للمرأة كما للرجل، رغبات وشغف وهواية وأحلام، تجعله يختار تخصصه الدراسي الذي يراه متوافقًا مع ميوله، غير أنّ المرأة في المجتمع اليمني لا تزال مقرونة بقيود وأغلال، تحول دون وصولها إلى تطلعها وشغفها الدراسي، وهي عملية تنميط وقولبة للمرأة ضمن أطر ضيّقة تحدّدها الأسرة والمجتمع والعادات.
وفي حين يعدو الحديث عن التمييز بين الجنسين، مشكلةً كبيرة في الجانب الآخر من العالم؛ ترزح المرأة في المجتمع اليمني تحت وطأة التمييز والتضييق في كل مناحي الحياة، مع وصول الأمر إلى التخصصات الدراسية داخل الجامعات التعليمية.
واقع مؤلم
تحكي إيمان (اسم مستعار)، حكاية حرمانها من قبل عائلتها من دراسة تخصص العلوم السياسية، الذي كانت تطمح من خلاله لخوض هذا المجال المهم على المستوى الوطني؛ توجز ذلك لـ"خيوط"، بحزن وأسى بالغ، بالقول: "رفضوا ذلك لعدة أسباب؛ أهمّها أنّي فتاة"، إذ كانت المبررات التي قدّمتها عائلة إيمان تتلخص في خوفهم عليها من الأذى المجتمعي والسياسي الذي ربما قد يلحقها.
على مضض من أمرها، مراعاة لرغبة والدها، درست إيمان في كلية التربية- قسم اللغة الإنجليزية، وبعد سنة واحدة فقط، قضتها إيمان في دراسة الإنجليزية، تقول: "لم أكن مرتاحة، لذا حاولت التحويل لقسم العلوم السياسية مجدّدًا في السنة التالية، ولكنني قوبلت بالرفض مرة أخرى".
إيمان نموذجٌ مصغر لشريحة كبيرة من الفتيات اللواتي لا يملكن أحقية الرأي في اختيار القسم الدراسي المفضّل لديهن؛ تعبر عن ذلك: "استسلمت لرفض أهلي، وبدأت بالكتابة والتضامن على مواقع التواصل عن أي مظلومية وعن أي قضية أيضًا، خاصة التي تتعلّق بالنساء".
يربط المجتمع المرأة بالمنزل، لذا تقتصر الكثير من التخصصات الجامعية على الرجل فقط، لا سيما التخصصات التي ستمكن المرأة من كسر عتبة المنزل والوصاية، وتدفعها نحو تمثيل ذاتها كمكوّن مستقل، يستطيع أن يثبت وجوده ويكون شريكًا فعَّالًا للرجل في شتى جوانب الحياة وميادينها العلمية والعملية.
كان الاكتئاب بسبب عدم الرضى، هو الشعور الذي رافق إيمان أثناء فترتها الدراسية الجامعية، لعدم اقتناعها بالمجال الذي تخصصت فيه؛ إذ تعبر عن ذلك بالقول: "فقدتُ الكثير من اللغة التي تعلمتها، فيما بعد".
لا يزال عدم مقدرة إيمان على اختيار التخصص يلاحقها، كما تصف ذلك في حديثها: "أنا مواطنة عاجزة عن التغيير الذي سعيت له، أعمل كمعلمة في معاهد اللغة الإنجليزية من الصباح وحتى السادسة مساء، ولم أتمكن من صنع تغيير حتى على مستواي الشخصي".
ثقافة التمييز
تعود أسباب حصر دراسة الفتيات في تخصصات معينة، بدرجة أساسية إلى نظرة المجتمع اليمني للمرأة، وتحديده لطبيعة الأدوار الاجتماعية التي يجب أن يقوم بها كلٌّ من الرجل والمرأة.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، ياسر الصلوي، يؤكّد لـ"خيوط"، على أنّ المجتمع اليمني يعطي أدوارًا معينة للرجل والمرأة، وفقًا لتصوّرات مسبقة لديه، ما الذي تستطيعه المرأة وما لا تستطيعه.
يضيف بالقول: "ما تزال النظرة للمرأة على أنّها كائن ضعيف وتركيبها الجسماني لا يمكنّها من القيام بالأدوار التي هي حصرٌ على الرجال، بسبب النظرة المجتمعية هذه، مثلًا في بعض المهن والتخصصات، إضافة إلى ذلك الاعتبارات الاجتماعية، لأنّ هناك مهن تتطلب الاحتكاك بالآخرين، وهذا يعني بنظرهم أنّها تخصصات تعرّض المرأة لمخاطر مختلفة".
