على وشك الوصول إلى منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، كان ماجد عبدالله قد طوى أيامًا من التنقل من محافظة إلى أخرى، مسابقًا الزمان من أجل أن يصل في الوقت الذي حدده له، كفيلة قبل أن يصدمه اتصالٌ يفيد بضرورة العودة إلى اليمن على وجه السرعة، ليس ظرفًا عائليًّا طارئًا، ولا مناسبة ملزمة الحضور.
لا شيء من هذا في ثنايا الاتصال الصادم، بل في مخيلته التي ذهبت إلى هذا قبل أن يعرف أن قرارًا سعوديًّا قضى بمنع دخول المسافرين اليمنيين إلى المملكة إلا بكرت التطعيم من فيروس كورونا، وهنا بدأت رحلة معاناة أخرى لماجد وصديقه اللذين فصلتهما عن القرار والمنفذ السعودي دقائق لا أكثر.
دوّامة البحث والانتظار
لم تسنح الفرصة لماجد بأخذ اللقاح في مأرب شرقي اليمن؛ بسبب الازدحام الشديد، عاد إلى محافظته إب (وسط البلاد)، ومنها لم يكن أمامه من خيار سوى مدينة تعز المحاطة بسياج عسكري فرضته الحرب الدائرة فيها منذ سبع سنوات.
ثلاثة أيام كاملة للعودة من منفذ الوديعة وصولًا إلى تعز، يحكي ماجد لخيوط عن رحلته والإنهاك يتحكم بتفاصيله، كان قد تلقّى اللقاح حين التقيناه، وينتظر على قارعة الطريق سيارة العودة بكثير من التفكير في متاعب السفر ومشقته التي فُرضت منذ بدء الحرب.
ماجد واحد من بين مئات القادمين من المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، واختاروا من مأرب وسيئون وتعز وجهات لتلقي الجرعة الأولى من لقاح استرازينيكا، يأتون من كافة المحافظات مكابدين تكاليف السفر ومشقّاته، وليس مؤكدًا أن يحصلوا على جرعهم كما خططوا لها، فمنهم من ينتظر أيامًا، ومنهم من عاد دون لقاح؛ بسبب نفاد الكميات في المدن المذكورة.
استقبلت تعز (جنوب غربي اليمن) وحدها أكثر من أربعين ألف شخص، أُلزموا بأخذ اللقاح بفعل القرار السعودي، قدموا من مناطق ومحافظات أخرى، مثل إب وصعدة وصنعاء وذمار، وفق تصريح الدكتور راجح المليكي، مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان في محافظة تعز، والذي تحدث أيضًا عن إيقاف مؤقت لتقديم اللقاح والاكتفاء بتطعيم الكادر الطبي؛ بسبب قرب نفاد الكمية المحددة لتعز، التي تتجاوز 75 ألف جرعة. لكن مكتب صحة تعز أعلن عن استئناف العملية في الخامس من مايو/ أيار الجاري، بعد مدة بكميات جديدة من اللقاح.
يقول الدكتور علي الوليدي، وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الأولية في الحكومة المعترف بها دوليًّا، إن اللقاح لكافة المواطنين اليمنيين، لكن سلطة صنعاء -وفق حديثه- ترفض اللقاح
يخضع القادمون من المحافظات التي لم يتوفر فيها اللقاح لظروف الأوضاع المفروضة في المحافظات التي فتحت لهم أبوابها، ليس البحث والانتظار وحسب، بل الحسابات الأمنية والعسكرية أيضًا، ولا مفر من المنغصات المالية بفعل التباين الحاصل في أسعار العملة بين سلطتي صنعاء وعدن.
نأيٌ بالنفس
بينما استأنفت الحكومة المعترف بها دوليًّا حملة التلقيح في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لا تزال صنعاء والمناطق الواقعة في نفوذ سلطة أنصار الله (الحوثيين) محرومة من اللقاح ضد فيروس كورونا.
في هذا السياق، لم تجد "خيوط"، أي تجاوب من قبل المسؤولين في وزارة الصحة العامة والسكان التابعة لحكومة صنعاء حول أسباب عدم وصول اللقاح إلى العاصمة اليمنية، حيث اعتذر يوسف الحاضري عن الرد؛ كونه لم يعد متحدثًا باسم الوزارة من سبعة أشهر، بينما لم يتم الرد من قبل الدكتور محمد المنصور، وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الأولية.
في عدن صرح لـ"خيوط"، الدكتور علي الوليدي وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الأولية في الحكومة المعترف بها دوليًّا بالقول، إن اللقاح لكافة المواطنين اليمنيين، لكن سلطة صنعاء -وفق حديثه- ترفض اللقاح.
