(1973 - 19/8/2022م)
وُلد وليد أحمد ناجي دماج بمحافظة إب، ودرس المحاسبة بجامعة صنعاء. بدأ حياته المهنية موظفًا في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ثم تولّى رئاسة المكتب التنفيذي لـ"صنعاء عاصمة الثقافة العربية"، في 2004، ثم مديرًا لإدارة صندوق التراث والتنمية الثقافية للمرة الأولى في 2005، ولمرة ثانية من 2012-2014.
أصدر وليد دماج أربع روايات:
- ظلال الجفر.
- هم.
- وقش.
- أبو صهيب العزي.
- وله رواية خامسة لم تكتمل.
كتب عنه الدكتور عبدالحكيم باقيس:
وليد دماج واحد من أهم كتّاب الرواية اليمنية في العقدين الأخيرين، من جيل كتاب الرواية الجديدة في اليمن، جيل المحنة والحرب، الذي صنع المفارقة العجيبة بين الواقع العقيم، وخصوبة الإبداع، وهو كذلك شاعر قبل أن يلج بوابة الرواية التي منحته الشهرة، وعززت مكانته الأدبية في المشهد الإبداعي الجديد الذي تشكّل في العقدين الأخيرين.
أصدر أربع روايات في عمره الإبداعي القصير (ظلال الجفر 2013، هم 2016، أبو صهيب العزي 2019، وقش 2022). عشر سنوات، لكنها كانت ثرية وخصبة، وكان -كما أخبرني في ندوة جمعتنا قبل أيام في معهد الفنون الجميلة- يكتب روايته الخامسة (التلة) التي مزج فيها بين التاريخي والغرائبي.
كان يبحث دائمًا عن التجديد في الموضوعات، وأساليب الكتابة، وظلّ في كل أعماله الروائية من المشتغلين على الفكرة، ودراستها، والبحث فيها، وتقليبها على موقد الإبداع قبل أن يُلقي بها في عالم التخييل؛ فتصبح الرواية ثمرة بحث طويل قبل أن تخرج في كتاب، وهذا سرّ من أسرار كيمياء الكتابة عنده، فحين كتب رواية (هم) التي تتحدث عن شخصية المجنون وعوالمه الخاصة الموازية، ظل وليد دماج يذكر في شهاداته معايشته لبعض المجانين ومراقبتهم لمدة عامين، وفي قراءة لعديد من الكتابات في علم النفس والاضطرابات الذهنية، وفي روايته (وقش) أو (هجرة الشمس) انكب على قراءة العديد من المصادر التاريخية حول فرقة "المُطرّفية" ومأساتها في القرن السادس الهجري قبل أن يتناولها في عمله التخييلي الأخير، وفي أثناء تناوله لموضوع الإرهاب في (أبو صهيب العزي) كان يثير التساؤلات عن أسباب الإرهاب ودوافعه، ولم يقع في فخ التعاطي وفق نموذج القالب الجاهز الذي يتكرر في العديد من الأعمال العربية لصورة الإرهابي.
لقد كان وليد -رحمه الله- تجربة روائية متفردة في الكتابة التي تصنع عوالمها الخاصة، وتعبر حدود الأفكار، وسجن الأيديولوجيات إلى ما يهم الإنسان وحيرته في زمن تحيطه الالتباسات.
أما محمد عبدالوهاب الشيباني، فقال عنه:
تزاملت مع الصديق الراحل وليد أحمد دماج للنصف الثاني من العام 2004م، حينما انتدبه وزير الثقافة حينها خالد الرويشان من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة؛ ليتولى رئاسة المكتب التنفيذي لصنعاء عاصمة للثقافة العربية خلفًا للصديق الدكتور محمد الكامل الذي تقلد المنصب في النصف الأول من العام ذاته، وكنت وقتها منتدبًا من اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين في عضوية المكتب التنفيذي.
