أن يظل لدينا موقعٌ كهذا الذي لم يرقني اسمه كثيرًا، لكنه عمليًّا قد تواجد كما ينبغي، وحيث تجد رفقتك من الكتاب في موقع إلكتروني معني بالمعرفة والثقافة ومقاربات التفكير الحر، ومن عاصمة ما من صحيفة تصدر فيها بعد.
للحرب مرافعتها التقليدية الصارمة واليقينية بشأن الحريات. يبقى كل شيء مؤجّلًا إلى ما بعد الحرب، غير أن "خيوط" هذا، هو شكل من مرافعة ذهنية ضد الحرب. وكونه يدار من صنعاء، فهذا باعث على التفاؤل الحذر، وإمكانية التملص والمغافلة بمساحة حرية مسروقة من زمن الحرب والصوت الواحد.
لا أدري كيف أخبرهم أن "خيوط" وحده لا يكفي، وأن الصحافة ليست فحسب، مجرد حريات تتهدد تماسك الجبهة الداخلية، وأنه حتى أثناء الحرب يجدر بالسلطات التخلي عن هذه الفوبيا، وعن استراتيجية الصوت الواحد.
تتملّى واجهة كشك كان يعرض كل الصحف التي كتبت فيها، وتشعر أنك كنت هنا تتنقل بين الأدراج، وأنت عمود صحفي في أخيرة صحيفة، ولقد جربنا أيامها أنماط الحريات وكنا جيدين، ووقعنا في جملة أخطاء ولم نتوخَّ الحذر بشأن سلامة الدولة، لكن مؤخرًا تتملى مطبوعات الصوت الواحد، صحف ومجلات تتداولونها أنتم وحدكم وهي قد صدرت عنكم، فما الذي قد يترتب على هذا؟ أي معركة إعلامية هذه ومع من ولأجل ماذا؟
حسنًا، الفضاء الآن مكتظ بالمثاقفة الإلكترونية، ولقد منح الإنترنت ملاذًا من قمع السلطات، وفرصة للحمقى أيضًا.
يأخذ هذا الموقع شكل لقاء بين أصدقاء الثانوية، "خيوط" الذي أسّسه ويديره مجموعة الرفقة القديمة من أيام الصحف الورقية، وهذا يجعل التواجد هنا أشبه بإنعاش الذاكرة، والتأكد من أننا لا نزال نملك صنعاء. يحيل هذا الاستدعاء الحميم والكتابة عن الرفقة وحفلة الأصدقاء القدامى، على مقاربة فكرة ملحة الآن، وهي انتقال الصحافة والنشر من صفحات الورق الأملس ورائحته، إلى الفضاء الإلكتروني، وكأنك تكتب على الماء أو تتحدث لاحتمالات لا منتهية؛ تقول ما لديك وتمضي، دون أن تمتلك تلك الحالة من التواصل المسبق بقراء محددين تعرف مزاجهم وتطلباتهم، وتحاول أو لا تحاول تلبية التوقعات. أظنني هنا كمن انتقل لبيت جديد أثّثه رفاق قدامى. ليس آمنًا تمامًا، لكنه يمنح جهة نطل منها، ليس على من نعرف مسبقًا، لكنه فرصة لتبادل المعرفة عبر الشبكة، في زمن يكاد فيه الجهل أن يكون إلكترونيًّا هو الآخر.