وأكدت وزارة الصحة في الحكومة المعترف بها دولياً، أن ١٦٧ الف شخص تلقوا جرعات اللقاح ضد فيروس كورونا المستجد( كوفيد-19) خلال الفترة الماضية.
ويضيف الوليدي أن الصحة العالمية طلبت عشرة آلاف جرعة بهذا الخصوص، على الرغم من عدم معرفة مدى التزامهم بالتنفيذ، إذ لا تزال المنظمة تتولى إدارة هذا الموضوع. وتوقع الوليدي أن تصل اليمن خلال هذا العام 12 مليون جرعة.
ليست السلطات الصحية وحدها من تعمل على رسم سياسة حملة اللقاح الخاصة بفيروس كورونا، بل هناك منظمتان أمميتان لهما صلة وثيقة بعملية الشحن والتوصيل والمساهمة في خطة العمل الخاصة بالحملة الشاملة، وهما منظمتا الصحة العالمية واليونيسف.
توجهت منصة "خيوط" إلى مكتب منظمة اليونيسف في اليمن للبحث في أسباب عدم توفير لقاح استرازينيكا في محافظات حكومة صنعاء، باعتبارها من تعمل على توفير اللقاح والإشراف على العملية بالتنسيق مع السلطات.
كان رد المنظمة عامًّا وتفصيليًّا حول العملية وإجراءاتها: "في إطار منظومة كوفاكس COVAX، وبالتنسيق مع السلطات ومنظمة الصحة العالمية، جلبت اليونيسف 360 ألف جرعة مخصصة لجميع اليمنيين؛ العاملون الصحيون في الخطوط الأمامية، والأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، والأشخاص المصابون بأمراض مصاحبة، هم الفئات ذات الأولوية".
وتوقعت اليونيسف وصول المزيد من الجرعات في الأسابيع المقبلة، هذه اللقاحات مخصصة لعموم اليمن، مؤكدة دعمها للسلطات عمومًا، بإطلاق حملة اللقاح.
وبشكل غير مباشر نأت المنظمة بنفسها عن عملية التنفيذ؛ ففي ردها على تساؤلات "خيوط"، قالت اليونيسف: "دورنا في إطار منظومة كوفاكس COVAX هو إيصال اللقاحات إلى جميع البلدان التي تحتاجها، بما في ذلك اليمن، في حين أن منظمة الصحة العالمية هي وكالة الأمم المتحدة الرائدة لتنفيذ خطة التطعيم بالتنسيق الوثيق مع السلطات، بينما تقع مسؤولية تنفيذ حملات التطعيم وفق اليونيسف، على عاتق السلطات الصحية.
حاولت "خيوط" التواصل مع مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن، الذي اكتفى بالرد على تساؤلاتنا بأنه في صدد تنظيم لقاء صحفي حول عملية اللقاح، وسيوضح كافة التفاصيل المتعلقة بعملية اللقاح في السادس من الشهر الجاري.
تحت طائلة المهاترات
لم يكن وباء فيروس كورونا وانتشاره في اليمن طوال الموجتين بعيدًا عن الحسابات السياسية، وذات الحكم طال لقاح استرازينيكا منذ وصوله اليمن، فخلال توزيع الكميات للمحافظات اليمنية كانت محافظات صنعاء والحديدة وإب ضمن خطة التوزيع، لكن وزارة الصحة في حكومة صنعاء طلبت عشرة آلاف جرعة فقط، وتم تقليصها لاحقًا إلى ألف، بحسب ما أوردته منظمة الصحة العالمية في اليمن.
في تقرير لها، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش: "إن سلطات الحوثيين في اليمن تحجب المعلومات حول مخاطر فيروس كورونا وتأثيره، وتقوّض الجهود الدولية لتوفير اللقاحات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، منذ بداية انتشار الوباء في اليمن".
وقال مايكل بيج، نائب مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، إن القرار المتعمد من سلطات أنصار الله (الحوثيين) بإخفاء العدد الحقيقي لحالات كورونا ومعارضتها للّقاحات يهددان حياة اليمنيين.
ليست هناك خلافات جذرية تمنع من حصول مواطني كافة المحافظات على جرعة اللقاح، هناك حسابات سياسية دقيقة بأبعادها التي فرضتها الحرب خلال السنوات الأخيرة تقف وراء عدم حصول مئات الآلاف في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين على لقاح استرازينيكا، ما جعلهم يتجشمون عناء السفر ومأساة الانتظار للحصول على إذن قسري للدخول إلى أراضي الشقيقة المثيرة للجدل بقراراتها ذات الصلة باليمنيين دونًا عن سواهم.