الوحدة اليمنية وجلد الذات

البحث عن طريقة مثلى لصياغة وجودنا المشترك
أنجي البيضاني
June 2, 2024

الوحدة اليمنية وجلد الذات

البحث عن طريقة مثلى لصياغة وجودنا المشترك
أنجي البيضاني
June 2, 2024
.

الحديث عن موضوع الوحدة اليمنية وإعلان قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 ذو شجون وتكتنفه الكثير من الآلام والأحزان والحسرة والغضب أيضا، بسبب ما آل إليه الحال، بغض النظر عن كون الوحدة كانت حلما جميلا في تاريخ اليمنيين المعاصر طال أمد تحقيقه، وحين تحقق على عجل توجب الإمساك به وتثبيته بصفته أمرا واقعا دون الكثير من الفحص والقراءة.

تناول موضوع الوحدة كما تم الحديث أو الكتابة عنها دائما ما يتشعب كثيرا إلى الحد الذي لا نستطيع فيه أن نترك أي جانب من جوانبها المختلفة والمتعددة والتي شكلت النتائج الرهيبة التي تمخض عنها هذا الفعل السياسي، لم لا وهي الحدث والفعل الأعظم الذي اكتسب تاريخية الوجود زمنا ومكانا بالنسبة للجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. 

تحقق سريع وفشل ذريع

نحن لا نستطيع الحديث أو الكتابة عن قضية الوحدة دون التطرق للكثير من الجوانب المرتبطة، بها سواء شكلت هذه الجوانب عوامل تحقيقها السريع أو نتائج فشلها الذريع. ولأننا أيضا وجود بشري على هذه الجغرافيا، فنحن نملك الحق في السؤال والتساؤل، و في البحث والتنقيب عن مغزى وجدوى الكثير من المفاهيم المرتبطة بالأحداث التاريخية التي مرت بنا طيلة ثلث قرن منذ قيام الوحدة، وعن حقيقة القيم والمبادئ التي شكلت أحلامنا الوطنية وآمالنا المستقبلية، كما يحق لنا أن نحاسب ونعاتب وننتقد ونناقض كل ما يتصل ويتعلق بمصيرنا ومصير أجيالنا اللاحقة من قضايا وأحداث وأفعال تصدر عن الساسة وهم في منبر القيادة، ونمتلك الحق بالإمساك بالقلم بدلا من السوط لنجلد من يستحق الجلد منهم لأفعالهم السيئة والتي قد تعد أحيانا جرائم حرب في حق الشعب اليمني في الشمال والجنوب. 

يتبادر إلى ذهني الكثير من الأسئلة المتعلقة بالوحدة اليمنية التي كانت مبدأ أو مفهوما له قيمة إنسانية وحضارية جيدة، يحلق في سماء المبادئ الوطنية السامية للشعب اليمني، وإذا بها وقد صارت كتلة كارثية عقيمة وقبيحة على أرض الواقع . لقد تم إفراغ محمولاتها الأخلاقية، ودفن قيمتها الحضارية في أعماق قاحلة كانت تحلم دوما بهطول المطر.

هل استحق الحلم بالوحدة اليمنية، بصفتها قيمة إنسانية وحضارية امتلكت كل هذا الزخم الثوري والأدبي والوطني والشعبي والسياسي والاجتماعي الذي رافق المراحل التاريخية التي مرت بها الجغرافيا اليمنية، هل استحق تحقيقه (أي الحلم) على أرض الواقع تلك الطريقة التي تم بها ؟ ألم يكن هناك وحدة اجتماعية ونفسية وارتباط معنوي شديد بالقضايا المصيرية من قبل غالبية سكان هذه الجغرافيا؟ لماذا لم يتم الاكتفاء بهذا النوع الطبيعي من الارتباط البشري والأخوي الذي ساد زمنا طويلا، ولم يخلق من المآسي الفظيعة ما خلقته الوحدة؟ هذه الوحدة التي تمت على أساس الضرورة السياسية التي اُقرت بشدة من قبل القيادات السياسية في الجنوب اليمني أكثر منها لدى القيادات السياسية في الشمال.

أكانت العوامل التي أدت الى تحقيق الوحدة اليمنية ترتبط كثيرا برغبة الشعب وحلمه الكبير كما يقال، أم أنها ارتبطت بمصالح معينة للقيادة السياسية التي كانت ممسكة بزمام الأمور جميعها في البلاد؟ هل كانت ضرورة ملحة ومطلقة لمصلحة الشعبين؟ أم أنها ليست بهذا المستوى من الضرورة التاريخية المصيرية؟ وكان بالإمكان تأجيلها الى الوقت المناسب؟ ألم يكن في الإمكان أن تتحقق في ظروف أخرى؟ وفي سياق تاريخي أوضح من هذا؟

أهي حدث يُدخِل الساسة في قلب التاريخ أم هي حدث يخرجهم منه من أوسع أبوابه دون نعوت بطولية؟ أهي حقا بلسم لكل أمراض الوطن والتاريخ وهذا زمانها المنتظر؟ أم إنها حقيقة تصبغ التاريخ والسياسة معا بالحماقة والطيش، بالغباء السياسي وقلة الحيلة، بانعدام الدهاء وقصر النظر في أحد الأوجه، وغدر ومكر، احتيال و طمع وجشع، جهل ورعونة في الوجه الآخر للتاريخ؟

يحق لنا أن نتساءل ونستنكر ونشجب أيضا وقد عصفت بنا هذه الوحدة وفرقتنا شذر مذر، واقتلعت معها الكثير من الأحلام والأمنيات التي توسمها الشعب اليمني شمالا وجنوبا، اقتلعت أحلامه وأمانيه بمستقبل أفضل له ولأجياله القادمة. 

