أنت مع قطر وضد الإمارات وأنت متشفٍّ وآخر إخواني، فقط لأنه سمى الحدث كما هو "انقلاب".
ما يبدو أكثر مدعاة لليأس من العقل العربي هو هذا الاحتفاء من عدد كبير يفترض بهم كتّابًا منحازين مبدئيًّا للديمقراطية والحريات عمومًا، ناهيك عن تجربة عربية هي بالكاد قاربت طموحاتنا الليبرالية وما لبث الرئيس المنتخب أن انقلب عليها مفصحًا عن حيثيات بدت مفتقرة للحد الأدنى حتى من الاعتبارات والمخاوف الأمنية بشأن الدولة وتهديدها، اختزل قيس سعيد تلك الحيثيات في "أناس يسيئون للرئيس، ويحرضون في وسائط التواصل".
ما يعنيني هنا، هو هذا الاحتفاء بتعطيل البرلمان وارتجال تعديلات دستورية وما يبدو حالة طوارئ غير معلنة، معتمدين على محاكمة نوايا الإسلاميين "اللاديموقراطية"، كتّابًا مصريين وأردنيين ومن الخليج، ويمكن تفهم موقف الخليجيين من التجربة التونسية فهم مع حكوماتهم التي تعتبر التجربة برمتها تهديدًا لأنظمتهم، بينما ينطلق اليمني في موقفه المساند لانقلاب تونس من عدائه للإصلاح ومن المسافة مع من يفترض بهم النقيض من كتاب يحتسبهم على معسكر قطر وتركيا، وبدلًا من مساندة التجربة الديمقراطية أيًّا تكن المآخذ عليها، راح البعض ينتقم ويصفي حساباته الذهنية والحزبية المحلية من خلال خيبة أخيرة حلت في تونس، البلد الوحيد الذي منح أملًا ما مؤخرًا بكوننا قادرين على تمثل ما ندعيه من قيم ليبرالية وديموقراطية حكم وشراكة.
نعرف أنهم يعتقدون تمثيل إرادة الله على الأرض، لكنهم استجابوا لقرار الصناديق وحاولوا المشاركة أو الإعلاء من أفكارهم عبر الانتخابات وليس السلاح، وهذه هي الطريقة الوحيدة والطريق الآمن للجميع
لكن وبما أن الهدف للانقلاب والمستبعد من الشراكة التي حصل عليها عبر الصناديق، بما أنه إسلامي فهو ضحية مشروعة لأي عمل مناقض لكل ما ندعيه من قيم وتحيزات ليبرالية حقوقية، أضف إلى الأمر تلك المفارقة المقلوبة والمنطق المعكوس الواثق من فصاحته وقدرته على التلاعب بالألفاظ وتحميل الإسلاميين جريمة الاعتداء وتقويض الديمقراطية في تونس وليس أحدًا آخر، وإن كان هو من أعلن الأمر رسميًّا.
لا نريدهم شركاء في أي عملية سياسية، ولا يحتمل تفكيرنا وضعهم خارج ثنائية العنف، العنف بوصفهم مرتكبيه أو ضحيته في آن.
نعرف أنهم يعتقدون تمثيل إرادة الله على الأرض، لكنهم استجابوا لقرار الصناديق وحاولوا المشاركة أو الإعلاء من أفكارهم عبر الانتخابات وليس السلاح، وهذه هي الطريقة الوحيدة والطريق الآمن للجميع.
لم أعد أفهم الليبرالي العربي؛ إنه يحدد للديموقراطية فئة مستحقة ويستبعد أخرى، يستبعد المختلف فكريًّا، ويصفق لمن أقصاه عمليًّا بجملة تدابير بقي هذا المثقف يدينها ويطلق عليها كل التعريفات المتداولة في هجاء الديكتاتورية.