سهيم علي عبدالسلام القباطي (39 سنة)، خريج المعهد الصحي بمحافظة صعدة 2003، وحاصل على الدبلوم العالي كمساعد طبيب. تزوج في ديسمبر/ كانون الأول 2010، وسكن حينها في شارع (بن سلمان) بمدينة صعدة.
في عام 2012، رزق سهيم بطفله الأول. كان حينها يعمل في المستشفى الجمهوري بصعدة، والذي عمل فيه لعامٍ واحد، قبل أن يتم نقله من قبل مدير عام مكتب الصحة آنذاك، عمر مجلي، الذي يصفه سهيم بالمتعنت، إلى مديرية كتاف- البقع النائية، حيث لا مواصلات، ولا وسائل تواصل اجتماعي.
عمل هناك لمدة ثلاث سنوات، وفي الـ24 من يونيو/ حزيران 2017، وقع حادث في حياة سهيم غير مجرى حياته؛ سقطت زوجته من شرفة الدور الثالث وفارقت حياتها، بينما كانت تقوم بنشر غسيلها، ما أدى إلى اعتقاله مدة تسعة أيام، غاب خلالها عن الوعي ليومين تحت تأثير الصدمة.
لقد كان لديه منها طفلان، عبدالله وفارس، ما فاقم من متاعبه، وقد وجد نفسه يقوم بتربية أطفاله إلى جانب عمله، وانقطاع الرواتب، فأصيب بمرض الخفقان. قرر الطبيب المعالج أنه يحتاج لإجازة مرَضية للراحة، وصرف له بعض الأدوية.
ربط حبلًا في السقف، لكن صاحب الطاحون ويدعى أبو أشيب، اكتشف الأمر، فوجد نفسه مرة أخرى -مطرودًا- في الشارع. وفي غمرة التشرد والضياع والشعور بالفوضى الداخلية، تذكر سهيم صديق دراسة قديم، فقام بالاتصال له بما تبقى من رصيد مجاني في هاتفه
عاد سهيم بعد ذلك للعمل في قسم الطوارئ بالمستشفى الجمهوري، مقابل مبلغ زهيد يقيم أوده وأطفاله، ثم انتقل إلى برنامج مكافحة السل في المستشفى نفسه، وبقي هناك لمدة سنة، قبل أن ينتقل إلى مديرية الصفراء للعمل مع منظمة رعاية الطفل، والتي عمل معها لمدة عامين.
تناهى إلى مسمع سهيم أن الحكومة المعترف بها دوليًّا، قامت بصرف العاملين في القطاع الصحي، فغادر عمله مع المنظمة، وبالفعل استلم رواتب تسعة أشهر، سدّد بها ما عليه من ديون، وانتظر تسعة أشهر أخرى، ولم يأتِ شيء، لقد تم إيقاف الرواتب بسبب قيام جماعة أنصار الله (الحوثيين) بمنع تداول العملة الجديدة، ما أعاق عملية الصرف.
سعى سهيم جاهدًا للبحث عن عمل آخر، فوجده في صيدلية بمنطقة سوق الليل، مديرية سحار، محافظة صعدة، وبقي هناك لسنة أخرى، بالرغم من أن المصاريف التي كان يستلمها نظير هذا العمل لا تفي بشؤونه الشخصية، اضطر معها مالك الصيدلية إلى بيعها، وطرده من السكن الذي كان قد وفره له.
هكذا وجد سهيم نفسه مشرّدًا، وبدون مأوى، فلجأ إلى صاحب طاحونة في السوق، وطلب منه أن يسمح له بالمبيت داخل غرفة الطاحون، متجاهلًا فوضى المكان والصوت الضاج والمضجر للآلة الطاحنة، وفي ليلة من ليالي يناير/ كانون الثاني 2021، فكر بالانتحار.
ربط حبلًا في السقف، لكن صاحب الطاحون ويدعى أبو أشيب، اكتشف الأمر، فوجد نفسه مرة أخرى -مطرودًا- في الشارع. وفي غمرة التشرد والضياع والشعور بالفوضى الداخلية، تذكر سهيم صديق دراسة قديم، فقام بالاتصال له بما تبقى من رصيد مجاني في هاتفه.
صديقه لم يتعرف عليه في البداية، لقد تغير صوته، وأصبح متقطعًا، لكن تشوبه بعض الثقة من أنه قد يجد ملاذًا له لدى صديقه، خاصة وأنه كان قد سمع قبل فترة، أنه صارت لدى الأخير صيدلية، قال سهيم لصديقه: "خذني إليك، سأعمل معك بالمجان، لا أريد سوى أن آكل وأشرب وأنام. إذا لم تستجب لي، ستأتي غدًا وأنا جثة هامدة".
وبالفعل، كان قد قرر سهيم أن ينتحر في اليوم التالي، ما لم يأتِ له صديقه، لكنه -ويا لحسن حظه- قدم إليه من قرية محضة مديرية الصفراء، وأخذه للعمل عنده في الصيدلية، ومع الأيام قام بعمل جلسات دعم نفسي، مع ذلك لا يزال يعمل دون راتب. إنها قصة لا تنتهي هنا، طالما لا تزال هناك حرب، ولا يزال هناك من يأكل راتب سهيم الحكومي ويحرمه منه.