انقضت الأيام الـ16 التي كُرست عالميًّا لمناهضة العنف ضد المرأة، لكنها لم تنقضِ دون أن تواكبها وقائع حية لما تتعرض له المرأة من عنف في اليمن.
في محافظة حضرموت (جنوب شرقي اليمن)، كانت مروى البيتي (29 سنة)، وهي أم لطفلين، على موعد مع جحيم استمر ستة أيام قبل أن تفارق الحياة في أحد مستشفيات المدينة. ففي يوم الثلاثاء 24/ 11/ 2020، أقدم زوج مروى على صبّ مادة البترول على جسدها وإضرام النار فيها أمام ابنيها. مصادر محلية تفيد بأن خلافات عائلية نشبت بين الزوجين طلبت الزوجة خلالها الذهاب إلى بيت أهلها، فمنعها الزوج بحرق حوالي 80% من جسدها، وتركها دون إسعاف لمدة ست ساعات قبل أن ينقلها إلى المستشفى، مفيدًا أنها أقدمت على حرق نفسها.
غير أن الضحية أفادت فريق النيابة الذي حضر لأخذ أقوالها في المستشفى، وكانت ما تزال قادرة على الكلام، بنفي قيامها بإحراق نفسها، كما أفادت بأن زوجها هو من فعل ذلك أمام طفليها؛ الأول بعمر التاسعة، والثانية طفلة بعمر السادسة.
واقعة إحراق مروى ليست الوحيدة من جرائم العنف ضد النساء المسجلة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، في مدينة المكلا؛ فقد سبقتها جريمتا قتل لامرأتين، اتُّهم بارتكابهما زوجاهما؛ الأولى بمنطقة فوة والأخرى بمنطقة الكود، حسب الناشط الكثيري.
وفي حديث لـ"خيوط"، اعتبر الكثيري أن مثل هذه الوقائع "مؤشر خطير يدل على تغيرات في المجتمع الحضرمي، تستدعي تدخلًا سريعًا من قبل الجهات ذات الاختصاص، لبحث الأسباب ووضع المعالجات لها".
مواقف رسمية وشعبية
أثارت قضية مروى البيتي موجة من الغضب في الأوساط الاجتماعية في حضرموت، وبين رواد موقع التواصل الاجتماعي، حيث استنكروا الواقعة واعتبروها منافية لتعاليم الدين الإسلامي والعادات والتقاليد الحضرمية، مطالبين بسرعة محاكمة الجاني وتنفيذ القصاص بحقه.
وتفاعلت الجهات الرسمية بسرعة مع القضية، وأدلى مدير أمن ساحل حضرموت اللواء الركن سعيد علي العامري، بتصريح إعلامي، قال فيه إن الجهات الأمنية باشرت التحقيق في الجريمة التي وصفها بالبشعة. كما أشار إلى أن الجهات الأمنية تحفظت على المتهم بالقيام بالجريمة، وباشرت التحقيق معه وضبطه لإحالته إلى الجهات القضائية، مشددًا أن الجهات الأمنية لن تتهاون مع مرتكبي مثل هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة.
وزار محافظ محافظة حضرموت اللواء الركن فرج سالمين البحسني أسرة الضحية، مبديًا مساندة السلطة المحلية للأسرة المكلومة، وقال إن العدالة سوف تأخذ مجراها "بأسرع وقت". كما وجّه البحسني مكتب الأوقاف في المحافظة بتخصيص خطب الجمعة للتوعية بمخاطر ظاهرة العنف ضد النساء، التي "لا تتوافق مع الدين الحنيف ولا عادات وتقاليد المجتمع".
للمجتمع في حضرموت عادات وتقاليد كغيره في بقية المحافظات اليمنية، والمجتمعات الأخرى عمومًا. ولم تتبلور بعد في اليمن رؤى علمية مؤثرة لدراسة أثر العادات الضارة بالمجتمع، وتلك التي تُعتبر تقاليدَ مرتبطةً بهويته الثقافية.
