يعيش الصحفيون في اليمن حالات من القلق الدائم، وشعور بالخوف وانعدام الأمان، لا لشيء إلا لأنهم اختاروا مزاولة هذه المهنة. فخلال سبع سنوات من الحرب، تعرض كثير من الصحفيين للقتل والتعذيب، ولانتهاكات مختلفة من قبل أطراف النزاع المسيطرة على البلد، لتصبح مهنة الصحافة التي عرفها العالم كعملية نقل للرسالة والحدث، نقطة موت للصحفي اليمني، إذ تصادر منه حرية العمل وقد تزج به خلف القضبان لسنوات طويلة، وفي أسوأ الأحوال تودي بحياته.
سلطان، هو شقيق الصحفي يونس عبدالسلام الذي اعتقلته سلطات أنصار الله (الحوثيين) في 4 أغسطس/ آب الماضي (2021). يقول سلطان لـ"خيوط": "خرج يونس كعادته كل يوم، لكنه لم يعد، وفي ليلة اعتقاله قاموا بفتح هاتفه وإرسال رسائل لكثير من أقاربه وصديقاته"، دون أن يحدد محتوى تلك الرسائل.
ويضيف سلطان أنهم ظلوا فترة لا يعرفون مكان احتجاز يونس، وأن جماعة أنصار الله (الحوثيين) كانوا يفتحون هاتفه وصفحته على "فيسبوك" يوميًّا لبضع دقائق، وفي أحد الأيام تم الرد على سلطان برسالة محتواها: "لا تقلقوا أنا أشتغل قريب منكم". يقول سلطان إنه اتصل على "رقم الشكاوى"، لكن الذي ردّ عليه "راوغ ورفض الاعتراف بأنهم احتجزوا يونس"، وأنه عندما تمكنت الأسرة من الوصول إلى يونس وتعيين محامٍ له، رفضت السلطات التي تحتجزه التصريح بالتهمة الموجهة له.
طه صالح، صحفي وناشط اجتماعي قال لـ"خيوط"، إنه تعرض خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي 2021، لتهديد بالقتل بسبب ممارسته لعمله الصحفي. واتهم طه سلطات تعز التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا بالوقوف وراء التهديد الذي تلقاه، مشيرًا إلى أن الصحفيين "هم الفئة الأضعف الذين يدفعون تكاليف الحرب"، وأن "كل الأطراف المشاركة في الحرب مركزة على الصحفيين، وتقمع حرية الرأي، ما جعل العمل الصحفي يعمل في حقل ألغام".
وجاء في منشور كتبه أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين، محمد شبيطة، في صفحته على "فيسبوك" يوم الأحد 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أن نقابة الصحفيين تلقت بلاغًا من الصحفي مفيد الغيلاني، يبين فيه تعرضه للاعتداء من قبل مسلحين في منطقة "باب موسى" بمدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا. وأضاف أن الغيلاني ذكر في بلاغه للنقابة، أنه أبلغ الشرطة في المدينة، لكنهم لم يتخذوا أي إجراء للقبض على الجناة.
لا يزال هشام يتذكر ليلة نقله مع زملائه الصحفيين إلى سجن "هبرة"، حيث قال إنهم واجهوا "أشد أنواع التعذيب والتعاملات القاسية"، ما اضطرهم للإضراب عن الطعام احتجاجًا على قسوة التعذيب.
تعذيب وابتزاز
يروي الصحفي المفرج عنه في عملية التبادل التي رعتها الأمم المتحدة في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2020، هشام طرموم (33 سنة)، قصة اعتقاله في العاصمة صنعاء من قبل سلطات أنصار الله (الحوثيين) في يونيو/ حزيران 2015. آثار التعذيب الذي وصفه بالوحشي، ما تزال بادية على جسد هشام، وفي حديثه "لخيوط" يقول: "تعرضت لكل أنواع التعذيب، وكانوا يضربوني على رقبتي وأنا مكبل اليدين حتى تسبّب ذلك لي بانزلاق غضروفي ما بين الفقرة السادسة والسابعة من فقرات الرقبة".
ويضيف واصفًا التعذيب الذي تعرض له في سجون سلطات أنصار الله (الحوثيين): "أجلسوني على كرسي الكهرباء، وأجبروني على الوقوف بقدم واحدة ورفع يديّ المكبلتين لفترات طويلة، وفي حال تعبت وأنزلت قدمي يباشروني بالضرب المبرح عليها".
لم يُحتجز هشام في سجن واحد، بل تم نقله خلال فترة اعتقاله، من السجون الانفرادية إلى الجماعية مع بقية رفقته الصحفيين. وطوال فترة اعتقاله (خمس سنوات)، تم تهديده بوضعه في أماكن تخزين السلاح ليكون هدفًا لطيران التحالف، وكان هذا التهديد كفيلًا بجعله يعيش في رعب متواصل. ويشير إلى أن سلطات (الحوثيين) فعلت ذلك أيضًا مع زملائه، مع استمرار التحقيقات والتعذيب "من منتصف النهار حتى آخر الليل".
لا يزال هشام يتذكر ليلة نقله مع زملائه الصحفيين إلى سجن "هبرة"، حيث قال إنهم واجهوا "أشد أنواع التعذيب والتعاملات القاسية"، ما اضطرهم للإضراب عن الطعام احتجاجًا على قسوة التعذيب. حينها تم نقلهم إلى سجن الأمن السياسي، الذي استمر فيه التحقيق بنفس الوتيرة. يقول هشام: "ضربوني في التحقيقات وأنا مضرب عن الطعام، وأغمي عليّ وقتها ولم أفق إلا وأنا في الزنزانة".
