في أواخر عام 2020، وتزامنًا مع آخر فترة حكم للرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب)، تم تصنيف أنصار الله (الحوثيين) "جماعة إرهابية أجنبية" في إعلان واضح ومُعادٍ لإيران، وفي انتقاد واضح لسياسة (أوباما) السابقة في المضي قُدمًا لإبرام الاتفاق النووي مع إيران، ليأتي بعد ذلك الرئيس الأمريكي (بايدن) ليسجل موقفًا مغايرًا لما قام به سلفه –دونالد ترامب- في تعبير واضح وصريح بعدم الارتياح والاعتراض الكامل عمّا أحدثه من سياسة تجاه المنطقة، فأزال أنصار الله من التصنيف في يوم 16 فبراير من عام 2021، وسمَّى مبعوثًا لتفعيل الحل السياسي في اليمن بمشاركة الحوثيين!
يعود الحديث مجدّدًا بإدراج الحوثيين (أنصار الله) على قائمة الإرهاب في صباح يوم 17 كانون الثاني/ يناير من هذا العام -في رد فعل لما أحدثوه من توترات أمنية للملاحة البحرية في البحر الأحمر- ضمن توصيفهم "كيانًا أو جماعة إرهابية عالمية" مصنفة تصنيفًا خاصًّا، يجري البدء في تنفيذ هذا التصنيف بعد مرور 30 يومًا من صدوره.
يقضي هذا التصنيف المخصص، بفرض مجموعة من العقوبات على أنصار الله (الحوثيين)، منها: تجميد أرصدتهم المالية في البنوك الأمريكية، بالإضافة إلى زيادة التشديد والعقوبات لمن يتعامل معهم، ليأتي رد الجماعة تعقيبًا على إعادة التصنيف بأنه لا يشكّل فارقًا كبيرًا بالنسبة لهما، بل وليس واردًا أن يتم التعاطي معه داخليًّا باعتباره تهديدًا، ويُرجِع محللون ذلك بكونه ليس القرار الأول الذي استطاع الحوثيون من التحرك تحت طائلتها باعتبارها عقوبة، فقد سبقها قبل ذلك عقوبات على نحو: فرض حصار اقتصادي سابق وغيره، فضلًا عن أنها لا تمتلك أي أرصدة مالية لدى البنوك الأمريكية؛ كما تقول الجماعة.
يريد أنصار الله (الحوثيون) من هذا الرد، إظهار القدر الكامل من الاعتيادية واللامبالاة في إعادة التصنيف مجددًا، وأنهم لا يكترثون إطلاقًا بأي ردة فعل دولية، بل ربما تمضي الإشارات إلى ما هو أبعد من ذلك، فقد يستوعبون كل ردود الأفعال الدولية بمثابة التشجيع غير المباشر والمحفز لتواجدهم في البحر الأحمر، ومن ثمّ يقودهم إلى مزيد من التصعيد والعناد في إيمان وقناعة ذاتية بأنهم على الطريق الصحيح ما داموا يحشدون الكثير من التأييد الشعبي العربي والمحلي مجددًا.
وفي حقيقة الأمر قد لا يتضرر أنصار الله كثيرًا من إعادة التصنيف –جماعةً وقيادات– ولكن على مستوى الجماهير اليمنية، وما تعانيه اليوم من الوضع الإنساني الذي أصبح كارثيًّا وفي مختلف المحافظات، قد يتسبب هذا التصعيد في منع وصول المساعدات الإنسانية إلى الداخل، ومن ثمّ التسبب في إطالة أمد الأزمة اليمنية المؤدية إلى أضرار كارثية من: تفاقم الجوع، وارتفاع نسبة الفقر، وتدني مستوى الخدمات الصحية التي لا يدفع ثمنها سوى العامة من الناس.
التخبط الواضح الذي تنتهجه السياسة الأمريكية في المنطقة وتفضيلها الدائم لمصالحها فقط، يظهر هذا، وبشكل واضح، في تقاربها مع إيران، والمضي نحو إبرام الاتفاق النووي، ومن ثم الانسحاب منه، لتتم المعاودة مجددًا في الحديث عن الاتفاق مرة أخرى. ليس بهذا القدر فقط، بل تكتفي السياسة الأمريكية بوضعية المتفرج دون التدخل في كثير من الأحيان، مثلما يحدث تمامًا حين يتم الإضرار بمصالح الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) من قبل أنصار الله، في حادثة قصف مجموعة من المرافق الاقتصادية والمدنية للمملكة العربية السعودية الشهيرة بحادثة أبراج أرامكو.
