تواجه النساء في مختلف مراحلهن العمرية، صنوفًا شتى من العنف، تتفاوت نسبته وأشكاله، لكنه يمارَس بطريقة ممنهجة وجمعية، فقد تُحرم الفتاة من التعليم أو تُجبر على الزواج المبكر في مراحلها الأولى، وحين تنضج تواجه العديد من هؤلاء النساء عنفًا في المنزل قد يمارسه الزوج، أو في مكان العمل، وحتى في المجال العام، يقابل هذه الممارسات ركاكة في آليات الحماية، سواء المجتمعية أو الحكومية، وغياب شبه تامّ للأنظمة والقوانين الرادعة.
ويرجع ذلك إلى بقاء الأسباب ذاتها حجرَ عثرة أمام مناهضة الأشكال المختلفة للعنف الذي تتعرّض له النساء؛ إمّا بسبب عدم إعمال القوانين، أو بسبب قصورها، أو حتى بسبب بعض التفسيرات الدينية المغلوطة التي حوّلها الوعي المجتمعي -الذي يغلب عليه طابع إدانة المرأة- إلى مسلمات تتضمّن ممارسات فيها انتهاكات جسيمة لحقوق المرأة كإنسان أولًا، وكمواطنة ثانيًا لها ما للرجل من حقوق متعلقة بحق الاختيار والتعليم والصحة والترشح والترشيح.
وبالتزامن مع استمرار الحرب في البلاد، زاد العنف ضدّ اليمنيات كمًّا، ونوعًا؛ نظرًا ليقين القائم بالعنف، سواء كان فردًا أو جماعة أو سلطة، بأنه لن يطاله العقاب، إذ لا دور ملموس للقضاء، ولا للجهات الأمنية المختصة في حماية المعنفين، ومسألة منتهكي حقوق الإنسان، وفي مقدّمتهم الفئات الضعيفة، ممثّلة بالنساء والأطفال.
فضلًا عن انتشار عادات وتقاليد توفر الحماية المعنوية لمن يقترف أيّ شكلٍ من أشكال العنف بحق المرأة، كما لو كان على حقّ طالما كان ذكرًا، أو صاحب سلطة على المرأة التي تتحول من ضحية إلى مُدانة.
زيادة العنف
في هذا الصدد، أكّدت منظمات حقوقية على رأسها هيومن رايتس ووتش، أنّ نسبة العنف ضدّ المرأة في اليمن زادت بنسبة 63%، بحسب تقرير أصدرته في 2022، يتناول وضع النساء في ظلّ الصراع المستمر منذ سنوات.
المرأة التي تمنحها العائلة الحماية، تستطيع مواجهة كل التحديات التي تواجهها، ولو وقف كل المجتمع ضدّها.
ويمثّل العنف الأسري واحدًا من أبرز أشكال العنف السائد في اليمن، وهو النوع الذي ركّزت عليه منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، في دراسة لها نُشرت في أغسطس/ آب الماضي، بعنوان "جدران هشة"، قالت فيها: "يتم التعامل مع العنف الأسري عمومًا، باعتباره شأنًا داخليًّا، يحدث في نطاق المنازل، ولا يجوز أن يتدخل الآخرون فيه؛ لأنّ العنف يمارسه أفراد الأسرة، مثل الأب أو الزوج أو الأخ، الذين يملكون السلطة الممنوحة لهم من قبل المجتمع الذكوري في اليمن".
وتشير الدراسة إلى بعض القصور في القوانين الخاصة بـ(حوادث العنف الأسري)، والتي تخضع لـ"أحكام عامة في القانون الوطني، وتتضمّن العديد من الأحكام التمييزية التي تسمح بممارسة العنف ضدّ المرأة وتتغاضى عنه".
