يعاني سكان مدينة عدن من الكثير من المشكلات التي تجعل حياتهم اليومية صعبة، وتضاعف من معاناتهم الدائمة، ومن هذه المشكلات حالة الاختناقات المرورية التي تشهدها معظم المديريات، حيث باتت عنوانًا للعشوائية في العاصمة المؤقتة، التي تتوسع وتكبر وتلتهم من محيطها عشرات الكيلومترات في اتجاهات لحج وأبين ورأس عمران.
ومن المناطق التي تشهد اختناقات مرورية دائمة في المدينة، التي تتخذها الحكومة المعترف بها دوليًّا عاصمة مؤقتة للبلاد: جولة "كالتكس" في مديرية المنصورة، وجولة القاهرة في مديرية الشيخ عثمان، وجولة البطّ في مديرية خور مكسر، وجولة الكرّاع التابعة لمديرية دار سعد، وحتى قلب المدينة التاريخي- كريتر تشهد اختناقات ولا يمنعها أو يخفف منها انتشار العشرات من رجال المرور في الجولات؛ الأمر الذي ولّد حالة كبيرة من الغضب والاستياء لدى المواطنين.
المشكلة وتبعاتها
ويُرجِع الكثيرون مشكلة الاختناقات المرورية للكثير من الأسباب، أهمها: وقوف المركبات أمام المحلات وإلى جنبات الطرقات بشكل عشوائي، سواء المركبات التي تعمل أو تلك العاطلة والمتهالكة، والسير المعاكس، وزيادة مطّردة في وسائل النقل المختلفة بشكل كبير، خصوصًا مركبات الأجرة، وعدم بحث السائقين عن شوارع وطرق فرعية بديلة، خصوصًا في أوقات الذروة، حين يذهب الموظفون والعمّال إلى أشغالهم والطلاب إلى مدارسهم، وكذلك حين العودة منها؛ لأنّ هذه الأوقات تصل فيها الاختناقات المرورية إلى ذروتها.
في حديثه لـ"خيوط"، يقول حسين الدّباء، وهو أحد رجال المرور بعدن: "بصراحة نحن رجال المرور أصبحنا نعاني كثيرًا، خاصة في الفترة الأخيرة، من الاختناقات المرورية؛ لأنّ وسائل النقل كثرت بشكل أكثر من اللازم.
ويضيف: "طوال الوقت ونحن ننظّم حركة السير، ولا نجد فرصة حتى لنأخذ راحتنا؛ لأن الازدحام متصل في معظم الوقت، وكل سائق مركبة يريد العبور قبل غيره، لكنّنا نحاول أن ننظمهم بشكل صحيح، بعيدًا عن العشوائية والفوضى".
ويطالب الدباء الجهات المعنية بالنظر إلى هذا الأمر، ومعالجة المشكلة قبل أن تستفحل أكثر، فقد صارت تزعج رجال المرور والسائقين والسكان.
تتسبّب الاختناقات المرورية بالكثير من الإشكاليات اليومية في حياة المواطنين الذين يستقلون المواصلات العامة للوصول إلى وجهاتهم، خصوصًا الموظفين الملتزمين بأوقات الدوام الرسمي أو أصحاب المعاملات في الدوائر الحكومية، والمرضى الباحثين عن مشافٍ وأطباء، وطلاب المدارس والجامعات والمعاهد، في المدينة المترامية الأطراف.
فكلُّ هذه الإشكاليات وغيرها تتطلب من الحكومة، والجهات المعنية بذل كل ما بوسعهم واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة المشكلة بشكل عاجل.
يقول أحمد عتيق، وهو موظف في القطاع الخاص، لـ"خيوط": "أنا واحد من المتضررين من الاختناقات المرورية؛ فكل يوم تحصل مشاكل بيني وبين مدير عملي بسبب تأخري في الوصول في الوقت المحدد؛ بسبب بُعد مسكني عن مقر العمل. تخيل كلّ يوم وأنا أقدّم له اعتذارًا، لكن كم سأظل على هذا الحال؟!".
ويتابع القول: "أصبح المدير يلاحظ تأخري شبه اليومي عن العمل، ويَعدّ هذا تقصيرًا مني، مع أن السبب في الحقيقة، خارجٌ عن إرادتي، لكنني أدفع ثمنه للأسف. ورجال الأعمال في الأول والأخير، يطالبونك بالدوام المحدد لك، ما داموا يدفعون لك راتبًا، بغض النظر عمّا إذا كان الراتب قليلًا أم كثيرًا!".
