انتخابات الإرادات.. ماراثون لم ينتهِ بعد

أمريكا قبل نوفمبر 2020 غيرها بعد منتصف يناير 2021
عبدالرحمن بجاش
November 8, 2020

انتخابات الإرادات.. ماراثون لم ينتهِ بعد

أمريكا قبل نوفمبر 2020 غيرها بعد منتصف يناير 2021
عبدالرحمن بجاش
November 8, 2020

   لم يعد لدي وقت -الآن الواحدة ظهر السبت 7 نوفمبر- يبدو أن النتائج النهائية لا يزال الوقت مبكرًا لإعلانها. ماذا أفعل؛ فالزميل لطف الصراري منتظر، وعليَّ الالتزام.

    بغض النظر عن كل شيء، بغض النظر عن رأينا بأمريكا، بعلاقتنا بها، سواء الشخصية أو الرسمية، بغض النظر عن الصرخة، بغض النظر عن وصفنا لها بالإمبريالية، بغض النظر عن رأيها بنا كعرب وبقضايانا.

     بغض النظر عن اعتبارات كثيرة، فلا يمكن لنا إلا الإعجاب بهكذا انتخابات، أحدثت حراكًا نشطًا في العالم كله، واستطاع هذا الرجل "ترامب" أن يشغل الكون كله من واشنطن إلى أقصى قرية يمنية تصلها الكهرباء، الرجل ليس سيئًا إلى درجة القبح فقط لأنه أتى من خارج النخب المعروفة، فقد ظهر فجًّا بما فيه الكفاية، ثم هو يمثل اليمين المتطرف داخل أمريكا، وقد اتهم بيلوسي وحزبها باليسارية!!!

    رأينا بأم العين والأذنين كم هي أمريكا كبيرة مساحة، و50 دولة اسمها الولايات المتحدة الأمريكية، لا نستطيع بالمطلق أن ننكر تحكمها في الكون باعتبارها أكبر دولة، دورًا ومساحة وإمكانيات هائلة وتقدم لا حدود له.

    سيصار بعد إعلان النتائج الإشارة دائمًا إلى ما قبل انتخابات 2020، وبعدها، فقد حركت أمريكا وغيرت وجهها وصار على من له قدرة على التحليل أن يقرأها قراءة أخرى بعد هذه الهزة العظيمة التي لها ارتداداتها حتى اللحظة على مستوى العالم.

    سواء رحل ترامب أم بقي، فأمريكا وتوازناتها الداخلية، وعلاقتها بخارجها لن تظل كما كانت، وهنا تكمن أهمية قدرة تلك المجتمعات ونخبها على إحداث هزات في الجسد الضخم في سبيل عملية التغيير التي تجري كل أربع سنوات، وتجدد كل شيء في حياتها وتعطي أملًا جديدًا للإنسان في إمكانية أن يتقدم ويحكم. وحدهم الأغبياء من لا يفهمون هذا، وخاصة الحاكم العربي الذي يظل حاكمًا إلى أقصى درجات الملل، فإذا قالوا له يكفي، كشر بالسلاح واختلف بالسلاح.

سيكون علينا كعرب ويمنيين أن نواجه أمامنا السؤال التالي:

متى؟ متى سنصل إلى ما وصلوا؟ يظل السؤال مفتوحًا إلى ما لا نهاية.

    وانظر، فبرغم تحليلات العرب الساذجة وحتى وسائل إعلام كبيرة من نوع: "ترامب يرفض ترك السلطة!! ماذا لو فعل؟ حرب أهلية، بيع 17 مليون قطعة سلاح،..." إلى آخر التكهنات الساذجة. تابعت ليلة أمس الجمعة من قناة "روسيا اليوم" ما كان يعجنه أحد مراسليها عن التجمعات التي تستعد: "المسيرات والتظاهرات"، فإذا بالكاميرا تقول شيئًا آخر، بضعة عشرات يعبرون عن رأيهم، وأضفت أنا وبدون أسلحة.

