الشاعر المخضرم عمرو بن معدي كرِب الزبيدي- كواحد من أهم قادة الحروب في الجاهلية والإسلام، ومن أبرز قادة معركة القادسية- يشبِّه بدايات الحرب بالشابّة الفتية المتبخترة بزينتها في عيون الجهلة والسذج المغترين، ونهاياتها كعجوز شمطاء "مكروهة للشم والتقبيل" بحسب إبداعه. العجوز الشمطاء التي تزكم الأنوف رائحتها، وتقتل النفوس تجوب اليمن شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا، وعشاقها الكَذَبة المخدوعون لا يتعظون.
على مدى سبعة أعوام، أُشعلت الحرب الأهلية في اليمن. هذه السبعة الأعوام حولت اليمن ميدانَ قتالٍ أهلي وإقليمي ودولي. حرب مأجورة وبالوكالة، وبوعود كاذبة طبعًا.
الحرب على اليمن لا يحسمها التدخل الأجنبي مهما تكن قوته وجبروته، وتجارب وعظات التاريخ كثيرة؛ أما الحرب الأهلية، فزادُ اليمن وخبزها، ولكنّ اليمانيين القادرين على إشعال الحروب الأهلية هم الأقدر على إطفائها.
التدخل الأجنبي والصراع الإقليمي سبب رئيسي في إطالة أمد هذه الحرب. هناك الآن بوادر ومؤشرات مهمة، ليس بانتصار هنا أو هناك، أو انتصار طرف على آخر؛ فالنهايات الحقيقية للحرب الأهلية لا تكون إلا بالتصالح والتسامح، وهو الأسلوب الذي خبره اليمنيون عبر حروبهم الطائلة.
بدايات التواصل بين الأطراف في "الشرعية" و"الانتقالي"، وبين أنصار الله (الحوثيين) والتجمع اليمني للإصلاح، وبين أنصار الله (الحوثيين) والانتقالي، وبين كل هذه الأطراف، هو السبيل الوحيد الآمن والممكن، خصوصًا إذا ما انفتحت أبواب التلاقي والحوار على المرأة، والشباب، والمستقلين، ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي.
المساعي الدولية مهمة، والتفاهم الإقليمي له معنى، وأثره كبير على الحرب في اليمن؛ فالتحاور حول النووي الإيراني، واللقاءات السعودية–الإيرانية، وزيارة ابن زايد لسوريا، بوادر ومؤشرات، ولكن الأهم هو التواصل بين مختلف الأطراف اليمنية؛ لأنها الأساس في الحرب، وكل طرف له مطالب ومخاوف.
طول أمد الحرب حَوَّلَ اليمن إلى رهينة للصراع الإقليمي والدولي، وأضعف الأطراف الداخلية، ورغم هذا الإضعاف المتعمد، إلا أن الأطراف اليمنية تدرك خطورة فرض حلٍّ سياسي إقليمي وأممي لا يعبر ولا يتفهم طبيعة الحرب الأهلية في اليمن. صحيح أن الطرفين، الإقليمي والدولي، غذياها ورفداها بالمال والعدة والعتاد، وأذكَيا وقوّيا الأبعاد الجهوية والقبلية والطائفية والسلالية والمناطقية وحتى الشخصية، ولكن المقدرة والذكاء اليمني مراهن عليه في إدراك مخاطر ما وصل إليه وطنهم، وما تريده الأطراف الإقليمية والدولية والجوار الخطر؛ فإن تفكيك اليمن وتمزيقها، وتدمير كيانها الوطني، ونسجيها المجتمعي هدف أساسي للحرب، كما أن الاستيلاء على الثروة والجزر والموانئ وباب المندب، الهدف الأكبر لأمريكا وإسرائيل وحلفائهما.
السعوديون والإماراتيون يرتابون في حلفائهم، ولا يثقون بالأحزمة الأمنية والنخب التي شكلوها، ولا بالكثير من السلفيين، وقد وضعوا ثقتهم في طارق صالح، والهدف الأساس إضعاف الأطراف اليمنية كلها.
التطور الدراماتيكي في الانسحاب من مناطق معينة في جنوب الحديدة لقوات مدعومة من الإمارات العربية المتحدة والسعودية، غير معزول عما دار في البيضاء وشبوة ومأرب.
اقتراب الحرب من مأرب ومناطق الثروة والحدود مع السعودية، أثره كبير في توازن القوى، وتغير التكتيكات، والحرب في اليمن وعليها غير معزول عما يجري في المنطقة العربية. نتائج الانتخابات في العراق، وتشديد الخناق على لبنان، وبدء الانفتاح المحدود على سوريا، وتأزم الوضع في تونس، والانقلاب وبدء الانتفاضة في السودان، ومساعي التفاوض حول النووي الإيراني، وتباطؤ التفاوض السعودي-الإيراني، وزيارة الوفد الإماراتي لأمريكا، وتناول الحرب في اليمن، والتهيئة للانتخابات في ليبيا- كل ذلك يعني التحولات في المنطقة.
الوضع في اليمن أشد تعقيدًا وأكثر خطورة؛ فتعدد وكثرة الأطراف في الحرب الأهلية، وارتباط هذه الصراعات بالصراع الإقليمي والدولي، يعقد المشهد، ويطيل أمد الصراع. الانسحاب من جنوب الحديدة يعني أن الأمريكان والبريطانيين والإسرائيليين يعطون الأولوية للموانئ والجزر وفصل الجنوب، وما قامت به الإمارات والسعودية ليس إلا تنفيذًا لمخطط صفقة القرن، وللأمر علاقة بالتوقِّي من هبوب رياح ربيع عربي آتٍ، وتحسبًا للقطبيات القادمة.
المناورات الأمريكية- الإسرائيلية- الإماراتية- البحرينية في البحر الأحمر في هذا الشهر [نوفمبر 2021] رغم أنها موجهة إلى إيران، إلا أنها تعني باب المندب والبحر الأحمر، وفصل الجنوب عن الشمال وتفكيكه، وإبقاءه في حالة صراع داخلي ومع الشمال.
السعوديون والإماراتيون يرتابون في حلفائهم، ولا يثقون بالأحزمة الأمنية والنخب التي شكلوها، ولا بالكثير من السلفيين، وقد وضعوا ثقتهم في طارق صالح، والهدف الأساس إضعاف الأطراف اليمنية كلها، بما في ذلك الموالين لهم. فعدم وثوقهم بأصدقائهم لا يقل عن خشيتهم من أنصار الله (الحوثيين)؛ فهل يكون الرد اليمني إدراك المخاطر، والتلاقي اليمني اليمني بين ألوان الطيف العسكري والمدني والأهلي، وبين مختلف المكونات الميليشية والسياسية والحزبية والمرأة والشباب؛ لأن اليمن بلد الجميع، ويستحيل على أي طرف، أيًّا تكن دعاويه، أن يحكم اليمن بمفرده؟