ويضيف أنه أصيب بالعديد من الأمراض أثناء فترة اعتقاله، أبرزها "الروماتيزم والتهابات مفاصل العظام"، وذلك نتيجة لعدم تعرضه لأشعة الشمس، وذات مرة أصيب بتلوث بكتيري في العين حتى فقد النظر، وعندها عُرض على الطبيب بعد ثلاثة أيام، وبدأ باستخدام الدواء حتى استعاد نظره تدريجيًّا. كما يفيد بأن عائلته تعرضت للابتزاز خلال فترة اعتقاله "من قبل المشرفين الحوثيين"، حيث كانوا يعدون بالإفراج عنه مقابل المال، وأن عائلته كانت تدفع لهم دون أن يفوا بوعودهم.
وتتنوع الانتهاكات التي تقوم بها أطراف النزاع في اليمن ضد الصحفيين، ما بين القتل والتهديد والملاحقة الأمنية والاختطاف والاحتجاز والتحريض، والحكم بالإعدام.
يقول خليل كامل، صحفي وعضو في مرصد الحريات الإعلامية، لــ"خيوط"، إن الانتهاكات التي طالت الصحفيين في اليمن يقارب عددها ثلاثة آلاف انتهاك منذ مطلع العام 2015-2021، وأن هذه الانتهاكات توزعت بين جميع الأطراف المسيطرة على اليمن، منها قرار الإعدام الصادر من قبل سلطات أنصار الله (الحوثيين) بحق أربعة صحفيين، كما تعتبر هذه السلطات هي أكثر الأطراف انتهاكًا للصحافة والصحفيين.
حالات الانتهاك يرصدها المجتمع الدولي كأرقام فقط، لتوظيفها في ملفات لأجل مصالح سياسية مؤجلة قد يستخدمها المجتمع الدولي لإسقاط طرف ما من خلال عدد الملفات التي تدينه.
في السياق ذاته، يقول أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين، محمد شبيطة، لـ"خيوط"، أن النقابة رصدت منذ بداية العام 2021، حتى الربع الثالث من العام نفسه، 63 حالة انتهاك؛ ارتكب أنصار الله (الحوثيون) منها 33 حالة، فيما ارتكبت الحكومة المعترف بها دوليًّا 18 حالة، والمجلس الانتقالي الجنوبي 9 حالات، ويوضح أن هناك 3 حالات انتهاك قام بها مجهولون.
أزمة قانون
على الرغم من وجود قانون يختص بـ"الصحافة والمطبوعات"، إلا أنه يخلو من أي مادة تنص على حقوق الصحفي في أوقات الحرب. ومع ذلك تنص المادة 13 من القانون على أنه "لا يجوز مساءلة الصحفي عن الرأي الذي يصدر عنه أو المعلومات الصحفية التي ينشرها، وألّا يكون ذلك سببًا للإضرار به ما لم يكن فعله مخالفًا للقانون". كما يخلو قانون الجرائم والعقوبات لعام 1994، من مواد تتعلق بحماية الصحفيين في أوقات الحرب، والأمر نفسه بالنسبة لـ"قانون الجرائم والعقوبات العسكرية" الذي صدر في 1998، بقرار من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، دون مناقشته في مجلس النواب، مادة مادة، ما شكل أزمة في القوانين الجنائية اليمنية فيما يتعلق بحقوق الصحفي في حالات النزاع المسلح.
المحامية هبة عيدروس توضح في حديثها لـ"خيوط"، قصور القانون اليمني في شمول الجرائم المرتكبة في زمن الحرب، إذ تعتبر أن: "الحرب تفرز أفعالًا وانتهاكات جديدة، ولا يوجد نص عقابي محدد في القانون العام أو القانون العسكري، وذلك عندما يكون أحد منتسبي القوات الأمنية أو العسكرية هو من قام بالانتهاك".
وتضيف عيدروس في حديثها لـ"خيوط": "قانون الجرائم والعقوبات العام لم يتم إقراره من أول جلسة، بينما قانون الجرائم والعقوبات العسكري تم إقراره وفق آلية خاطئة، وتمت المصادقة عليه مع جملة قوانين بشكل عام في حرب صيف 1994، ولم تتم مناقشته مفصلًا؛ مما أحدث خللًا في القوانين الجنائية اليمنية".
وبشأن القانون الدولي، توضح هبة عيدروس أنَّ المجتمع الدولي "لا يعول عليه ما لم يكن الحل من الدولة نفسها"، وأن حالات الانتهاك "يرصدها المجتمع الدولي كأرقام فقط، لتوظيفها في ملفات لأجل مصالح سياسية مؤجلة قد يستخدمها المجتمع الدولي لإسقاط طرف ما من خلال عدد الملفات التي تدينه".
وتنص المادة 13 من اتفاقية لاهاي على أن "يعامل الأشخاص الذين يرافقون الجيش دون أن يكونوا في الواقع جزءًا منه، كالمراسلين الصحفيين ومتعهدي التموين الذين يقعون في قبضة العدو ويعلن له حجزهم كأسرى حرب، شريطة أن يكون لديهم تصريح من السلطة العسكرية للجيش الذين يرافقونه".