    انظر إلى المفردات التي ترددت: "الدستور، القانون، المدعي العام، محاكم الولايات، العدل، فرز الأصوات، المحكمة العليا، قاضي، قضاة، تويتر تحجب تغريدة لترامب، حكام ولايات يوجهون اللوم لترامب...". لم نسمع بالمطلق مفردات من نوع: "سلاح، الجيش، انقلاب،..." إلى آخر مفردات قاموس العالم الثالث أو الرابع لا فرق.

     كنت توقعت عودة ترامب، وبغض النظر عن عودته عند نشر هذا من عدمه، فقد اختلطت الأوراق في ذهني، وبنيت توقعي على الدعم الذي افترضنا من قبل اللوبي اليهودي لترامب، المفاجأة أن 77% من أصوات اليهود الأمريكيين ذهبت إلى بايدن، وهي تبين أن اليهود يتعاملون مع الأمر برمته كمواطنين أمريكيين أولًا، يهمهم مواجهة كورونا والضرائب والصحة والإجهاض والفرص الوظيفية أكثر من إسرائيل. هذا القول ليس اعتباطًا، اليهود يدركون أن إسرائيل جزء من مصلحة أمريكا، ولذلك فسياستها ثابتة تجاهها في ظل أي إدارة جمهورية أو ديمقراطية.

    كان هناك من يتوقع أن يصدر أي بيان من إسرائيل يؤيد ترامب، وهذا لا يمكن، إسرائيل ستتعامل مع أي إدارة لإدراكها أن مصلحة أمريكا في بقائها قوية وشرطي في منطقة الثروات.

    العرب أولًا كأمريكيين لا وجود لهم برغم عددهم، وكالعادة يضع الحكام العرب أياديهم على قلوبهم انتظارًا لمن يحكمهم خلال السنوات الأربع القادمة، ولذلك فقد كان السؤال عن رأيك هل ستتغير سياسة أمريكا تجاه العرب؟! سؤالًا سطحيًّا؛ إذ المعروف أن السياسة الأمريكية بخطوطها الاستراتيجية لا تتغير فجأة وحسب مزاج من يأتي إلى البيت الأبيض، وهنا الفرق بين دولة تحكمها مؤسسات، ودولة يحكمها فرد بمزاجه الشخصي وسلاح جيشه!

ما الذي فعله هذا الرجل ترامب؟

    تعامل مع الإدارة كرئيس من اليمن يدير بلاده بالتليفون، وترامب أدارها بالتغريدات! ولم نرَ رئيسًا أمريكيًّا يتعامل مع الأمور الأهم من خلال "التويتر"، بينما الرؤساء يصلون أنفسهم بالجمهور من خلال الناطق الرسمي والبيانات ذات الطابع الرسمي، الرسائل المتضاربة التي يرسلها حيال أي قضية أو مشكلة أربكت العالم، يتقدم، يتأخر، يتراجع.

    طريقة تعامله مع جائحة "كورونا"، أظهرت أمريكا البلد العظيم وكأنه بلد في العالم العربي!

    مع الصين أثبت أنه ليس متمرسًا بالعمل السياسي، حيث لم تهتز شعرة واحدة في رأس الصين! فما بالك ببوتين، أما حكاية الكوري الشمالي فحكاية أخرى.

ظهر بايدن بصورة أخرى تمامًا؛ ففي الوقت الذي ملأ ترامب الدنيا ضجيجًا، وكلنا قلنا بعودته، حافظ العجوز الشاب على لياقته، وتعامل مع الأمر رغم نفاد الصبر من هذا القلق الذي هو عليه العالم وأمريكا، وقال بهدوء مبالغ فيه: "سنفوز"

    هذا التقييم يسري حتى لو استمر رئيسًا للفترة القادمة؛ حيث سيكون عليه مواجهة الصين في بحرها الجنوبي في الثروات التي يسيل لها اللعاب هناك.

