مرت ستة أيام على اتفاق الأطراف المتحاربة في اليمن على إبرام هدنة لمدة شهرين، تضمنت بعض التدابير الإنسانية المهمة، تحديدًا دخول 18 سفينة من سفن الوقود إلى موانئ الحديدة.
إضافة إلى تشغيل رحلتين جويتين تجاريتين في الأسبوع، إلى مطار صنعاء ومنه، وعقد اجتماع بين الأطراف للاتفاق على فتح طرقٍ في تعز وغيرها من المحافظات، لتسهيل حرية الحركة للمدنيين في اليمن.
ويعتبر كثيرون، ومنهم المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أن الهدنة الأولى في اليمن على مستوى البلاد منذ ست سنوات، هي لحظة ثمينة، إلا أنها عرضة للخطر أيضًا. فعلى مدى ما يزيد عن سبع سنوات، عانى اليمنيون من خسارة لا يمكن تخيلها، ومن ظروف حياتية صعبة بشكل يصعب تصديقه.
وخلَّف النزاع ندوبًا مست كل جانب من جوانب الحياة، يمكن تمييزها في الأسواق والطرق والمدارس والمحاكم والمشافي والبيوت.
وشدد غروندبرغ على أن هذه الهدنة تقدم نافذة صغيرة، إلا أنها مهمة، يمكن من خلالها البدء بعكس مسار الواقع الصعب. ولا بد من التأكيد على أنَّ البناء على اتفاق الهدنة لدعم اليمنيين في شقِّ مسارٍ نحو السلام، إنَّما هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الأطراف ودول المنطقة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وأكد في مؤتمر صحفي، عقده الأربعاء 6 أبريل/ نيسان، أن نجاح الكثير من الخطوات القادمة سيعتمد على تلك الجهات، ولم يكن الاتفاق ليكون ممكنًا دون دعم هؤلاء الفاعلين.
وقال إن تلك اللحظة تمثل فرصة نادرة في حرب طويلة ووحشية لإحراز تقدم في التوصل إلى حل سياسي. ويعني ذلك أنَّه على الأطراف أن تشارك بحسن نية، بشكل بنًّاء، ودون وضع شروط مسبقة في حوار حقيقي حول إنهاء النِّزاع. فنادرًا ما ينجح وقف إطلاق النار ما لم يرافقه تقدم على المسار السياسي. معتقدًا أن اليمنيين يتحِدون في رغبتهم في ثبات الهدنة وتجديدها وتعزيزها كخطوة نحو السلام.
شهرين للاختبار
استعرض غروندبرغ تطورات الأوضاع منذ بدء الهدنة، إذ كان انخفاضٌ كبيرٌ في مستوى العنف، إلا أن هناك بعض التقارير المتواترة تشير إلى وجود بعض النشاطات العسكرية العدائية حول مأرب، وتلك الأعمال تمثل مصدرًا للقلق.
يؤكد خبراء ومراقبون أن معالجة الأزمة الاقتصادية يتطلب اتفاقًا سياسيًّا للسلام بين أطراف الحرب والصراع كشرط مسبق وضروري لتحريك عجلة النشاط الاقتصادي والتنموي
وكشف المبعوث الأممي أنه تم إنشاء آلية للتنسيق بين الأطراف من أجل المحافظة على قنوات اتصال مفتوحة بين الأطراف ومساعدتهم في الحيلولة دون وقوع الحوادث أو تهدئتها وإدارتها في حال وقوعها، وذلك دعمًا لالتزامهم بوقف جميع العمليات العسكرية العدائية وتجميد مواقعهم.
وفي إطار الهدنة، سمحت الحكومة المعترف بها دوليًّا، بدخول سفينتين من سفن المشتقات النفطية، وهناك سفينتان أخريان تم السماح لهما بالدخول الأربعاء 6 أبريل، إضافة إلى الاستعدادات الجارية لإقلاع الرحلة الجوية الأولى من مطار صنعاء، كما يتم التحضير لعقد اجتماع بين الأطراف للاتفاق على فتح طرقٍ في تعز وغيرها من المحافظات.
