كيف هشّمت الحرب وجه المجتمع اليمني؟

آثار تعصف بالحياة اليومية
محمد علي محروس
October 17, 2022

كيف هشّمت الحرب وجه المجتمع اليمني؟

آثار تعصف بالحياة اليومية
محمد علي محروس
October 17, 2022

على عكس مجريات الأحداث في البلاد التي كانت تتجّه نحو حلٍّ سياسي شامل، وَفق مخرجات الحوار الوطني، انفجر الوضع عسكريًّا، وتعقّد المشهد السياسي، ليصل في نهاية المطاف إلى حربٍ شملت معظم أنحاء اليمن، تطورت فيما بعد إلى استدعاءٍ إقليميّ ملفوف بدعمٍ دوليّ خفي النوايا.

الاقتتال المستمر منذ ثماني سنوات، بانت آثاره المباشرة دون مقدمات، قتلى وجرحى، منازل ومدن مُدمّرة، أزماتٌ إنسانية، وأوبئةٌ صحيّة، وخدماتٌ معطّلة، وسجالاتٌ اقتصادية بين طرفي الصراع، يدفع اليمنيون ثمنها من قوتهم اليومي، الذي بات الحصول عليه ضربًا من العناء!

تفشي اليأس

بشكلٍ يوميّ، يضطر موسى أحمد (34 عامًا)، إلى أن يتناول كبسولاتٍ تعينه على تجاوز حالة الأرق التي لازمته خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبدونها لن ينام إلا بعد مخاضٍ عسير، وأفكار يفقد السيطرة عليها، تصل في بعض الأوقات حدّ التفكير بالانتحار.

"لم أكن هكذا، لكن أسلوب حياتي تغيّر، الوضع العام من سيئ إلى أسوأ، شبابي يذهب ضحيةً للحرب، وأنا أفقد معه طموحاتي وتطلعاتي المستقبلية، التي باتت بلا أفق"، يحكي موسى معاناته لـ"خيوط"، ويضيف: "لا ندري إلى أين سنذهب، أنا لم أعد أثق بأحد، وكل ما أستطيع فعله هو استنساخ روتيني اليومي الذي لا يساعدني على النوم بهدوء، فأضطر إلى تناول كبسولاتٍ مهدئة؛ لأخلد إلى النوم، هذا صعبٌ للغاية".

يتشارك موسى وضعه مع أكثر من 80% من سكان البلاد الذين تحذّر الأمم المتحدة من انزلاقهم في مجاعة محقَّقة، وقد باتوا بحاجة لتدخلاتٍ طارئة تضمن لهم الحدّ الأدنى من احتياجاتهم الأساسية على مستوى الغذاء والماء والدواء.

بلدٌ كاليمن، تُقدّر تركيبته السكانية بنحو 70% في عمر الشباب، لا مجال لهم سوى الالتحاق بأطراف الصراع بسبب تفشي البطالة، وضعف الحلول المواكبة للأحداث على مستوى التأهيل والتمكين، إضافة إلى تشتّت جهود التدخلات الدولية والمحلية ذات الصلة بالشباب، والتي يتهمها كثيرون بانحصارها حول بناء السلام وحل النزاعات، دون القيام بمشاريع استيعابية، يتوقع أن يكون أثرها -على المدى البعيد- محمودًا.

آثارًا أخرى تعصف بيوميات اليمنيين نتيجة تراكمات الحرب، وتوالي آثارها الكارثية على الحياة العامة، فالمضاعفات النفسية، وتوسع دائرة المرضى النفسيين في البلاد باتت ملموسة، إذ تصحبها جرائم اجتماعية قد تحدث في إطار الأسرة الواحدة، لأسباب معيشية، وأخرى أسرية، وثالثة أخلاقية، وكلها نتاج تردي الأوضاع في البلاد.

خسر موسى عددًا من أصدقائه نتيجة مشاركتهم في معارك عسكرية بين القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، وقوات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بتعز (جنوبي البلاد)، وأصيب آخرون. يصف موسى أصدقاءه بالطموحين: "لقد كانوا يملكون أحلامًا، وكثيرًا ما كانوا يحدثونني عن آمالهم المستقبلية، قبل أن تقطعها الحرب"، بغصّة يقول موسى ذلك، ويستدرك قوله مضيفًا: "لم أتوقع أنّهم سيصابون بالإحباط حدّ المجازفة بأرواحهم، دون اعتبار لما كانوا يريدونه".