    رفع ترامب التوقع الشخصي إلى أبعد مدى وحارب الجميع، سواء خارج الحدود أو داخلها، ولن ينسى العالم ذلك المشهد وقد أدار ظهره لبيلوسي، رئيسة مجلس النواب، التي مزقت خطابه عن حالة الاتحاد أمام الملأ، وتخاطب اللحظة بايدن بـ:"الرئيس المنتخب"! فقط هو خروتشوف يقابله في حمق التصرف عندما ضرب طاولة خطابة الأمم المتحدة بحذائه! لم يتصرف مثلهم القذافي الذي كان يصر على نصب خيمته أمام مبنى الأمم المتحدة، وهو فنان عربي لو تعلمون.

    بسبب كل الخروج عن المألوف حتى إذا بقي رئيسًا، فقد بدا الآن أن الحزب الجمهوري بدأ ينأى بنفسه عن الرئيس؛ لأنه تصرف بأخلاقيات بلطجية الشوارع، فراح يوزع الاتهامات يمينًا وشمالًا عن تزوير لم تستطع حملته تأكيده بأي دليل! وسيكون بعيدًا عنه لو عاد بحكم المحكمة أو حدوث معجزة!

    "تويتر" وصف ادعاءاته بـ"المضللة"، المجلس الأمريكي لنزاهة الانتخابات وصفها بأنها "ستضرب القائمين على العملية الانتخابية".

    أكثر من سيناتور جمهوري رفضوا فكرة وقف فرز الأصوات: "هذا يسيء للديمقراطية"، هناك من اعتبره يومًا مخجلًا بسبب مطالبته بوقف الفرز، واتهامات بالتزوير! "بعضهم بدأ يطالبه الاعتراف بالهزيمة، والسبب أن الرجل يتصرف بعنجهية وغرور مبالغ فيهما، وأثبت أنه أحسن من مثل دور الرئيس، كما قال د. ياسين الشيباني.

     كنت كلما شاهدت بايدن بجانب ووراء أوباما المتألق -الذي اعتبره أنا رئيسًا استثنائيًّا للبعد الإنساني المتوافر في شخصيته، كنت أترحم عليه- بايدن الآن ظهر بصورة أخرى تمامًا، ففي الوقت الذي ملأ ترامب الدنيا ضجيجًا، وكلنا قلنا بعودته، حافظ العجوز الشاب على لياقته، وتعامل مع الأمر رغم نفاد الصبر من هذا القلق الذي هو عليه العالم وأمريكا، وقال بهدوء مبالغ فيه: "سنفوز".

     نحن العرب عاطفيون، كأن يأتي أحدهم وقد خزّن "تخزينة" أطلقها مدوية: "انتصرنا على أمريكا"، هكذا دفعة واحدة.

    تحليلاتنا أو قراءتنا تتأثر بتعامل أمريكا مع العرب الرسميين، وثروات المنطقة التي أهدرها الحاكم العربي لخضوعه، خوفًا على السلطة؛ ما ذنب أمريكا إذا كنت تهدر حقك؟! 

    جاء بايدن، أو استمر -بمعجزة- ترامب! ما الذي سيكون على صعيد علاقتها بالعالم؟ لن يتغير الكثير، والشعارات التي تطلق على الدوام إبان الحملات الانتخابية، لا يمكن العمل بها حرفيًّا، فالسياسة لها متطلبات الواقع.

    تجاه المنطقة العربية، سيظل الأمر رهنًا بالضعف العربي. القضية الفلسطينية ستظل رهينة الوعود ونتائج الانتخابات؛ لأن لا فعل على الأرض.

   أيا يكن الحال، وأي منهما سيدخل البيت الأبيض، فلن تعود أمريكا كما كانت، فهذه الانتخابات غير كل ما مرّ، وعلى من يجيد القراءة أن يقرأ جيدًا المتغيرات، وخاصة داخل الحزب الجمهوري.

إذا ما عاد ترامب فسيكون عبئًا إضافيًّا على نفسه، وحزبه، وعلاقة أمريكا بالآخرين.


•••
عبدالرحمن بجاش

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English