واختتم بقوله: "تأخُّري عن العمل قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى فصلي عن العمل، وهذا ما أخشاه أنا؛ فما هو الحل؟ تخيل لو خسرت عملي، فمن الصعوبة أن ألاقي عملًا جديدًا بسهولة، فكما تعلم أنّ فرص العمل في هذه الظروف الصعبة، ضعيفة جدًّا".
يقترح بعض المختصين العديدَ من الحلول التي من شأنها أن تعالج مشكلة الاختناقات المرورية في عدن، ومنها: بناء جسر أو نفق بحري يربط مديرية البريقة بمديرية التواهي القريبة، على الضفة الأخرى، من الخليج، وهذا الحل بكلفته المرتفعة لن يحل مشكلة الاختناق فحسب، بل أيضًا سيختصر المسافة ويقلل من زمن التنقل.
كثيرًا ما ناشد المواطنون والناشطون السلطةَ المحلية بانتشال السيارات المتهالكة المركونة في الشوارع وجنبات الطرقات، ضمن حملات إزالة العشوائيات في عموم المدينة؛ لأنّ عملًا مثل هذا من شأنه توسيع الشوارع، ومن ثمّ تخفيف الاختناقات المرورية، غير أنّ هذه المناشدات والمقترحات لم تلقَ أيَّ تجاوب من الجهات المناط بها مثل هذه الأعمال (مكتب الأشغال).
يتحدث مهيب عامر، وهو سائق باص أجرة، لـ"خيوط"، بقوله: "استبشرنا خيرًا بحملة إزالة العشوائيات، وقلنا بالتأكيد سينتهي الازدحام، لكن في النهاية لم نلمس شيئًا؛ لأنّ هناك أشياء كثيرة تسبّب الازدحام المروري، وليست العشوائيات فقط".
ويضيف عامر: "كل يوم ومشكلة الازدحام في ازدياد، وتُشعر الواحد منا بالاختناق، حتى محاولة الهروب إلى شوارع فرعية لا يُجدي؛ بسبب الازدحام أيضًا".
ويختتم حديثه بالقول: "من الضروري جدًّا أن يفعلوا لنا حلًّا لهذه المشكلة، كم سيصبر الناس؟ الشعب غارق في مشاكله التي لا تعدّ ولا تحصى".
الحلول المقترحة
يقترح بعض المختصين العديدَ من الحلول التي من شأنها أن تعالج مشكلة الاختناقات المرورية في عدن، ومنها: بناء جسر أو نفق بحري يربط مديرية البريقة بمديرية التواهي القريبة، على الضفة الأخرى، من الخليج، وهذا الحل بكلفته المرتفعة لن يحل مشكلة الاختناق فحسب، بل أيضًا سيختصر المسافة ويقلل من زمن التنقل، وجسر أو نفق آخر يربط كلًّا من مديرية البريقة أيضًا بمديريتَي دار سعد، والشيخ عثمان.
فيما الحل الثاني يتمثّل في إنتاج خارطة مرورية جديدة، تُلزم مالكي مركبات الأجرة بالمرور في الشوارع الفرعية، وهذا من شأنه أن يخفّف من الازدحام أولًا، كما أنّه سيُنعش الشوارع ويحوّلها إلى شوارع تجارية.
أما الحل الثالث فيتمثل في منع استيراد باصات الأجرة وعربات النقل الصغيرة التي تعمل في شوارع المدينة فترةً زمنية لا تقلّ عن خمس سنوات، حتى يخفّ عددها، وبعدها بالإمكان تنظيم عملية الاستيراد وفق آليات واضحة.
الحل الرابع، يتمثل بإزالة السيارات المتهالكة المركونة في الشوارع الرئيسية والفرعية، وجنبات الطرقات.
بينما الحل الخامس يتمثّل بتركيب كاميرات مراقبة في الجولات؛ لرصد أرقام المركبات المخالفة لاتخاذ الإجراءات القانونية المشدَّدة ضدّ سائقيها ومالكيها. وغيرها من الحلول الكفيلة بمعالجة المشكلة التي أرهقت السائقين، والركاب، ورجال المرور، على حدّ سواء، بل وغدَت واحدةً من أبرز أوجه المعاناة في هذه المدينة، إلى جانب الكهرباء والخدمات العمومية.
