تعثّرت الوحدة؛ لأنّها لم تقدّم دراسة واضحة وموضوعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية السائدة في الشطرين، ولم تدرس التفاوت، والاختلافات، والمزاج العام بين الشطرين حينها.
لم تتبع الخطوات المتدرجة الأساسية لبناء دولة الوحدة؛ فالتشطير الذي دامَ لأكثر من مئتي عام تقريبًا لا يمكن القفز عليه بخطوة عجلى، وظلّ هذا الإرث الوبيل حاضرًا.
كانت السلطتان الشطريتان مدفوعتين بالأزمة الداخلية، والأوضاع الإقليمية المتفجرة، والتحولات الكونية.
لم تُدرس الأوضاع العامة في الشطرين، ولم يُمهّد الطريق أمام بناءٍ متين ومحكم للأوضاع في الشمال والجنوب.
الأزمة في الشمال كانت خانقة، وبدا الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر- رجل السعودية القوي، ومعه الجنرال علي محسن الأحمر، ومعهما التحالف القبَلي والعسكري الذي يمثّلانه، ومؤزرين بالإسلام السياسي، وبعض الفئات التجارية- أنّهم متطلعون للحكم.
كانت السعودية حذرة من أيّ قوة عسكرية في أيّ بلدٍ عربيّ، وبالأخص في اليمن، كما كانت غير راضية عن اشتراك الجيش اليمني في حرب العراق مع إيران، رغم دعمها للحرب.
في الجنوب، لم تكن دماء كارثة الـ13 من يناير 1986، قد جفت، والطرف المنتصر يرفض التصالح، وكان انهيار المعسكر الاشتراكي ماثلًا للعيان، واحتمالات الصراع داخل الجنوب، وبين الشمال والجنوب حاضرة أيضًا.
الهروب من احتمالات الصراع بين الشطرين، خصوصًا من حول حقول النفط، وداخل كل شطر على حِدة، والخلاف العراقي-الكويتي، والتحولات الكونية، وعلى رأسها انهيار الاتحاد السوفيتي، والمنظومة الاشتراكية كلها- دفعت النظامين في صنعاء وعدن إلى التوحد.
أُعلِنت الوحدة في الـ22 من مايو 1990، بدلًا من الـ30 من نوفمبر 1990، كما كان مقرّرًا، وكانت الوحدة اندماج نظامين شموليين بقبائلهما، وجيشهما، وأمنهما، وإدارتيهما البيروقراطيتين.
اتفق الطرفان على الأخذ بإيجابية التجربتين الثوريتين: تجربة الرابع عشر من أكتوبر 1963، وتجربة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، ولكن الإصرار خصوصًا من جانب سلطة علي عبدالله صالح، كانت إلغاء إيجابية الثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر، وبالأخص تجربة أكتوبر ذات البعد الاجتماعي. احتفظ كلٌّ منهما بجيشه، وبقايا سلطته، ولم تحقّق الوحدة المنشودَ من بناء دولة الوحدة؛ بخلق أوضاع جديدة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وظلّت أوضاع ما قبل مايو قائمة.
لم تُحدِث الوحدةُ التغييرَ المطلوب في حياة الناس، واشتغلت الدولة بالصراع السياسي، والتقاسم، وأهملت إحداث تغيير شامل في الجوانب الاقتصادية، والحياة المعيشية والفكرية، وبناء سلطة الدولة، واحتفظ كلّ نظام بقوته، وسلطته الخاصة.
ومنذ اليوم الأول للوحدة، اتجه الطرف الأقوى لإعداد الجيش للحرب، والمأزق أنّ قادة النظامين الشطريّين هم قادة الوحدة أيضًا، وكان التشارك من خارجهما محدودًا.
أمّا المستقبل، فلا بُدّ أن يكون مغايرًا ومختلفًا، وإذا كانت عودة الماضي مستحيلة، فإنّ إنكار وحدة اليمن هي الأكثر استحالة.
الصيغة القادمة والجديدة تصنعها إرادة أبناء اليمن الحرّة والمستقلة، بعيدًا عن الفرض، أو القوة، أو التدخل الخارجي.