي- الإماراتي دور الكارثة.
وهناك شخصية هديل- الطفلة المسكونة بالـ"جِنِّيّ"، كما يقول الشيخ محمد، أو المتّصلة بالأرواح حسب اعتقادات شعبية. والطفلة المبروكة اجتذبتها نور من أسرتها الفقيرة. رفضت هديل المجيء معها إلى دار الأيتام، إلا بعد بِناء منزلٍ لأسرتها، وتوظيف والدها، وكان لها ذلك.
تلاحظ نور شيئًا من الغموض في مسلك هديل عندما تتحدث بكلام لا تفهمه، وعندما سمعتها غدير- مديرة الدار تتخاطب مع الأرواح- اعتقدت أنّها مسكونة، وفاتحت نور بذلك، وهي في حالة من التوجُّس والخوف، طالبةً منها نقلها إلى الشيخ محمد؛ لإخراج "الجِنّي"، وتحصينها؛ فطاوعتها نور بعد تشكّكك؛ إذ لم تكن نور تؤمن بخرافة الجنّ، ثم تبيّن لها صلة هديل بالأرواح؛ فقد أخبرتْ نور بلحظة وفاة أمّها في لبنان، وبوجود رسالة في مكان محدّد في منزلهم بتعز من والدها إلى أمها يعتذر عن أخطائه، كما أخبرتها بأنّ ابن الحاج عبدالله لم يُقتَل، في حين أنّ أباه وأهل قريته يعتقدون قتله، وقد تبنّت نور صحة ما قالته لها.
ماتت هديل الطفلة المتصلة بالأرواح. وهناك الحاج عبدالله من قرية من الريف، يكدح كمزارع لدى ملّاك الأراضي، مهتمًّا بتعليم ابنه محمد. التحق ابنه الوحيد محمد بالمقاتلين، وأشيع أو أُبلغ أبوه بقتله، وتبيّن لاحقًا وجوده حيًّا في جبهات القتال.
الحاجّ عبدالله هو من أسعف أدهم إلى المستشفى بعد أن هرب من أيدي مختطفيه، واختبأ في كهف بعد أن عجز عن مواصلة السير بسبب الرصاصة التي أطلقها على قدمه زعيمُ الخاطفين، وظل الحاج عبدالله يتردّد على المستشفى حتى إفاقته من الإغماء، وانتقل الحاج مع أدهم إلى صنعاء، ليُستضاف، ويعمل كمعلم للأطفال.
وهناك شخصيات ثانوية: الضابط الثوري، ماهر، من أسرة كبيرة محافظة، يخطط لعمل ثوريّ ضدّ العصابات الإجرامية، يقوم بنقل أدهم إلى صنعاء بسيارة إسعاف، ويصطحب معه العم عبدالله، والطبيب، ويتحرك إلى حَجّة مع أدهم، وشخص من أبناء المنطقة. يلتقون بابن الحاج عبدالله في وقت لاحق، ويتأكدون من عدم مقتله. يفضل ابن الحاج عبدالله البقاءَ في الجبهة، فيعودون إلى صنعاء، ويتفقون على عدم إخبار الحاج عبدالله بأنً محمدًا لم يقتل.
وهناك الطبيب الذي يطلق عليه "ع" الصامت، وهو من أسرة فقيرة، أحب ابنة الأسرة الثرية التي عمل لديها، وبعد التخرّج طلب يد ابنتهم التي تحبه، فرفضوا؛ فأُصيب بالإحباط. وهو طبيب جراح، وصديق حميم لماهر الذي اهتمّ بعلاجه، وإخراجه من الأزمة النفسية.
الحرب هي متن الرواية الرائعة، كما أنّ نور وعشيقها أدهم الذي تسميه طائر العنقاء، السردية الأساس التي تُسطِّر تفاصيل الرواية.
تكنيك الرواية مائز، ويقوم السرد بالمزاوجة بين الضميرين: الغائب، والمتكلم، وبالمونولوج، والديالوج. الجملة فيها متقنة؛ مقتضبة، ودقيقة.
تفاصيل الحرب وتفاصيل أضرارها تحتاج إلى قراءة، وكذلك سيرة الساردة التي تدلّ روايتها على تمكُّن ومهارة وخبرة.