لكل زمان حكاية، ولكل منطقة في اليمن ميراثها الثقافي الحاضر عبر الزمن، ويبقى أمير العيد في مديرية النادرة بمحافظة إب، تقليدًا سنويًّا يقام بالتزامن مع عيد الأضحى، ضمن طقوس العيد والزيارات المتبادلة بين أبناء المخلاف أو العزلة الواحدة، ويحظى بمتابعة شعبية كبيرة.
تبدأ كل قرية أو بعض القرى بتجهيز ثلاثة أشخاص (الأمير، "الجارية"، "العبد" أو الحارس) بأزياء تنكرية، لغرض إدخال البهجة والسرور على الحضور، ومعالجة قضايا اجتماعية بطريقة فكاهية.
عادات وتقاليد اجتماعية يمارسها أبناء المجتمع ويتوارثونها جيلًا بعد جيل دون أن يطرأ عليها طارئ الحداثة والتجديد، حين تحفر هذه الرمزية تفاصيلها في عقول الناس، وخصوصًا الأطفال، ويكتمل جمالها حين تمتزج بصوت الدان ودقات الدفوف وعزف الرباب، وتتشكل منها لوحة بديعة من السحر والفن الذي يخلقه موكب الحفل حين يسير بين القرى، المشهورة بجمالها وخضرة الطبيعة التي تكسوها.
يتنقل أمير العيد ومعه مجاميع الناس بين قرية وأخرى مدة عشرة أيام، ويتدفق الناس من القرى المجاورة إلى ميدان القرية المستضيفة، التي بدورها تقيم مراسم الاستقبال بإنشاد زوامل شعرية وبالرقص والبرع والترحيب بالضيوف من خلال توزيع الشاي والكيك، ما يضفي نوعًا من الألفة والمحبة.
عبدالخالق يحيى، من أبناء منطقة النادرة، بمحافظة إب، يتحدث لـ"خيوط" عن هذه المناسبة، بالقول: "يخلق أمير العيد جوًّا من المرح البهجة والسرور بين أوساط الجماهير من خلال شكله ومظهره، إضافة إلى أدائه الكوميدي وملاحقته للأطفال والشباب والرجال، وضربهم بذيل الثور الذي يحمله، لإعادتهم إلى الدائرة أو الساحة المحددة، وإعادة ترتيبهم".
قصة الكرنفال العيدي
في تفاصيل الحكاية، يظهر "أمير العيد" في الاحتفال كقائد، متقدمًا الجميع، مرتديًا لباسًا تنكريًا بوضع قناع من رأس ثور، وباروكة من صوف الأغنام، ورداء من جلد حيوان، وممسكًا في يده ذيل ثور. بينما "الجارية" رجلٌ يرتدي زيًّا نسائيًّا، وشكله أشبه بالتاج الذي كان يوضع قديمًا على رؤوس العرائس، في يدها جنبية تستخدمها في البرع والرقص في مقدمة الصفوف أثناء التنقل من قرية لأخرى أو في وسط حلقة دائرية مسورة بجمع من الناس في ميدان القرية أو العزلة، وعادة ما تكون ملتقى لعددٍ من القرى.
كما يقوم أمير العيد، وفق عبدالخالق يحيى، باختيار شخصيات معينة، وإجبارهم على أداء أداور كوميدية ومعاقبتهم خلال محاكمة هزلية، تنتهي بإصدار أحكامٍ هزلية، على سبيل المثال: دس وجوههم في دم حيوان مذبوح، أو في حفرة مليئة بالماء، أو بطلاء وجوههم بمساحيق سوداء اللون، وهو ما يؤدّي بدوره إلى خلق أجواء مفعمة بالفرحة والحيوية في أوساط الحاضرين.
في حين تكون "الجارية" برفقة الشخص "الحارس"، الذي يرمز له بـ"العبد"، ويتولى مهمة حراستها والحفاظ عليها بعيدًا عن متناول أيادي جموع الناس؛ حيث يظهر بزيٍّ تنكري عادة يكون قصيرًا ورثًّا، ويتم طلاء وجهه باللون الأسود، ليجعل منه شخصية مخيفة تخافها الناس، وتخشى الاقتراب من "الجارية" ويحمل في يده ذيل ثور أو عصا يستخدمها كسلاح شخصي للضرب أو التخويف دفاعًا عن الجارية.