إن استخدام الأهداف السامية للشعب اليمني واستخدام تاريخ أحلامه الوطنية في التعايش السلمي المشترك شمالا وجنوبا، من أجل موائمة وملائمة مفهوم الوحدة اليمنية الراهنة -وهي وللأسف باتت قضية مهترئة، ليس بفعل السنين وإنما باهتراء كل مبادئها الإنسانية- في سبيل إيجاد صيغة أو شكل لتثبيت محتواها ووجودها على أرض الواقع، لهي عملية مرهقة ومتعبة شكلت عبئا ثقيلا على المجتمع اليمني شمالا وجنوبا على حد سواء. 

لقد تم اغتيال الوحدة اليمنية باعتبارها قيمة حضارية يعتز بها الشعب اليمني، حينما تزامنت عملية الانتحار السياسي للحزب الاشتراكي اليمني بالتحامه بمشروع السطو المتجذر في عقلية القوى السياسية التقليدية المتحكمة في شمال اليمن.

الوعي بحقيقة الأحداث المأساوية التي رافقت قيام الوحدة اليمنية الموءودة يتطلب منا توجيه الاتهامات الحادة والنقد اللاذع، ليس لغرض جلد الذات وإنما لهدف إعادة الصياغة العادلة والمتكاملة للوحدة بصفتها قيمة حضارية ذات أبعاد إنسانية نبيلة وجميلة تصب في خدمة الإنسان والحفاظ على كرامته وإغناء وجوده بحياة كريمة يتعالى فيها العدل والخير والمساواة والحرية.

البحث عن معايير مختلفة

لقد طالت عملية الانتحار السياسي هذه مفاصل دولة استقامت أكثر من عشرين عاما، وتم التضحية بكل سهولة بكيان دولة كان من الممكن أن يكتب لها مستقبل آخر إذا ما نحت نحوا آخر في ممارستها السياسية، لا سيما وهي عالقة في مشروع البحث عن الحقيقة ومحاولة النهوض من جديد بعد كبوتها وسقطتها المدمرة الأخيرة في 13 يناير 1986. كما طالت هذه العملية الانتحارية مستقبل شعب رضخ في السراء والضراء لقيادة متخبطة ومتعثرة في سيرها على مدى مراحل زمنية مختلفة. جريمة سياسية تمت تحت مسميات نظرية لمفاهيم إنسانية واجتماعية لم يكن قد حان أوانها بعد، بهدف وضع النقاط على حروف التاريخ وكتابة سطوره. 

وكما هو مشروع السطو والنهب المختمر في عقلية الحزبين الرئيسن في شمال اليمن (المؤتمر + الاصلاح) فلقد كان مشروعا خادعا للذات ومتوهما للقوة، وليا لذراع التاريخ، ذلك أنه كان سطوا ونهبا لمفهوم الحرية والمساواة والتي كانت جماهير الشباب في شمال اليمن تحلم به وهي ترنو لوجود حضاري خال من العنصرية والتمييز وهيمنة القبيلة وطغيانها. وهكذا تم وأد الوحدة اليمنية في مهدها، وتم التجريف الأعمى لكل القيم الإنسانية الجميلة التي تضمنتها. 

إن الوعي بحقيقة الاحداث المأساوية التي رافقت قيام الوحدة اليمنية الموءودة، يتطلب منا توجيه الاتهامات الحادة والنقد اللاذع، ليس لغرض جلد الذات وإنما لهدف إعادة الصياغة العادلة والمتكاملة للوحدة بصفتها قيمة حضارية ذات أبعاد إنسانية نبيلة وجميلة تصب في خدمة الإنسان والحفاظ على كرامته وإغناء وجوده بحياة كريمة يتعالى فيها العدل والخير والمساواة والحرية، فما حدث لم يكن انتكاسة أو فشلا أو سوء تقدير أو حيلة سياسية ذكية، ما حدث كان اغتيالا قاسيا للوجود وللحياة.. ما حدث هو خسارة باهظة الثمن، خسارة دولة بكل مقوماتها الوجودية وكيانها المعنوي. 

علينا أن نبحث عن معايير جديدة لمفهوم الوحدة وأن نكتشف قواعد وطرقا وحلولا جديدة لتحقيق ذلك. قد تكون العودة إلى نقطة البداية هي أحد الحلول، وقد يكون التوافق على الوقوف في الوسط حلا آخر. المهم والمجدي في الأمرين نستمر في البحث عن الطريقة المثلى لصياغة وجودنا الإنساني المشترك على هذه الجغرافيا.

•••
أنجي البيضاني

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English