منصة خيوط
كلمات: علي بن محمد العنسي
اللحن: تراث مطور
غناء: أبوبكر سالم
نظم القاضي العنسي قصيدة "وَا مُغرِّد بوادي الدّور" حينما كان قاضيًا على العدين في زمنه، وكتب إلى جانبها قصائد عدة في الحنين إلى مسقط رأسه مدينة صنعاء، ووادي الدُّور أشهر أودية منطقة العدين، واليمن عمومًا، وعرف بمائه وخضرته ومزروعاته وطيوره المتنوعة.
تأثُّر الشاعر بلهجة سكان العدين، كان واضحًا في كثيرٍ من ملفوظات القصيدة التي تعتبر من النصوص الحمينة البارزة، ولم تزل صامدة حتى اليوم، وقد غنّاها بلحنها التقليدي مجموعة من المطربين، منهم: علي الآنسي، وأيوب طارش العبسي، ومحمد حمود الحارثي، والفنان محمد عبده.
غير أن شهرتها الكبيرة ستكون مع أبوبكر سالم بالفقيه الذي أعاد تقديمها بصوت شجيّ وبتوزيع موسيقيّ فاخر.
تقول كلمات الأغنية:
وا مُغَرِّد بوادِي الدُّور مِن فَوق الاغصَان
ومهيِّج صبَابتي بترجِيع الالحَان
ما جَرَى لَك تهيِّج شجوَ قلبِي والاحزان
لا انت عاشق ولا مثلِي مفارق للاوطان
بُلبُل الوادي الاخضَر تَعال أين دَمعَك
تدّعي لوعةَ العاشق ومَا العِشق طَبعك
فَاستَرِح واشغل البانة بخفضك ورفعك
واترك الحُبّ لاهل الحُبّ يا بُلبل البَان
واستمع لي شكيّة صب مشتاق عاني
أخرجه مِن مدينة سَام دَار التَّهَانِي
لاعِج البَين يَا طَير هكذا قصد عاني
فدموعه على الأحباب في خَدّه ألوان
أحبتي بُعدكم والله جفاني هجوعي
وجرح مقلتي يا احباب جاري دموعي
آح يا حسرتي منكم وآح يا ولوعي
كل ذا من جفاكم ليت يا ليت لا كان
يا احبة ربى صنعاء سقى الله صنعاء
حيث ذاك الربى ما زال للغيد مرعى
لو يقع إليه لاسعى على الراس لاسعى
يا بروحي لقي روحي بلابل وغزلان
ليت شعري متى شالقي عصاة المسافر
واي حين شايطيب لي عيش قد كان نافر
واي حين شاتخطر بين تلك المناظر
هو قريب ذا على الله أن يقل له يكن كان
عن الشاعر
القاضي علي بن محمد العنسي (ت في 1139هـ)، "من الشعراء الذين يضارعون ابن شرف الدين في التعبير الرقيق عن العواطف الرقيقة. يُعدّ من عمالقة الشعر الحميني، وشعره الحميني منشور في ديوان مطبوع اسمه "وادي الدور"، نسبة إلى وادٍ ينحدر من جبال اليمن الغربية إلى منخفضات تهامة، وقصيدته تبدأ بقوله:
وَا مُغَرِّد بِوَادِي الدُّور مِن فَوق الأغصَان وَا مُنجِّش صَبَابَاتِي بِتَرجِيع الأَلحَان
ويقع في هذه القصيدة ذكرُ الوادي الذي سُمِّي به الديوان، وتُعَدّ عندَ الكثير من الأُدبَاء اليمنيين القصيدةَ الحمينية الأولى بين قصائد الصنعاني، وربما أوحت عبارة "ترجيع الألحان" التي تقع في آخر البيت المذكور باسم ديوان آخر لشاعرٍ آخر من عمالقة الشِّعر الحمينيّ، هو عبدالرحمن بن يحيى الآنسي الذي سمّى ديوانه "ترجيع الأطيار"، وللعنسي قصيدة أخرى يصب فيها شوقه العارم إلى صنعاء، وهي قصيدته التي تبدأ بقوله:
يا حلولًا ربا صنعاء اليمن أيّ حين يجمع الله شملنا
وقد قالها وهو في العدين القريبة من تعز، حيث كان يشغل منصب القضاء، ولكن بالرغم من شكواه المريرة من إقامته في العدين بعيدًا عن وطنه صنعاء، فإنّ شِعره قد تأثّر بلغة العدين وما يجاورها، كما يلاحظ من بعض التعابير التي تتردّد في شعره"؛ كما جاء في كتاب د. محمد عبده غانم، شعر الغناء الصنعاني، المكتبة اليمنية للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، ص 185.
