تمتهن بعض نساء مناطق المدن الساحلية في حضرموت (جنوب شرقي اليمن) مهنة التنقيب أو استخراج الملح من مواقع قريبة من البحر. وذلك لطول ساحل المحافظة الذي يبلغ حوالي 120 كيلومترًا مربعًا، ابتداء من الطرف الجنوبي الغربي للمحافظة عند الحدود مع مديرية رضوم بمحافظة شبوة شرقًا، وحتى الطرف الجنوبي الشرقي لمديرية الريدة الشرقية وقصيعر عند الطرف الجنوبي الغربي لمحافظة المهرة.
مع العلم أنّ أماكن تواجد الملح الطبيعي لا تشمل جميع مدن الساحل، بل بعضًا منها فقط، وفقًا لعوامل مناخية تهيأ لذلك، حيث يمثل هذا العمل مصدر دخل لعدد من النسوة في المناطق الساحلية بحضرموت.
مهنة شاقة
تقول أم محمد، منقِّبة عن الملح، إنّها ورثت أرضًا تقع في نهاية مدينة الحامي التابعة لمديرية الشحر (شرق اليمن)، حيث تعود هذه الأرض لأجدادها، الذين كانوا يعملون ويمتهنون مهنة استخراج الملح من أماكن يطلق عليها بالمصطلح المحلي والدارج (العيقة)، وهي أماكن تتواجد فيها المياه المالحة، ومن ثَمّ تتحول إلى كميات كبيرة من الملح الطبيعي.
وتصف في حديث لـ"خيوط"، عملية استخراج الملح، حيث يتم حفر الأحواض التي يستغرق عملها فترة طويلة، بدايةً بالحفر، ومن ثَمّ التصفية، يتم ذلك على امتداد الأراضي الموروثة، بعد عملية الحفر للأحواض يتم ترك الحفر لتنبع فيها المياه البحرية المالحة، ومن ثم يُترك لفترة حتى يتغير لون الماء على عدة ألوان، من اللون الأزرق إلى اللون الأحمر، ومن ثَمّ إلى اللون الأبيض، بعدها يتم تركه لأيام لكي يجف من الماء تمامًا، ويعرض على أشعة الشمس حتى يصير ملحًا، وهو ما يسمى "عملية الترسيب".
تمثل مهنة استخراج الملح، مصدر دخل لقرابة 350 امرأة في منطقة ميفع بحضرموت، حيث تتجه هؤلاء النسوة كل صباح إلى مواقع عملهن التي تبعد عن منطقتهن حوالي 50 كيلومترًا، متنقلات على متن شاحنات صغيرة
في هذه المرحلة يتم استخراجه من الأحواض، مع تصفيته وتنظيفه من العوالق التي قد تكون ملتصقة به، نتيجة تركه مكشوفًا لفترة طويلة، وأخيرًا تعبئته في أكياس ونقله إلى البيت، وذلك لعرضه لاحقًا للبيع.
في هذا الصدد، يقول لـ"خيوط"، محمد بن جمعان، أستاذ علم الاجتماع المشارك بكلية الآداب- جامعة حضرموت، إنّ الأعمال التي تقوم بها المرأة ومنافستها للرجال، وخصوصًا في المشاريع والأعمال النوعية، يرجع إلى الظروف المادية التي تعاني منها معظم الأسر اليمنية، خاصة في الوقت الراهن.
مصدر دخل
تمثل مهنة استخراج الملح، مصدر دخل لقرابة 350 امرأة في منطقة ميفع بحضرموت، حيث تتجه هؤلاء النسوة كل صباح إلى مواقع عملهن التي تبعد عن منطقتهن حوالي 50 كيلومترًا، متنقلات على متن شاحنات صغيرة.
تقتسم النساء العمل فيما بينهن، ويتناوبن على المجيء إلى الأحواض على شكل فترات وعلى أيام محددة، حيث كانت هذه المنطقة التي يستخرجون منها الملح غير مأهولة بالسكان، تم نقلهم منها بسبب الكوارث الطبيعية، وبالتالي بقيت المنطقة محل استثمار وعمل لهن يقتات الناس منها عبر استخراج الملح.
ويضيف بن جمعان إلى أنه يجب الاستفادة من هذه المساحات من خلال استثمارها بشكل يسهم في تحقيق وخلق فرص عمل للكثيرين، إلى جانب توفير المعدات والآلات الحديثة التي تساعدهم على إنجاز أعمالهم بسرعة وسهولة، وبعيدًا عن أي مخاطر قد يتعرضن لها.
من ناحيته يتحدث لـ"خيوط"، خميس باحتروش، رئيس جمعية الحسي، بأنّ عمل الجمعية يبدأ بعد استخراج الأهالي للملح، حيث يتم تعبئة الملح في عبوات بلاستيكية ونقله على سيارات نقل صغيرة إلى معمل الجمعية، حيث تقوم النساء بتنظيفه، ومن ثَمّ تعبئته بأكياس بلاستيكية وتجهيزه للخروج به، لبيعه في السوق.
يذكر أنّ إنتاج الملح خلال فصل الصيف في سواحل حضرموت يبلغ 20 طنًّا، وفي الخريف 170 طنًّا وفي الشتاء 7 أطنان، وفي فصل الربيع قرابة 3 أطنان فقط، وكل هذا يرجع إلى الأجواء المناخية التي تؤثر بشكل كبير على عملية تكوين مياه الملح البحري في الأحواض.
ويضيف باحتروش أنهم يسعون إلى توفير الدعم للعاملين في هذا الحقل، سواء من خلال تقديم الدعم المادي أو توفير الأدوات الخاصة بالعمل، إضافة إلى توفير الدورات التدريبية التي تهدف إلى تدريب العضوات، منها: تدريبهن على حياكة شِباك البحر، وتجفيف الأسماك واللخم، وكيفية تصنيع الصيد المالح، وغيرها من الدورات التي تمكّن المرأة في الأرياف، من توفير فرص عمل مناسبة لها، وفقًا للبيئة المحيطة بها.