تهتم الشعوب بتنمية قدرات الشباب وتغذية أذهانهم بالمعارف، وتعليمهم المهارات التي تمكّنهم من الخوض في غمار الحياة بكل قوة واقتدار منذ نشوئهم الأول، إنّها تسعى بكل ما أوتيَت من قوة إلى خلق أجيال سوية من أجل الإسهام في ديمومة الخيرية فيها؛ لمعرفتها أنّ أفراد هذه الشريحة هم حاضر الحياة ومستقبلها، والبنية الفوقية الحقيقية للمجتمع وصنّاع بنيته التحتية المستقيمة الخلاقة.
إنّ ذلك يأتي من معرفة الشعوب في كل زمان ومكان، بأن هذه الشريحة كلما كانت قويمة ومنضبطة في سلوكها وتفكيرها وأفعالها، كان المجتمع سليمًا من الاعتلالات والآفات والانحرافات.
لكن ماذا سيحدث لو كانت هذه الشريحة معتلة مريضة قلقة بلا هدى ولا صواب ولا قدرات خلاقة؟ وماذا سيحدث لو كانت هذه الشريحة معتلة بالإدمان والبطالة وعدم الفاعلية؟ ماذا سيحدث لو أنّ هذه الشريحة منفلتة من رقابة المجتمع وتقويمه؟ ماذا سيحدث لو أنّ المجتمع لا يدرك هذه الأهمية لهذه الشريحة من الأساس؟
برغم أهمية هذه الشريحة وخطورة دورها سلبًا أو إيجابًا على ملامح الحياة والحاضر والمستقبل، نجد أنّ بعض الشعوب النامية لا تهتم بها مطلقًا، ومن هذه الشعوب: اليمن، التي تظلّ شريحة الشباب فيها شريحة مهدورة وبلا أحلام ولا تنمية ولا اهتمام، لا سيّما في العشر السنوات الأخيرة.
إنّ شريحة الشباب قد مرّت في العشر السنوات الأخيرة بتحولات جذرية، كان للحرب فيها اليد الطولى، وهي حرب فكّكت النسيج الاجتماعي، وعزلت الشباب عن سياقهم الاجتماعي المنضبط، وجعلتهم يعيشون لحظة يائسة مفككة ضائعة تشطر أحلامهم وتفكك مشاريعهم، بل جعلتهم بلا أحلام ولا مشاريع. وجعلتهم يلجؤون إلى عالم موازٍ يحاولون من خلاله التنفيس عن انكساراتهم بأيّ شكل وأي ثمن دون حسبان للعواقب التدميرية التي تجعل معظمهم مسوخًا بلا هدف ولا قيمة اجتماعية حقيقية. لقد جعلت منهم كتلًا تسعى وتتحرك، لكنها فاقدة للقيمة والقدرة على الخلق والإسهام في بناء مجتمع سوي ومستقيم.
مرت شريحة الشباب في العشر السنوات الأخيرة، بتحولات جذرية كان للحرب فيها اليد الطولى حين فكّكت النسيج الاجتماعي، وعزلت الشباب عن سياقهم الاجتماعي المنضبط، وجعلتهم يعيشون لحظة يائسة بلا أحلام ولا مشاريع.
إنّ هذا هو الحاصل في جيل الحرب، إنّه جيل الضياع والتيه والطمس والتجهيل. لقد نشأ جيل عاطل عن العمل بلا ملامح بلا هُوية، إنّه جيل مفكك فاقد للبوصلة شكلًا ومضمونًا.
وقد فاقمت سنوات الحرب من هذه المعضلة وضاعفت وتيرتها، إذ جعلت منه جيلًا متعاطيًا للقات والمنشطات التي تضاعف حدة الضياع بشكل كبير. لقد لجأت هذه الشريحة للقات بشكل محموم في شكل تعويضي عن لحظات الضياع، لا سيما أنّه يمنحهم لحظات من النشوة المؤقتة واللحظات التي تخرجهم مؤقتًا من واقعهم البشع على واقع موهوم.
لقد استشرت نبتة القات في هذه السنوات بشكلٍ مبالغ فيه، وصار الشباب من أكثر مستهلكيه، في ظلّ غياب دور الآباء، وفي ظلّ غياب دور مؤسسات التنمية الثقافية والتدريب والتأهيل. لم يكن التعاطي مستشريًا بهذا الكم المرعب من قبل، لقد كان الشباب يذهبون إلى المعاهد والمدارس والنوادي... إلخ، لقد أقفلت الحرب كلّ ذلك، وفتحت التيه على اتساعاته، أمامهم.
إنّ الملاحظ أنّ هذا التعاطي لم يعد مقتصرًا على الشباب فقط، بل شمل شريحة واسعة من الأطفال الذين صاروا يتعاطون هذه النبتة بشكلٍ أكثر جنونًا، ومن الملاحظ أنّ هذا التعاطي لا يقتصر على لحظات زمنية مؤقتة، بل يستغرق زمن التعاطي أكثر من 70% من الزمن الفعلي لليوم، ومعظم المتعاطين قد يستهلكون أكثر من 90% من هذا الزمن. وهو أمرٌ يدعو إلى الخوف والقلق على هذا الجيل، ومنه أيضًا.
ثمّة دمار هائل يتعرض له الشباب بشكلٍ ممنهج وفي غفلة من أهلهم -الأمّيّين غالبًا- والجهات المعنية أيضًا؛ إنّ تعاطي القات في هذه الفئة يعني خرابًا سلوكيًّا وأخلاقيًّا، وهدرًا للثروة البشرية، وتدميرًا للمستقبل برمته، لا سيّما أنّ معظمهم يتعاطونه مع حبوب الهلوسة أو مع مزيج من خلطات مشروبات الطاقة التي تفقدهم صوابهم أحيانًا أو تدفع بعضهم على احتراف الجريمة.
إنّ الإشكال الحقيقي يتمثّل في معرفة معظم الآباء لكمية هذا التعاطي وما يترتب عليه، بل إنّ بعض الآباء يشجّعون أبناءَهم على التعاطي، ويوفرون لهم القات وتوابعه دون وعي بأضراره، وما يترتب عليه من اختلالات في سلوكيات هؤلاء الأبناء، وفي صحتهم أيضًا.
وإذا كان بعض الآباء يتعاطونه منذ زمن طويل بشكلٍ خفيف لكي يساعدهم على العمل إذا كانوا يعملون، فإنّ هذا الجيل يتعاطاه لكي يتخلص من أيّ عمل أو التزامات لديهم أو للتخلص من الفراغ الهائل الذي يحيط بهم، إنّهم لا يعملون أثناء التعاطي، وبذلك يتحوّلون إلى قوة مستنزفة وغير فاعلة في المجتمع، إنّهم قوة مشلولة وعاطلة عن كل عمل، ينكفِئُون على ذواتهم للثرثرة و"الحشّ"، والخيالات التي يوهمون أنفسهم بها أنهم في سياق اجتماعي منضبط.
وإذا كان معظم المتعاطين للقات من الكبار يسحقون به الوقت والطاقة، ويفرّون من الواقع، ويظلّون في مقايلهم يلوكون الغيبة والنميمة والقيل والقال، فإنّ شريحة الشباب تفعل ذلك بصيغة مضاعفة، لا سيما مع توفر وسائل التواصل الاجتماعي وغياب دور الأسرة.