في الآونة الأخيرة تتصاعد الحرب من حول مارب، المدينة التاريخية وعاصمة سبأ، وتتسع الحرب إلى تعز العاصمة الثقافية ومناطق أخرى، والسؤال الحارق: هل يستمر التصعيد؟ وهل يتسع إلى أكثر مما هو قائم؟ وهل ما تزال الأطراف كلها أو بعضها تراهن على الحسم العسكري بعد أن أكدت حرب الستة الأعوام صعوبته إن لم تكن استحالته؟
حرب الأعوام الستة أنهكت كل الأطراف، وكان الضحية هو الشعب اليمني المتضرر بالحرب تقتيلًا وتجويعًا وتشريدًا، والذي تفتك به الأوبئة الفتاكة، بما فيها الكورونا وأوبئة أخرى غير معروفة.
المستفيدون من الحرب لا يشبعون، وخسائر الممولين كبيرة، وبدأت حرائقها تصل إليهم. الصراع -في جوهره وأساسه- صراع على السلطة والمال وعلى التفرد بهما، أو على الأقل على الغلبة التي يريد كل طرف أن تكون له.
القبلية والعشائرية والجهوية والسلالية حاضرة وقوية وممتدة لآماد متطاولة، وتوظف في الصراعات الكالحة، وهي عائدة إلى عصور ما قبل الوطنية والدولة. الصراع الإقليمي والدولي هو الآخر يدخل على الخط، ويوظف هذه الصراعات لغاياته ومصالحه.
أطراف الصراع الأهلي كاثرة منذ البدء، وتتزايد أطرافها والانقسامات والتصدع داخلها، وتشهد التزايد يوميًّا ليصبح "صراع الكل ضد الكل"، كما أن الأطراف الإقليمية والدولية كثيرة أيضًا؛ وهو ما يعقد الصراع المرتبط بالمصالح الدولية.
عناد كل الأطراف، وكثرة المستفيدين من الحرب، وضعف الإرادة الشعبية الرافضة للحرب، وتحول الصراع إلى صراع إقليمي ودولي وارتهانه لصراعات المنطقة: الإيراني- السعودي الإماراتي، وبالصراع في العراق وسوريا ولبنان وأبعد من ذلك. كل ذلك يباعد أو يقلل من احتمالات السلام، ويفتح الأبواب أمام إطالة أمد الصراع، خصوصًا في ظل غياب المقاومة الشعبية السلمية ضد الحرب وزبانيتها ودعاتها. احتمالات استمرار الحرب كثيرة، وأهمها عدم قبول كل طرف بالآخر؛ فالانتقالي لا يقبل بالشرعية، والعكس صحيح، وأنصار الله (الحوثيون) لا يقبلون بهما، وهما لا يقبلان به، ولا تزال أوهام الانتصار، هنا أو هناك كإمكانية لفتح الباب للانتصار، أو ترجيح الكفة في الصراع، والمعارك الأخيرة في مارب وتعز، ليست بالبعيدة عن هذا التوقع.
المبادرة السعودية خطوة مهمة ولكن لا تكفي، وتكمن أهميتها -رغم المآخذ الكاثرة عليها- في أنها تعبر بصورة ما عن فشل الحسم العسكري، وتعترف بالحل السياسي، والأمر المهم أن تنخرط السعودية في التحاور والتفاوض كطرف في الحرب، وليس مجرد راعٍ لعملية السلام
الاحتمال الثاني: أن يستعصي الحل، وتتمسك الأطراف بمواقفها، وتقوم الأطراف الدولية: أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وهم أطراف في الحرب، بإيجاد حل سياسي للصراع الإقليمي الدولي، وتحديدًا بين أمريكا وإيران، وبين إيران والسعودية، وهنا "تُيمنن" الحرب، وهذا أخطر الاحتمالات، وليس بالمستبعد.
هناك ترابط في الصراع الأهلي والإقليمي والدولي، بحيث يصعب الحل داخل اليمن بدون الحضور الإقليمي والدولي أو مباركته، بينما يمكن إبرام صفقة في المستوى الإقليمي والدولي بدون اليمن، ولكنه لن يحل المشكلة وسيعقدها أكثر.
الاحتمال الثالث: أن يتم التنسيق والتوافق في المستويات الثلاثة: الأهلي بكل تفرعاته الجهوية والقبلية والحزبية، وحضور ممثلي المجتمع المدني، وبالأخص المرأة والشباب، وأطراف الصراع الإقليمي: السعودية، والإمارات، وإيران، ومن ثم الدول الكبرى، وبالأخص أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، كأطراف في الحرب.
المبادرة السعودية خطوة مهمة ولكن لا تكفي، وتكمن أهميتها -رغم المآخذ الكاثرة عليها- في أنها تعبر بصورة ما عن فشل الحسم العسكري، وتعترف بالحل السياسي، والأمر المهم أن تنخرط السعودية في التحاور والتفاوض كطرف في الحرب، وليس مجرد راعٍ لعملية السلام؛ فهي مع أطراف التحالف الآخرين وإيران، أطراف في الحرب، وهم أيضًا طرف أساس في الحل السياسي؛ إذ لا يمكن الحل في اليمن شمالًا وجنوبًا بدون الأطراف الإقليمية الوارطة في الصراع، ولا غنى أيضًا عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وبالأخص الدول الكبرى.
مهم أيضًا أن يدرك الجميع أن الحصار الشامل: البري، والبحري، والجوي، ومنع وصول البضائع (المواد الغذائية)، والأدوية، والمشتقات النفطية -يضر بالشعب اليمني وبملايين الناس، أكثر مما يضر بأنصار الله (الحوثيين)، وأن تجويع الملايين جريمة حرب وضد الإنسانية.
يلاحظ خلال حرب الستة الأعوام أن أطرافها يتنافسون على التنكيل بالشعب، وكل طرف يرى في هذه الحرب وسيلته لتثوير الناس ضد الطرف الآخر.
القضية الأساس، والتي ينبغي أن تكون محل توافق، هي وقف الحرب تزامنًا وتوافقًا مع رفع الحصار الجائر؛ لأنه جريمة تطال حياة الملايين، ووقف الحرب لا بد أن يشمل أطرافها الأهلية والإقليمية والدولية الضالعة في الحرب. وقف الحرب بادرة حسنة، ولكن الإعلان عنه لا بد أن يتضمن كل ما يترتب عليه، كوقف المعاناة الكارثية الآتية من الحصار الداخلي والخارجي، ومنع تدفق السلاح، والدخول في تفاوض مباشر يشارك فيه ألوان الطيف المجتمعي المدني والأهلي في عموم اليمن، شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا، وقبل ذلك وبعده، رفع اليمن من تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.