لك أن تتخيّل معاناة طفل بعمر 4 سنوات، مع حريق أصاب يديه، إثر انفجار رصاصة أثناء لعبِهِ بها، أمام خيمته في مخيم العرق الشرقي في مديرية الوادي بمحافظة مأرب.
لم تجد جدّة الطفل، العجوز والعاجزة، من حيلة لعلاجه سوى مسحها بمعجون الطماطم، ولفّها برباط حتى تعافى من جراحه، لتخرج يديه من بين ذلك الرباط مشوّهة وشبه معاقة.
شهر كامل بقيَ فيه الطفل حيفان يعاني ويتألّم من تلك الحروق، لم يحصل خلالها على كبسولة دواء واحدة، تهدِّئ له ولو لساعة واحدة أوجاعَ وآلام تلك الساعات من المعاناة، فلا أمّ تحنو عليه وتسهر بجانبه، ولا أب يهتم لأمره ويخفّف عنه، حيث انفصلا عن بعضهما، وذهب كلٌّ منهما يعيش حياته الخاصة، وتركوا طفلهم لجدته العاجزة، تتدَبَّر أمره وتُربيه.
محمد حميد (36 سنة)- اسم مستعار لقريب حيفان، التقيته معه في إحدى المستشفيات في مأرب، يبحث له عن علاج، لفك أصابع يديه التي التصقت ببعضها وتكلست بعد الحريق، يقول:
"يحصل أن يعود الجنود من الجبهات، برصاص فاسدة، وينسوها فوق الأطقم العسكرية. حيفان كان قد وجد إحدى الرصاصات الفاسدة فوق أحد الأطقم العسكرية في المخيم التابع لأحد المجندين العائد من الجبهة، فقام بأخذها، ودَقَّها بالحجر، فانفجرت بين يديه، وأحرقتهما.
صرخ وهرع إلى جدته في الخيمة، يطلب منها إنقاذه، ولأنّها لم تجد حيلة تجاه ما تعرّض له حفيدها، فقد قامت بمسح جراحه الملتهبة بمسحوق الطماطم (الصلصة) وربْطِها بقطعة قماش، قطعتها من أسفل الثوب القديم الذي تلبسه، وبقت تغسلها وتصب عليها العجينة نفسها، وتعيد ربطها بنفس قطعة القماش إلى أن تعافى الجرح.
يبحث والد طارق اليومَ عن دعم مالي، لنقل ولده إلى دولة مصر أو الهند، لزراعة طرف صناعي له، بعد أن أصبح معاقًا ويعاني من تشوّهات، واضطرابات نفسية كبيرة.
لم تخبر الجدة أحدًا في المخيم بما حدث لطفلها، وتطلب منهم المساعدة لنقله إلى أقرب مركز صحيّ لعلاجه، لأنّها تعرف أن لا أحد سيهتم لأمره "حيث لكل واحد منهم همّ وشاغل داخل المخيمات"، كما يقول محمد.
المؤسف في الأمر، هو أنّ حيفان ليس الوحيد الذي يحمل هذه القصة، ففي نفس الشهر، التقيت طارق (5 سنوات) مع والده في إحدى المنظمات، يبحث عن دعم للسفر إلى مصر أو الهند لعمل طرف صناعي لذراعه الأيمن التي بُتِرت بسبب انفجار قذيفة اعتُقد أنّها تالفة، كان يلعب بها الطفل أمام منزلهم في مديرية الجوبة.
وكان أقارب طارق قد عادوا من الجبهة ومعهم قذيفة "هاون" تالفة، مرمية فوق الطقم العسكري التابع لهم. وجدها طارق وأخذها لِلَّعِب بها مع أخيه الأصغر أحمد (4 سنوات).
شاهدَهم علي (17 سنة)، وهو أخوهم الأكبر يلعبون بالقذيفة، فهرع ليبعدها من أيديهم خوفًا عليهم، أخذها طارق وهرب بها مع أخيه الأصغر، وأثناء هروبهم سقط طارق على الأرض، فانفجرت القذيفة بين يديه.
تسبّبت القذيفة في بتر الذراع اليمنى لطارق، وإصابة أخيه الأكبر بشظايا في فخذه الأيمن، ما أدّى إلى قطع عددٍ من الشرايين، اضطرّ إلى إجراء عملية جراحية لزراعة شرايين بديلة تم سحبها من فخذه الأيسر، فيما أُصيب أخوهم الأصغر بشظية في يده اليمنى، تم إخراجها بعملية جراحية، أمّا طارق فقد اضطر لعمل ثلاث عمليات جراحية لتصحيح قطع ذراعه.
يبحث والد طارق اليومَ عن دعم مالي، لنقل ولده إلى دولة مصر أو الهند، لزراعة طرف صناعي له، بعد أن أصبح معاقًا ويعاني من تشوّهات، واضطرابات نفسية كبيرة.
حيفان وطارق نموذج لعشرات الأطفال الذين دمّرتهم الحرب، وفخّخَت المقذوفاتُ المتروكة حياتَهم وحوّلتها إلى جحيم.
ووَفقَ منظمة الطفولة العالمية (يونيسف)، فإنّ "الأطفال هم دائمًا أول وأكثر من يدفع الثمن في اليمن خلال الثمانية الأعوام، من أكثر النزاعات المسلحة قساوة في التاريخ الحديث".
وقالت المنظمة في وقت سابق، إنّها تحقّقت "منذ تصاعد النزاع في اليمن، من مقتل وإصابة عشرة آلاف طفل، وقد يكون الرقم الفعليّ أكبر من ذلك بكثير".
وناشدت المنظمة أطراف النزاع في اليمن، وأولئك الذين بإمكانهم التأثير عليهم، حمايةَ المدنيين، بما في ذلك الأطفال في كافة الأوقات.