أتاح هذا الغياب والتذبذب الواضح في الدفاع عن أمن المنطقة، للكثير من الأطراف التغلغلَ والتواجد في عمقها، إضافة إلى إثبات قدرتها على تغيير موازين القوى ومد النفوذ كإيران -على سبيل الذكر- وأذرعها الممتدة، بدءًا من العراق، ومرورًا بلبنان وسوريا، وانتهاء باليمن.
في حين أنه على الوجه المغاير الآخر تسارع الولايات المتحدة في استخدام سياستها وأدواتها المختلفة في محاولة لردع أنصار الله (الحوثيين)، وحصر تدخلاتهم وسيطرتهم على البحر الأحمر لحماية المصالح الأمريكية، تنتهج مجددًا سياسة العصا والجزرة بعد أن أثبتت فشلها سابقًا.
يعلم أنصار الله (الحوثيون) جيدًا أنهم جماعة مسلحة (ميليشيا) لا تمتلك أي جذور سلمية وقانونية، فلم يتمكنوا من التواجد بهذا القدر من الظهور والقوة سوى في فترة الحرب والفوضى السياسية التي أصابت الساحة اليمنية منذ 2011، ولا يرقى تصنيفهم إلى مصطلح دولة بل يتم وصفهم بالجماعة المسلحة، وإن كانت فاعلة ومؤثرة.
لمناصرة القضية الفلسطينية أم فرصة ثمينة لتحقيق مزيد من المكاسب؟!
من مصلحة إيران التواجد والتمدد في المنطقة، وهذا من شأنه تعزيز نفوذها السياسي، ويساهم مساهمة كبيرة في تقوية مشروعها النووي، بل ويكسبها مكاسب وقوة اقتصادية كبيرة. تستند السياسة الخارجية الإيرانية إلى تصدير فلسفة الثورة الإسلامية إيمانًا منها بأنها يجب أن تتحصل على المكانة التي تليق بها وبقيمتها المنفردة، ولا يمكنها تحقيق هذه المكانة إلَّا عن طريق التمدد وبسط نفوذ الأذرع في المنطقة بشكل تضمن عن طريقه الانتشار والتأثير.
ينتهج أنصار الله (الحوثيون) شكلًا من أشكال العلاقات البرجماتية التبادلية مع إيران، بالشكل الذي يضمن لكلا الطرفين مصالحهم. ويسعون إلى استمرارية التواجد على الساحة اليمنية والظهور بالمظهر المؤثر والقوي سعيًا لتحقيق المزيد من المكاسب وتعزيز ترأسهم لسلطة صنعاء. وهذا ما تقدمه إيران لهم على صورة دعم عسكري ودبلوماسي وتكنولوجي تأهيلي في استخدام الأسلحة وتطويرها مقابل أن يحققوا مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تلبي الإيراني في المنطقة.
يعلم أنصار الله (الحوثيون) جيدًا أنهم ميليشيا -جماعة مسلحة لا تمتلك أي جذور سلمية وقانونية- ولم يتمكنوا من التواجد بهذا القدر من الظهور والقوة سوى في فترة الحرب والفوضى السياسية التي أصابت الساحة اليمنية منذ 2011، ولا يرقى تصنيفهم إلى مصطلح دولة بل يتم وصفهم بالجماعة المسلحة، وإن كانت فاعلة ومؤثرة. كل هذا من شأنه أن يدفعهم إلى مزيد من الظهور والبحث عن انتصارات واعترافات جماهيرية تتيح لهم القبول في أوساط وجماهير الشارعين المحلي والعربي، وهذا ما قد حدث بالفعل؛ فقد استطاعوا كسب التأييد المحلي والعربي نتيجة لرفعهم شعارات مدافعة عن القضية الفلسطينية –الحجة التاريخية قديمة الأزل– وتزداد شعبيتهم ويحصدون الكثير من التأييد بشكل خاص، في ظل تخاذل الدول العربية، وعدم الالتفاف الحقيقي والمناصر للقضية الفلسطينية.
تجنيد الأطفال، الجوع، الفقر، الجهل، المناهج التعليمية القائمة على أساس الحشد المذهبي والطائفي –العنف الممارس في حق النساء والصحفيين والناشطين– السجون الممتلئة بالمساجين دون أي وجه قانوني، كلها اتهامات واضحة وصريحة توجه لأنصار الله وتدينهم، كل هذه المشاكل الداخلية من شأنها أن تدفعهم نحو البحث عن مزيد من الانتصارات الخارجية التي تكون بمثابة صرف النظر عما يحدث بالداخل والالتفاف مجددًا نحوهم بالقدر الذي يشبع حاجتهم إلى الشرعية الجماهيرية.