كلمات: محمد عبدالباري الفتيح
لحن وغناء: عبدالباسط العبسي
في بداياته الفنية مطلع سبعينيات القرن الماضي، وجدَ الفنّانُ عبدالباسط العبسي نفسَه أمام شاعرين كبيرين، هما: الأستاذ محمد عبدالباري الفتيح، والدكتور سلطان الصريمي، اللذان قدّمَا له عدة نصوص شعرية قام بتلحينها بدفق وحماس الشباب، لتصير هذه النصوص المغنّاة ليست فقط عناوين في تجربة الفنان الواثبة، وإنّما ملمحًا جديدًا تضيف لِلَونٍ غنائيّ بدأ يفرض نفسه على خارطة التنوّع الغنائيّ في اليمن (اللون التعزي بخصوصيته الحجرية)، الذي قارب في موضوعاته الباكرة قضايا اجتماعية شائكة، وعلى رأسها الهجرة والاغتراب.
وأكثر نموذجين في هذا التعاون، كان أغنية (مسعود هجر) للصريمي، وأغنية (وا قمري غرَّد) للفتيح، التي هي موضوع التناول هنا، وتقول كلماتها:
وا قمري غرّد ما عليك من همّ خلك معَك وانته بقربه تنعم
مش مثلي أتجرّع كؤوس علقم سقيم بحالي.. بس ربِّي يعلم
***
أشكي بعاد خلي أي حين شاشوفه لمن ترك ورده خيار قطوفه
صباح مسا أحلم ولو بطيفه يا قمري والخل ما ذكر أليفه
***
نيسان هيّجني واشعل كياني والشوق يضني والفراغ برَاني
ما له الحبيب، يا هل ترى نساني؟ يا ليته يدري بالذي أُعاني
***
والريح حلّفته ونجم سحره يقول له يكفي اغتراب وهِجرةْ
شبابنا شسرح يا ألف حسرةْ لو ذبلت زُهوره زهرة زهرةْ
***
يوم السَّلَا يا قمري يوم وصوله شاواجهه بالفل، شاكيد عذوله
حتى الطريق بالورد شافرشه له واطعمه بايدي جهيش سبوله(1)
________________________________
عن الشاعر والفنان معًا
"عند الحديث عن تجربة الفنّان عبدالباسط عبسيّ، الفنية الكبيرة والثرية، لا بدّ من التوقف عند إسهام واحد من أساطين الشعر الغنائي الكبار في اليمن، الذين أسّسوا لهذا الصوت ومدّوه بالعافية منذ التكوين الباكر قبل نصف قرن، ونعني هنا الراحل الكبير: محمد عبدالباري الفتيح، الذي أنتج مع باسط العديد من الأغاني ذات الاستثناء المهمّ في تاريخ الأغنية بخصوصيتها الثقافية لمحافظة تعز. فمن منّا لم يستمع إلى أغنية "الليل وا بلبل دنا" ولم يطرب، أو استمع إلى أغنية "وا قمري غرّد" ولم تأخذه النشوة بعيدًا أو استمع إلى "ما أمرّ الرحيل"، و"أينه شتسافر وا عندليب"، و"الليلة من ألف ليلة"، و"يا طير يللي"، و"لا أين يا رجال"، دون أن يحس أنّ أقدامه تغوص في أديم الأرض، وتمتلئ رئتاه برائحة ترابها وزروعها.
شاعر أنجبَتْه الطبيعة، ليس من أجل عبادة أقانيمها، ومخرجات علاقاتها المتباينة، بل ليلتقط كل ما يمكن أن يكون لحظة للفرح أو للسخرية أو للألم، لأنّ الكائن الذي دخل إليها من أبسط المهن، وجالَ في جغرافيّاتها أو معارفها وخَبِرَ ناسها بمقدوره وبكل بساطة أن يعلّمنا كيف نعشق ونقرأ الحياة في أبسط تفاصيلها"(1).
أمّا الفنان عبدالباسط عبسي، فإنه "كتجربة غنائية رائدة، أضافت للون التعزي في الغناء الشعبي وبخصوصية "الحُجرية" الشيء الكثير لتصير، في سياق التوصيف الدرسي، وليس التعيين المناطقي، إضافة للتنوّع الفلكلوري الذي تزخر به اليمن، وهو، كفنان مجتهد ومثقّف، أكثر قربًا في مقاربة المشكلة الاجتماعية، مثل الهجرة والفقر وغلاء المهور، والأكثر تشخيصًا لحال الفلاح والراعية، بوصفيهما مرموزًا لثنائية الأرض والإنسان، وما يرتبط بحالهما من مواسم الزراعة والمطر"(2).
في نصف قرن، لحّن وغنّى عشرات القصائد للشعراء: الصريمي، والفتيح، والفضول، والجابري، وعبدالرب، ومحمد المقطري، وعبده علي ياقوت، وعثمان أبو ماهر، وعبدالله غدوة، وعبدالفتاح عبدالولي، وغيرهم.
______________
(1) موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، المجلد 9، دائرة التوجيه المعنوي- صنعاء، 2005، ص150.
(1) https://www.khuyut.com/blog/06-14-2020-08-15-pm
(2) https://alsharaeanews.com/2021/07/01/36401/