ويرى الصلوي أنّ المعالجات تأتي في عملية تغيير نظرة المجتمع للمرأة، وهي ليست بالعملية السهلة، ولا يمكن أن تحدث بظرف قصير، وإنّما تحتاج مزيدًا من التوعية، وإتاحة الفرص للمرأة بهذه المجالات، حتى تتعاطى مع ذلك تشريعات وقوانين الدولة، إضافة إلى أنّ التحاق المزيد من النساء في المجالات الحصرية على الرجال، وإثبات جدارتهن، يعزّز عملية تبديد الصورة النمطية لدى الناس.
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي، نادر الشرفي، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ المجتمع اليمني يمنح الحق للجميع أن يحلم ويتمنّى ما لم يكن امرأة، فهذا من وجهة نظره هو "الواقع بدون رتوش"، وإن تهرّب الكثير من الاعتراف به.
يربط المجتمع المرأة بالمنزل، لذا تقتصر الكثير من التخصصات الجامعية على الرجل فقط، لا سيما التخصصات التي ستمكّن المرأة من كسر عتبة المنزل والوصاية وتدفعها نحو تمثيل ذاتها كمكون مستقل، يستطيع أن يثبت وجوده ويكون شريكًا فعَّالًا للرجل في شتى جوانب الحياة وميادينها العلمية والعملية.
ويعتبر الشرفي أنّ التضييق على المرأة، من أكبر المشاكل المخِلّة بالنظام الإنساني في مجتمعاتنا، وهي مشكلة التمييز النوعي، مشيرًا إلى أنّ المجتمع اليمني يقف على مسافة بعيدة من واقع العالم اليوم، ويحاول استحضار عصور الماضي ويتشبّث بعاداته؛ الأمر الذي خلق فجوة كبيرة بين مجتمعنا وبين العالم، فهو ينظر إلى التكنولوجيا والإعلام والتقنية وغيرها من المفاهيم العالمية الأخرى على أنّها شيءٌ خارج عن المألوف، يتجاوز حدود عاداته وتقاليده وأفكاره التي يؤمن بها.
تنميط المرأة
إذا ما نظرنا إلى مختلف التخصصات الجامعية، فسنجد أنّ مؤهلات المرأة أكاديميًّا تتفوق في الغالب على مؤهلات الرجل، غير أنّ هذا التفوق لم تتم ترجمته على الميدان بشكل عادل، فالمرأة تصعد بكفاءة ثم تتوقف قبل أن تصل مرحلة إثبات وجودها ميدانيًّا، وهذا التوقف خارج إرادتها في غالب الأحوال، حيث إنّ المرأة ما زالت أسيرةً لعقبات كثيرة، مثل نظرة المجتمع، العادات والتقاليد، الموازنة بين الأسرة والعمل، وغيرها.
ولا شك أن تغيير التفكير الجمعي، يتطلب وقتًا وجهدًا توعويًّا كبيرًا، كي يتقبل المجتمع وجود المرأة في المجال الذي تختاره هي، دون إطلاق أحكامٍ أخلاقية عليها، بالإضافة إلى تأمين بيئة عمل مُرحِّبة وآمِنة للمرأة في الوظائف التي يحتكرها الرجال، فالمرأة قادرة على المنافسة والتفوق طالما اختارت مسارها بنفسها بشغف وقناعة.
الناشطة اليمنية، غيداء محمد، تقول في هذا الصدد لـ"خيوط"، إنّ المعايير المجتمعية والصورة النمطية المسبقة، تلعب دورًا بارزًا في تحديد التخصصات الجامعية الملائِمة للفتيات، حيث يتم استبعاد وتحييد تخصصات معينة لا تتوافق مع الدور الوظيفي الرئيسي المتوقع من الفتاة، وهو دور الأمومة.
وتؤكّد أنّ الأهالي يفضّلون أن تختار الفتاة تخصصًا يؤمّن لها وظيفةً لا تتطلب نزولًا ميدانيًّا أو احتكاكًا بالرجال، أو ساعات دوام مسائية مستقبلًا.
هذا التمييز المبني على الجنس، يتم إمّا بالضغط غير المباشر وتوجيه الفتاة لمسار آخر غير المسار الذي ترغبه، أو بالإجبار في حالات عديدة، فيتم مصادرة حقّ الفتاة، بحسب حديث غيداء محمد، في اتخاذ قرار مصيريّ يحدّد مستقبلها ويتم حرمانها من اختيار التخصص الذي تحبّه وتطمح في مزاولته كمهنة وعمل في المستقبل.