بعد كتبه: دراسات فكرية وأدبية 1977، كتابات 1981، والجمهورية بين السلطنة والقبيلة 1988-2021، دفاعًا عن الحرية والإنسان 2011، صدر للمفكر اليمني الراحل أبوبكر السقاف، وبذكرى وفاته الأولى (تُوفّي 13 ديسمبر 2022) كتابًا خامسًا، عن منتدى الجاوي الثقافي بصنعاء عنوانه (آفاق فكرية وسياسية يمنية)، وهي جزء من نتاج السقاف المنشور في صحف ودوريات مختلفة، قام أصدقاء له بتجميعها وإصدارها في كتاب قوامه 400 صفحة من القطع الكبير. محتويات الكتاب تغطي اشتغالات مختلفة للراحل بقضايا الفكر والسياسة والتعليم والتنمية والاجتماع والاقتصاد.
في موضوع عن (ابن خلدون)، والمنشور أول مرة في مجلة اليمن الجديد في 1981، يقيم السقاف ابن خلدون بأنه "أول مفكر في الحضارة العربية والإسلامية يُفرَد له مكانٌ خاصّ في العلوم الإنسانية، ويذكر ضمن العقول الكبيرة في تاريخ البشرية على الإطلاق. وليس أدل على هذه القيمة السامية لابن خلدون من تخصص المفكرين والباحثين في فرع من فروع الدوحة الوارفة في مقدمته المشهورة، التي أغنت الناس عن تفصيل اسمها، إذ يكفي أن تقول المقدمة فقط ليحضر في عقولنا ذلك السفر الجليل".
في موضوع عنوانه "مشكلة البيئة وقضايا التنمية" ومنشور هو الآخر، في مجلة اليمن الجديد في 1983، يرى السقاف أنه: "ولا وجود للحياة خارج البيئة الطبيعية؛ ولذا ارتفعت الأصوات منذ الستينيات بصورة خاصة في البلدان الرأسمالية، ومنذ السبعينيات في البلدان الاشتراكية للدفاع عن البيئة الإنسانية والطبيعية؛ ذلك لأنّ مخاطر التلوث أصبحت تهدد الحياة نفسها على الأرض في المدى البعيد، وهي مخاطر تتفاقم مع كل اكتشاف جديد يجد طريقه إلى التطبيق في المجالات العلمية والحربية والتكنولوجية، ومن هنا تبدو كلمات أحد المناضلين الأمريكان مفهومة عندما قدم برنامج حزبه على أنه وعد بمراقبة نظافة البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية، والنظافة في الثانية أمر [كذا] أكثر من الدلالة الصحية للكلمة".
وفي موضوع عنوانه "التعليم في اليمن" والمنشور في مجلة قضايا العصر في 1993، يقول: "أما في اليمن فالتعليم بعد القضاء من أكثر المجالات تأثرًا بالمجتمع التقليدي، ولا سيما الأولي منه، والتعليم العام نقطة الضعف الأساسية، ويأتي التعليم العالي ليضاعف بعض جوانبها، بينما يفشل في معالجة جوانب القصور في التعليم العام، ويمكن بإيجاز أن تحدد جوانب القصور الخطيرة فيه، في تدني حصيلة التلميذ في مقررَي اللغة العربية والرياضيات، فاللغة شيء أكبر من أداة، إنّها الفكر بالدلالة الواسعة للكلمة، كما تحددها العلوم الإنسانية المعاصرة، وهي فعلًا "بيت الحكمة" ويقترب كلُّ علم من استحقاق صفة العلم، كلما زاد نصيب الرياضيات في اختيار معاييره، والتحقيق من نتائجه، وإذا كانت الشكوى من أمية خريجي الجامعة في اللغة العربية شائعة؛ فذلك لأنّ الناس يواجهونها كل يوم، ذلك الجزء العائم على السطح من جبل الثلج تحت الماء".
عن "عولمة الفقر" يعتقد أن: "مشكلات الاقتصاد العالمي بدأت تفرض نفسها منذ نهاية الستينيات، وإن كانت مسيرة العولمة قد بدأت باتفاقية الجات عام 1948، في تقدير بعض العلماء. وأصدر "نادي روما" ما عرف بتقرير ميدوز (1972) الذي أراد أن يحمل العالم المتخلف أعباء التطور الاقتصادي العالمي؟
في موضوع "الحاكمية في الفكر السياسي الإسلامي" ينجز تتبعًا تاريخيًّا وفكريًّا لهذا المفهوم الإشكالي، بدءًا من فكرة التحكيم عند الخوارج ثم في مقاربات رواد فكرة النهضة والإحياء الديني، مثل: جمال الدين الأفغاني، وقبله عند رفاعة الطهطاوي باعتباره مؤسسًا لمنحى جديد في التفكير حيال حضارة الغرب، وصولًا إلى حركة الإخوان المسلمين ثم انبثاقه بشكله المتطرف في كتابات أبي الأعلى المودودي وسيد قطب.
الكتاب بمحتوياته المتعددة يقدم صورة واضحة لجملة من القضايا الحيوية التي انشغل بها العالم خلال سنوات القرن العشرين، وكان السقاف أحد قرائها البارعين.