الكثير من الأعمال الثقافية الكبيرة تم تنفيذها في ذلك العام الاستثنائي في طباعة الكتب، وبناء المسارح، وترميم المباني التقليدية، وتجميل واجهاتها في سائلة صنعاء القديمة، وتنفيذ مشاريع بيوت الفن في المحافظات، والأسابيع الثقافية، وإقامة المهرجانات الثقافية والفنية، ومنها:
مهرجان الشعراء الشباب العرب الأول – أبريل 2004، كأول ظاهرة تشهدها المنطقة. كان وليد طاقة استثنائية في إدارة العديد من ملفات 2004، مع أعضاء المكتب، برغم الصعوبات الكبيرة التي ترافقت مع هذه الأعمال. انتقل بعد عام الثقافة للعمل كمدير تنفيذي لصندوق التراث والتنمية الثقافية، والذي شهد في فترته العديد من الإنجازات في دعم المبدعين والمشاريع الثقافية. قبل فترة تزامُلي معه، كنت أعرفه كشاعر شاب يتحسس طريقه الشاق في الكتابة المختلفة، لكنه بعد سنوات قليلة قدّم نفسه كروائي اتخذ من التاريخ منطلقًا للكتابة السردية في كثير من مشاريعه الروائية، وبدأب المبدع المهموم، أصدر خلال عشرة أعوام تقريبًا الأعمال: (ظلال الجفر) 2013، (هم) 2016، (أبو صهيب العزي) 2019، (وقش - هجرة الشمس) 2022.
كان شخصًا ودودًا ومرحًا لا يلقاك إلّا بابتسامة عريضة، وكثير من الجمل التي يتداخل فيها المزح بالجد، كان يداوي تعبه بالضحك والإنجاز، وكأنه كان يتوقع رحيله المبكر بذات طريقة والده، الذي كثيرًا ما كان يسترجعه كذكرى وتاريخ دافئ، آخرها قبل رحيله بقليل.
أما إياد دماج فقد استذكره بهذا النص:
في أيامه القليلة، كان يحدق في الكلمات بعناية، يزنها بحركة أصابعه المطمئنة على لوح الكتابة. كان لا يحب طنين الألفاظ، تعجبه الاستعارة المقتضبة.
في أيامه القليلة أيضًا جدران كثيرة، وصور موتى يضع يده فيها على أكتافهم. وبنصف انحناءة وضحكة متدفقة يستقبل أيامه القليلة والأصدقاء، يمد يدًا مشدودة للمصافحة وصوتًا صريحًا لا يقبل المواربة؛ ولذا علاقاته واضحة لا تحتمل الحدس أو التأويل.
في العمر المزدحم، كان وليد يُمضي أيامه بنفس الدأب، يحصي خطواته الشاسعة بدقة محاسب نزيه، ومخيلة تسكنها تقنيات السرد وإيقاع نص تفعيلة كلاسيكي. لا ينسى في غمرة عمره المزدحم، دعوة الفقراء إلى بيته وخبزه. لا ينسى أن يغطي جراح الأهل، ويسند أحلامهم رغم عمره المزدحم.
كان وليد يسبقنا دائمًا، يسبقنا في الودّ، ويسبقنا في الصدق، ويسبقنا إلى الاهتمامات الأصيلة الخلاقة، ويسبقنا في تحمل المسؤولية والصفح والنسيان... ويسبقنا إلى الموت أيضًا.
في لحظة الموت يتداعى العالم، وتغدو روح الصديق محررة من الزمن وأغلاله، فهي تعود إلى خط البداية الذي هو خط النهاية أيضًا. نعم، نقبل قانون الحياة، فالبشر فانون، لحظاتهم معدودة، لكن لا يمكن أن نقبل هذا الموت يا وليد. حتى الخلود لا يكفي لترميم هذه المقابلة المأتمية بين الغياب، وبين الذكرى الخانقة التي لا تذوي نارها أبدًا.
في وداعة الله يا أخي وصاحبي!
وكتب عنه أحمد الأغبري:
يخسر اليمن برحيل الصديق الروائي وليد دماج واحدًا من أهم مبدعيه في أعز أيام حاجة البلد له ولأمثاله، لكنه الموت!
يرحل وليد وهو في ريعان إبداعه، وفي مقتبل تألقه؛ ليضع رحيله ندبة في الروح! ربطتني بوليد علاقة امتدت لأكثر من 18 سنة، وجدته خلالها إنسانًا نبيلًا، ومبدعًا فارقًا.
وكتب عنه عيبان السامعي:
آهٍ يا رفيق، لا أستوعب رحيلك المفاجئ والصادم والموجع.
حينما كنتُ ألتقيك في الشارع أو المقيل أو أي مكان، كنتَ تستقبلني بابتسامة مُفعمة
بالفرح والبهجة والألفة، وهكذا كنتَ مع الآخرين، إنسانًا وديعًا، بسيطًا، غير متكلف،
ومنحازًا لقيم الحرية والعدالة والحداثة والجمال.
أوجعنا رحيلك كثيرًا، كثيرًا، كثيرًا.
لروحك الرحمة والسكينة.