ظاهرة دخيلة على المجتمع الحضرمي
الناشطة في الحقوق النسوية هدى البكري قالت في حديثها لـ"خيوط"، إن ظاهرة العنف ضد المرأة "دخيلة على المجتمع الحضرمي"، وإن طباع الرجل في حضرموت عمومًا يلاحظ عليها إيجابية السلوك في تعامله مع المرأة.
وترجع البكري تنامي العنف ضد المرأة لما وصفتها بـ"مدخلات خارجية، أهمها تعاطي المخدرات، وتصاعد خطاب الكراهية ضد النساء اللاتي يطالبن بحقوقهن"، وإضافة إلى ذلك "عدم رغبة التركيبة الحضرمية بعمومها في التحدث عن المساوئ والسلبيات المجتمعية؛ للاعتقاد الجازم أن التحدث فيها ينتهك الخصوصية".
وللمجتمع في حضرموت عادات وتقاليد كغيره في بقية المحافظات اليمنية، والمجتمعات الأخرى عمومًا. ولم تتبلور بعد في اليمن رؤى علمية مؤثرة لدراسة أثر العادات الضارة بالمجتمع، وتلك التي تُعتبر تقاليدَ مرتبطةً بهويته الثقافية.
بيان لقبيلة الضحية
وأصدرت قبيلة البيتي بيانًا، استنكرت فيه ما تعرضت له ابنتهم من إقدام زوجها على حرقها أمام ابنيها، اللذَين سيعانيان ضررًا نفسيًّا، فيما شكر البيان وقوف المجتمع الحضرمي ومنظمات المجتمع المدني إلى جانب أسرة الضحية، مطالبين "بالقصاص العادل وفق مبدأ "العين بالعين والسن بالسن". كما دعا البيان أفراد القبيلة "للوقوف إلى جانب أسرة الضحية معنويًّا وماديًّا، حتى تنال حقها"، لكنه نوّه إلى أن الجاني هو من يتحمّل وحده عواقب الجريمة، وأنه "في هذه القضية يمثل نفسه، ولا يمثل قبيلته".
دراسة
في دراسة أجرتها مؤسسة دار المعارف للبحوث والإحصاء بالمكلا في العام 2019، عن ظاهرة العنف ضد المرأة، وذلك بمسح 300 عينة من النساء في مدينة المكلا، أظهرت النتائج أن42 % من النساء في المكلا يتعرضن على الأقل لنوع من أنواع العنف. وبينت الدراسة أن أكثر أشكال العنف انتشارًا هو التحكم السلبي من قبل الرجل، ومن أمثلة التحكم السلبي غضب الرجل عندما تتحدث المرأة مع رجل آخر، والإصرار على معرفة مكان تواجد المرأة دائمًا، يليه الإساءة العاطفية، وأبرزها التخويف أو التهديد؛ حيث أظهرت الدراسة أن 35% من عينة البحث تعرضن لنوع من الإساءة العاطفية. أما العنف البدني فهو أقل أنواع العنف ضد المرأة في حضرموت، بحسب الدراسة التي أفادت بأن 18.7% من عينة البحث، تعرضن للعنف البدني. وهي نسبة مرتفعة في كل الأحوال، قياسًا لحجمها ونتائجها الخطيرة على المجتمع.
وانتقد الصحفي عبدالله الشاذلي نتائج هذه الدراسة، لافتًا إلى أنها "لم تستوفِ الحقيقة الواقعية لما يجري على أرض الواقع"، وأن "القياس على 300 حالة وتعميمها على مدينة المكلا ككل، فيه الكثير من الإجحاف بالمجتمع الحضرميّ"، غير أنه لم ينفِ وجود عنف يمارس ضد المرأة في حضرموت.
وبعد جريمة كهذه، يستمر النقاش حول قضية العنف ضد المرأة، بين اعتبارها ظاهرة تحتاج للدراسة وسن القوانين لمواجهتها، وبين فريق يتحدث عن أن العنف ضد المرأة لا يزيد عن كونه حالات فردية وجرائم جنائية، يجب عدم إسقاطها بالتعميم على مجتمع يدافع رجاله عن التزامهم بالقيم التي تصون حقوق المرأة.