ما لم تختلف عليه أطراف الحرب

حين يكون المواطن ضحية الجميع
عمار حسن
July 22, 2024

ما لم تختلف عليه أطراف الحرب

حين يكون المواطن ضحية الجميع
عمار حسن
July 22, 2024
.

تباينت أطراف الحرب في أغراضها وغاياتها، وتقاطعت- جميعها- في معاناة المواطن وتنغيص عيشِه؛ يتآكل هامش الحياة اليمنية، وتُطْبِق المعاناةُ على الإنسان اليمني كلما تقادمت الحرب، حتى أجهزت على بديهيات العيش وأدناها.

فمن غلاء الأسعار، إلى ندرة مياه الشرب ومشاقها، مرورًا بالانقطاع التام للكهرباء العامة، إلى شحة فرص العمل، إلى قطع الطرقات العامة وحصار المدن وعواصم المحافظات، إلى التضييق على حريات السفر والتنقلات، والاعتقالات غير القانونية وغيرها الكثير من يوميات البؤس. 

ومن حلقات الخنق وأضيقها، هي قطع الاتصالات على مناطق غرب تعز، ففي 3 من فبراير/ شباط 2024م، استهدف الطيران الأمريكي/ البريطاني (المعروف بتحالف حارس الازدهار) الأبراجَ الرئيسية لشركة الاتصالات الخلوية YOU في منطقة الأقحوز- مديرية مقبنة - محافظة تعز، التي تغذِّي مناطق الساحل التعزي بأكملها، وذلك في إطار الرد على عمليات جماعة أنصار الله (الحوثيين) في البحر الأحمر، المرتبطة بالأحداث الجارية في قطاع غزة.                 

أدى ذلك إلى قطع الاتصالات عن الكثير من مناطق مديرية مقبنة، والأرياف الشمالية والشرقية لمديرية المخا، والأرياف الشمالية لمديرية موزع، وعزلها عن التواصل تمامًا، لا سيما أن شركة YOU تكاد تكون الشبكة الوحيدة التي تغطي هذه المناطق وتصلها بالعالم بعد أن تراجعت تغطية شركة سبأفون للهاتف الخلوي ابتداءً من 2011م، حتى تم قطعها بشكل شبه كلي عن المنطقة. 

هذه الاستهداف صار شكلاً من أشكال الحصار، وضاعف من أعباء الحياة اليومية لسكان الأرياف المذكورة، وخلق حالات إنسانية صعبة. 

بعد أن طال انتظاره للحوالة، ظن أن جواله قد تعطل عن العمل، وذهب به إلى أحد مهندسي الجوالات ، لكنه تفاجأ بالمهندس يخبره أن الخلل ليس في جواله، وإنما في الشبكة التي تم قطعها بقصف الطيران وتوقُّف الخدمة عن المنطقة، ليعود خاوي الوفاض إلى ابنه المريض.

يقول المغترب إيلافي الخداش (27 سنة): وضَعتْ زوجتي -قبل انقطاع الشبكة بأيام- مولودتنا البكر، وكانت الدنيا لا تسعني من الفرحة، وكنت آنسُ بسماع صوت طفلتي عندما أتصل بزوجتي، وأطلب منها أن تجعل طفلتي "وتين" تصدر أي صوت لأسمعها وتنشرح نفسي، وأطلب منها أن تبعث لي صورًا ومقاطع فيديو لطفلتنا وهي تلعب، كانت هذه الاتصالات والرسائل تمثل لي حافزاً للعمل، وأُنسًا في غربتي.. لكن بعد أن عُزلت المنطقة عن الاتصال -جراء ذلك القصف- انتابني القلق على زوجتي وابنتي، لاسيما بعد أن علِمت أن ابنتي أصيبت بأنفلونزا وبائية في يومها الخامس عشر، حتى أصابني الاكتئاب والإحباط، وفترتْ همتي عن العمل، ولا أعرف كيف سأعمل وأنا في هذا الحال من الغربة والانقطاع التام.

يستطرد إيلافي: ناشدنا جميع المعنيين، وشركة الاتصالات YOU بإعادة الخدمة إلى المنطقة، لكن لا أحد استجاب لنا، وها نحن على حالنا قلقون للغاية، ونفكر كل يوم بترك أعمالنا والعودة من الغربة لنتجنب هذا الحال من القلق والاكتئاب!

أسعف المواطن محمد أحمد (50 سنة)، أحد أبنائه إلى إحدى العيادات في منطقة النجيبة، وكان على موعد مع حوالة مالية يعالج بها ابنه المريض، لم يكن يعرف أن الشبكة قد استُهدفت وانقطع الاتصال عن المنطقة بأكملها، وبعد أن طال انتظاره للحوالة، ظن أن جواله قد تعطل عن العمل، وذهب به إلى أحد مهندسي الجوالات يرجوه أن يُصلِح له الجوال بشكل سريع، لكنه تفاجأ بمهندس الجوالات يخبره أن الخلل ليس في جواله، وإنما في الشبكة التي تم قطعها بقصف الطيران وتوقُّف الخدمة عن المنطقة، ليعود خاوي الوفاض إلى ابنه المريض. 

إثر هذه المعاناة اليومية للمواطنين، دشن ناشطون (وفي مقدمتهم المغتربون) حملات مناشدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتواصل المباشر بالمعنيين في المنطقة، والتواصل بشركة الاتصالات YOU لإعادة الخدمة إلى المنطقة، وعندما وجدوا وعودًا وتجاوبًا، وتفاءلوا بعودة الخدمة اصطدموا بخبر مفاده: منع شركة الاتصالات YOU من إدخال المعدات اللازمة لإعادة الخدمة في منطقة الكدحة التابعة لمديرية المعافر- محافظة تعز، الخاضعة لسيطرة قوات الساحل الغربي، دون إبداء أي أسباب أو مبررات للمواطنين، أو الرأي العام- سواء من سلطات الساحل، أو من شركة الاتصالات YOU.

هذا المنع يعود ليذكر المواطنين والرأي العام بقرار مشابه في 27 مايو/ أيَّار 2022م، عندما منعت سلطات الساحل شركة "يمن موبايل" من تركيب المعدات اللازمة لتشغيل خدمة الجيل الرابع (4G) في المنطقة، وقامت بحجز المعدات، وطاقم العمل (من المهندسين) لمدة ثلاثة أيام، قبل أن تطلق سراحهم، ويتم تحويل الخدمة إلى منطقة التربة في مديرية الشمايتين- محافظة تعز، وبدون ذكر أسباب أو مبررات أيضًا، إلا ما تم تداوله -حينها- أن منع إدخال هذه الخدمة للمنطقة كان لدواعٍ أمنية رأتها سلطات الساحل.

وهنا يعود التساؤل الذي بدأنا به، وهو: كيف اتفقت أطراف الحرب -على تباينها- على معاناة المواطن، وحصار عيشِه؟!

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English