حسب غروندبرغ، فإن هذه الهدنة هي خطوة مهمة، لكنها في الوقت نفسه هشَّة أيضًا، مؤكدًا ضرورة الحرص على استغلال هذه الفرصة التي تقدمها الهدنة بأفضل ما يمكن للعمل نحو إنهاء النِّزاع، إذ إن هذين الشهرين سيكونان اختبارًا لالتزام الأطراف بالوصول إلى حل سلمي للنِّزاع يعلي أولويات الشعب اليمني واحتياجاته.
لن يكون بالمقدور الوصول إلى حل سلمي وعادل ومستدام للنِّزاع من خلال أرض المعركة، بل لا بد من الحوار. وقد كان إنهاء الحرب، وما زال، من الرسائل الثابتة التي ظهرت في الحوارات والمشاورات التي يجريها، وسوف تُستَأنَف هذه المشاورات قريبًا، وتستمر لنهاية شهر مايو/ أيار القادم. والهدف منها إثراء الإطار الذي يعمل عليه بما فيه العملية متعددة المسارات التي سوف تتصدى للحاجات والأولويات العاجلة وبعيدة الأمد، للمساعدة في الوصول إلى تسوية سياسية لإنهاء النِّزاع بطريقة تستجيب إلى تطلعات الشعب اليمني.
ترتيبات عاجلة
في السياق نفسه، يؤكد خبراء ومراقبون أن معالجة الأزمة الاقتصادية يتطلب اتفاقًا سياسيًّا للسلام بين أطراف الحرب والصراع كشرط مسبق وضروري لتحريك عجلة النشاط الاقتصادي والتنموي.
الخبير الاقتصادي نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق، يرى في هذا الصدد أن التوافق على تحييد الاقتصاد وحيادية المؤسسات السيادية الاقتصادية، مثل البنك المركزي ووزارات المالية والنفط والمعادن والتخطيط والتعاون الدولي، ضرورة يقتضيها أي اتفاق سياسي للسلام.
إضافة إلى اتخاذ إجراءات وترتيبات عاجلة للمحافظة على الحقوق السيادية لليمن من النفط والغاز، وتشمل مراجعة اتفاقيات عقود بيع الغاز وفقًا لأسعار السوق العالمية، والدخول في مفاوضات جادة لتسعير وحدة بيع الغاز لضمان تعظيم إيراداتها لدعم الميزانية العامة وتوفير الاحتياطيات من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي لتحقيق استقرار في سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية.
ويشير العباسي إلى التنسيق الفني بين المختصين في وزارة التخطيط والتعاون الدولي في كل من صنعاء وعدن، لإعداد برنامج تنموي مرحلي للفترة 2023-2025، يستهدف التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، من خلال وضع برنامج لمعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة للنازحين والأسر المتأثرة بالحرب وتداعياتها.
من جانبه، الوزير السابق في الحكومة اليمنية، رأفت الأكحلي، يرى أنه مع دخول شهر رمضان وبدء الهدنة المعلن عنها، يجب أن يتم العمل بشكل سريع على عدد من أهم المعالجات الاقتصادية من أجل الوصول إلى "هدنة مع الجوع"، كما أسماها الأستاذ أحمد غالب، محافظ البنك المركزي في عدن.
وبسبب حالة الانهيار التي تواجه كافة القطاعات في ظل الوضع الحالي في اليمن، غالبًا ما يصاب المعنيون بصناعة واتخاذ القرار بحالة من الشلل بسبب القوائم الطويلة والمتشعبة من المشاكل والتحديات والحلول الممكنة.
حسب الأكحلي، فإن هناك مبدأ مهمًّا، يسمى مبدأ باريتو أو قاعدة (80 - 20 )، والتي تنص على أننا يمكن أن نحقق 80% من النتائج المرجوة إذا ركزنا على أهم 20% من المعالجات. ومن هذا المنطلق يرى أن يتم التركيز على مجموعة أولويات على المدى العاجل والقصير، تتضمن استئناف تصدير الغاز المسال، وتنفيذ المعالجات العاجلة للثقب الأسود، وهو قطاع الكهرباء الذي يستنزف ما توفر من موارد، إضافة إلى إيجاد معالجات للانقسام القائم في المؤسسات والسياسات النقدية والمالية بين صنعاء وعدن. وعليه، يجب العمل بشكل عاجل على آليات التخفيف من تأثير هذا الانقسام.