ويعدّه الباحث والفنان جابر علي أحمد، الرقمَ الحادي عشر بين أبرز شعراء الحمينية الذي على رأسهم أبوبكر عيس بن حنكاش (ت 625هـ)، وآخرهم أحمد فضل بن علي محسن العبدلي (القمندان) (ت 1362هـ)؛ كما جاء في دراسته "الموشح اليمني؛ النقد والخصوصية"، مجلة البحث الموسيقي، صادرة عن المجمع العربي للموسيقى، المجلد الحادي عشر.
عن الفنان
الخلفية الثقافية والاجتماعية التي جاء منها الفنان أبوبكر سالم بلفقيه (1939-2017م) ساهمت في تكوينه الشعري، و"تعود نشأة أبوبكر الغنائية إلى تريم- حضرموت، حيث ترعرع في بيئة دينية صوفية. وهو ينتمي من جهة الأب إلى آل بلفقيه ومن جهة الأم إلى آل الكاف، وكلاهما أسرتان من فروع آل باعلوي. تشرَّب أبوبكر في هذه البيئة الشعرَ والروحانيات، ومارسَ في حضراتها وموالدها أداء الأناشيد والتواشيح الدينية".
استقراره اللاحق طالِبًا في مدينة عدن أواسط الخمسينيات، وعمله تاليًا مدرِّسًا للغة العربية في واحدة من مدارسها في أوج ازدهار المدينة ثقافيًّا وتجاريًّا، وانعكاس ذلك على التطور الموسيقيّ، ساعدَه كثيرًا في كتابة العديد من النصوص الغنائية في فترة تكوينه الفني الباكر برفقة أساتذة الندوة الموسيقية العدنية والفنان المرشدي، الذي قدّمه أول مرة في إحدى حفلاته على مسرح البادري، وتاليًا في حفل الإذاعة.
في المرحلة العدنية الباكرة، كتب نصوصًا خفيفة تتلاءم مع موجة التلحين والتلقي الشعبي، مثل قصيدة: "يا ورد ما احلى جمالك بين الورود/ يا غصن ما احلى قوامك لما تنود/ قلبي عليك ولهان، عقلي وراك حيران، الزين ذا كله ولا مرَّة تجود".
وقصيدة: "أنتِ يا حلوة يا ما احلى جمالك/ وما احلى العيون الكحيلة والشفاه السمر/ يا ما احلى دلالك وما احلى قوامك/ ويا ما احلى الورود الحمر".
في الفترة البيروتية الأولى في منتصف الستينيات، كتب ولحّن وغنّى العديدَ من النصوص التي قربته أكثر من المستمع العربي، ومنها: "مِن نظرتك يا زين ذُقت الهوى مَرَّة/ وكم يقولوا الناس الحب من نظرة/ لكن طبعك شين وعشرتك مُرَّة/ هذا اللي خلّاني أنساك بالمَرَّة"، إلى جانب قصيدة "أربعة وعشرين ساعة"، و"تسلّى يا قليبي".
في استقراره الأول في السعودية منتصف السبعينيات، غنّى من كلماته وألحانه أغنية "يا مسافر على الطائف طريق الهدا/ شوف قلبي من البارح معاك ما هدا/ كيف يهدأ وأنت اللي هويته/ وأنت أجمل وأجمل من رأيته".
في مشواره الفني الممتد ستين عامًا، كتب ولحّن وغنّى عشرات النصوص التي لم تبارح آذان مستمعي وعاشقي فنّه المختلف، ومنها: "تسلّى يا قليبي"، "ما علينا يا حبيبي"، "حبيتك أنت"، "بدري عليك الهوى"، "مرحيب"، "ما تستاهلش الحب"، "خاف ربك"، "حيّا زمن أول"، "نار الشوق"، وتبقى قصيدة "أمي اليمن" واحدة من أغانيه الخالدة.