ولا تختلف أسباب العنف الأسري كثيرًا عن بقية أسباب أشكال العنف الأخرى، بحسب الدراسة، إذ "يمثّل الخلل في البنية الاجتماعية للأسرة كأول جدار حماية صلب لأفراد الأسرة، خللًا في القيم المجتمعية وأعرافها، وفشلًا في هيكل الدولة وقوانينها ومؤسساتها المختلفة، بما في ذلك الشرطة ومؤسسات القضاء".
حلول مختلفة
وفي ظلّ هذا الواقع، تحتاج الحلول العملية المطروحة لإرادة سياسية فقط، بحسب منى السقاف، مديرة إدارة المرأة في وزارة حقوق الإنسان بحكومة صنعاء، وتضيف السقاف، في حديث لـ"خيوط": "هذه القضية تحتاج لتكاتف جهود الجميع للحدّ من العنف، وهذا بدوره يتطلّب وجود قناعة لدى المرأة والمجتمع وصنّاع القرار للقيام بذلك، كوننا مجتمعًا مسلمًا لدينا عدد من نقاط القوة التي جعلت المرأة شريكًا مكملًا وأساسيًّا في بناء المجتمع".
وتسترسل السقاف قائلة: "يمكن بناء سياج حماية متكامل للمرأة، عبر إنفاد القانون الذي يكفل لها حقوقًا عادلة ومتساوية مع شريكها الرجل، بالإضافة إلى تعديل القوانين التي ساهمت بشكلٍ أو بآخر في تفشي ظاهرة العنف، خاصة أنّ هناك مقومات في الشريعة الإسلامية تدعم وتساند الاتجاه في مشروع مناهضة العنف وتحجيمه".
بدورها، تؤكّد الإعلامية، سحر الجبلي، على أهمية دور العائلة في حماية المرأة من العنف؛ لأنّ الحماية إذا لم تأتِ من الأسرة، لن تأتي في مواطن أخرى، في ظلّ بيئة تساهم على التمييز بين الجنسين".
وتتابع الجبلي: "المرأة التي تمنحها العائلة الحماية، تستطيع مواجهة كل التحديات التي تواجهها، ولو وقف كل المجتمع ضدها".
من جانبها، تقترح سمر، مواطِنة، في حديث لـ"خيوط"، أنّ على النساء اللواتي تعرّضن للعنف الاستفادة من القانون الإيجابي لحماية المرأة عبر المطالبة بتطبيقه، إلى جانب توعية وتوجيه النساء المعنفات، ومطالبة من لهم الدور الأكبر للحدّ من العنف، من أسرة ومجتمع".
التمكين والوعي
تعتبر اللجنة الوطنية للمرأة، من أبرز المؤسسات المعنية بالدفاع عن حقوق النساء، ولديها مقترحات مختلفة للحدّ من العنف، كما تقول ذكرى النقيب- مدير عام الإدارة العامة للتنمية في اللجنة. تذكر النقيب في حديث لـ"خيوط"، بعضًا منها: "المساهمة في تمكين المرأة مجتمعيًّا، ومنحها جميع حقوقها، وجعل كل الطرق مؤَمّنة أمامها، بالإضافة إلى إشراكها في كثيرٍ من المجالات وزيادة وعيها وإدراكها".
وتضيف النقيب: "يتوجب على الرجل أن يكون حاميًا للمرأة، لا عامل هدم لدورها ومكانتها في المجتمع، ويتم ذلك عبر تكثيف الحملات والبرامج التي تحدّ من هذه الظاهرة".
وبروحٍ واثقة، ترى الصحفية أحلام جوهر، في حديث لـ"خيوط"، أنّ "الحماية من العنف بالإمكان تثبيته وتدعيمه من خلال مساعدة المنظمات الحقوقية والجهات المعينة التي تدعم المرأة، خاصة في السنوات الأخيرة التي تمكّنت فيها عددٌ كبير من النساء من حماية أنفسهن من شتى أنواع العنف التي واجهنها من قبل الأسرة أو المجتمع".