آثار أخرى

باستثناء الهدنة الإنسانية المعلنة من هانس غروندبرغ، المبعوث الأممي إلى اليمن في الثاني من أبريل/ نيسان الماضي، والتي مُدّدت تباعًا مرتين حتى الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول القادم، لا توجد حلول سحرية للحرب في اليمن، أو –على الأقل– تلقى نقاشًا جادًّا، وقبولًا أوليًّا للتفاهم حولها، وتتجه التوقعات نحو تمديد آخر بذات الآلية السابقة وفقًا للضغوط الدولية، أو انفجار الوضع عسكريًّا؛ استنادًا للعروض العسكرية من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والتطورات التي شهدتها محافظتا شبوة وأبين، جنوبي البلاد.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قدّر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قتلى الحرب في اليمن بأكثر من 377 ألف شخص؛ ما يقرب من 60%، منها (نحو 226200) وفيات غير مباشرة. والوفيات المباشرة هي تلك التي تسبّب بها القتال، ونسبتها 40% من الحصيلة.

لكنّ آثارًا أخرى تعصف بيوميات اليمنيين نتيجة تراكمات الحرب، وتوالي آثارها الكارثية على الحياة العامة، فالمضاعفات النفسية، وتوسع دائرة المرضى النفسيين في البلاد، باتت ملموسة، إذ تصحبها جرائم اجتماعية قد تحدث في إطار الأسرة الواحدة، لأسباب معيشية، وأخرى أسرية، وثالثة أخلاقية، وكلها نتاج تردي الأوضاع في البلاد.

يزدهر أيضًا، الرواج للمخدرات، والإقبال على ما يتسبب تعاطيه المفرط بالإدمان، وهذه أسباب جوهرية للنشوة الجرائمية الحاصلة، وفقًا للدكتور جاسم بوسبعة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حضرموت، ويضيف بوسبعة لـ"خيوط": "الحرب عاملٌ أساسي لهذه الحالة، ولكن هناك مجموعة أسباب مترابطة، من ضغوط نفسية واجتماعية، وتدهور الوضع الاقتصادي، والعجز في تلبية الاحتياجات الأسرية، الأسباب عديدة، تعززها مفارقات أفرزتها الحرب، وخرجت عن السيطرة".

القواسم المتلاشية

في يناير/ كانون الثاني الماضي، توصلت منظمة مرسي كور إلى إنّ العائلات اليمنية تعتمد على علاقاتها الاجتماعية وشبكات الدعم الخاصة بها من أجل البقاء، مع الإشارة إلى توقعات للجهات الفاعلة في مجال المساعدات الإنسانية بتآكل المصادر الهامَّة لتلك الشبكات بالنظر إلى تدهور الظروف الإنسانية، ما قد يعني استنساخ التجربة الصومالية التي أدّت في نهاية المطاف إلى انهيار مفاجئ لشبكات الدعم، نتيجة التدهور السريع للأوضاع الإنسانية، من خلال دراسة ميدانية عنونتها بـ"المشاركة من أجل البقاء: التحقيق في دور الشبكات الاجتماعية خلال الأزمة الإنسانية في اليمن".

الدراسة التي اتخذت من تعز نموذجًا لها باعتبارها الأكثر اكتظاظًا بالسكان في اليمن، والتي شهدت أعلى معدلات العنف والوفيات المدنية أثناء النزاع، لفتت الانتباه إلى إنّ شبكات الدعم الاجتماعية على أهميتها تم تجاهلها في ظل الجهود العالمية لتوطين المساعدة الخارجية.

ينظر الباحث والناشط محمد الوتيري إلى الدراسة من حيث نوعيتها وأهميتها في فهم طبيعة اعتماد اليمنيين على إرثهم التعايشي لمواجهة أعباء الحرب، ومحاولة التغلب عليها بطريقتهم الخاصة، لكنه يلفت الانتباه في حديثه لـ"خيوط" إلى أنّ هذه القواسم المشتركة واقعة اليوم تحت تأثير التداعيات الإنسانية المتأثرة بالتطورات العسكرية والاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية، ما يعني أنّها تواجه خطر التلاشي.

الوتيري يذهب إلى إنّ المجريات الميدانية الحاصلة والتي وفقها تأخّر وصول المساعدات الغذائية اللازمة في موعدها، وعدم تدفقها المعهود؛ بسبب تشتت الاهتمامات الدولية، ووجود بؤرة نزاع أخرى تتمثل في أوكرانيا، وهذا تهديد مباشر على شبكات الدعم الاجتماعية في اليمن، التي تواجه خطر التراجع، وتلاشيها كقيمة اجتماعية تعايشية ساهمت في الحفاظ على تماسك المجتمع خلال السنوات الماضية.

ويلمس المتتبع للوضع المعيشي حجم الفجوة الحاصلة منذ مطلع العام الجاري 2022، وما تسبّبت به الحرب الأوكرانية على مستوى التدخلات المباشرة، وتوفير الاحتياجات الطارئة للمحتاجين، وهذه صورة أخرى للحرب ومخلفاتها لبلدٍ يعيش أزماتٍ إنسانية متجددة منذ اندلاع الحرب في مارس/ آذار 2015.

 

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English