صلة وترابط مجتمعي
يتنقل مجاميع من الرجال والأطفال والشباب من قرية لأخرى، يتقدمهم أمير العيد، والبقية يمارسون الرقص والبرع على أصوات الطبول والمزمار، وهو ما يكون بمثابة إشعار لأهالي القرية المضيفة، بقدومهم، فيكون أبناؤها على استعداد وجهوزية تامة لاستقبالهم وضيافتهم.
وهكذا يتنقل أمير العيد ومعه مجاميع الناس بين قرية وأخرى مدة عشرة أيام، ويتدفق الناس من القرى المجاورة إلى ميدان القرية المستضيفة، التي بدورها تقيم مراسم الاستقبال بإنشاد زوامل شعرية وبالرقص والبرع والترحيب بالضيوف من خلال توزيع الشاي والكيك، ما يضفي نوعًا من الألفة والمحبة.
زيد المريسي، ناشط اجتماعي، يؤكّد لـ"خيوط"، أنّ أمير العيد فلكلور شعبي وفعالية سنوية تنفّذ في كل عيد أضحى، وتكون فعالية كبيرة، ينطلق بها مجموعة من الشباب وهم يرتدون جلد الأغنام والأبقار والشعر الطويل وقناع الوجه المخيف، حاملين طبولًا، راقصين وبخفة على إيقاع الطبول.
إضافة إلى ذلك، يساهم هذا الكرنفال العيدي في تعزيز روح الإخاء والتسامح لدى جموع السكان الذين يستقبلون بعضهم بأوجه بشوشة وصدور رحبة، يعانقون بعضهم بسلام أخويّ مُحِبّ، ويبدأ الصغار مصافحة الكبار وتقبيل رؤوسهم، والترحيب بهم في قريتهم، في لحظات مبهجة يسودها العطف والوقار، والحب والانسجام.
يضيف المريسي: "يتنقل أمير العيد وحوله الناس بين أحياء القرية للاستمتاع بالمشهد الجميل، الذي يناقش قضايا مجتمعية عدة؛ يشرح واقعنا المؤلم بطريقة كوميدية وجوٍّ مسرحي جذاب ومبهج".
من جانبها، تتحدث آزال الصباري، من محافظة إب، عن مهرجان الأمير لـ"خيوط"، قائلة: "أمير العيد الاحتفالية الكبيرة التي ينطلق بها مجموعة من الرجال حاملين طبولًا، يشكّلون كوكبة من الراقصين، تلوح جنابيهم حول شخص أو اثنين وأحيانًا ثلاثة، يرتدون ملابس مزينة للمرأة، ويغطون وجوههم بأقنعة حيوانات أو برقع نسائي".
انتظار التاريخ والجذور
تضيف آزال: "حينما كُنَّا صغارًا، وفي زياراتنا القليلة للقرية، لم نكن ننتظرُ ارتداء ثوبِ العيد، تلك القطعة من القماشِ التي كان أغلبُنا يلبسها يومَ العيد (الصغير)، ثم يخلعها ليخبئَها في الخِزانة، ليتزيَّنَ بها في يومِ العيد (الكبير) ثم يحتفظُ بها للمناسبات القادمة".
وتستطرد الصباري: "لم تكن لدينا خزائن للملابس، كانت أمُّنا تلفُّها في كيسٍ وتخبِّئُها في إحدى نوافذ المنزل المغلقة والمرتفعة ليصعبَ علينا الوصولُ إليها، فتظلّ أعينُنا تراقبُ تلكَ النوافذَ، تشتهيها وتُقدسها، ورغمَ السعادة التي تمنحنا إياها جيوبُ تلك الأثواب وتفاصيلها وألوانها البسيطة، فإنّنا كُنَّا ننتظرُ أميرَ العيد أكثرَ من انتظارنا نزولَها إلينا، ونرتب أشواقنا له بعناية".
تتابع: "كنّا في الصباح الذي يُحتملُ فيه قدوم أمير العيد وموكبه العظيم، نُطِلُّ من النوافذ، نجري في الوديان، يسأل بعضنا بعضًا: هل سيأتي هذا العيد أو لا؟ وفي القلوب لهفةٌ، يصعبُ على آلاف الفساتين والقمصان أن تخلقها الآن".
إجمالًا، يعتبر تأريخ احتفال أمير العيد مجهولًا، وقد اختلف المجتهدون حوله؛ فمنهم من يرى "أنّه يعود إلى طقوس الحج في اليمن القديم قبل الإسلام"، ومنهم من يرى في القناع الذي يضعه "أمير العيد" على وجهه، والذي يكون عبارة عن رأس ثور، ما يشير إلى "الثور" ورمزيته الدينية في الديانات اليمنية القديمة، من حيث إنّ الثور هو التجسيد الفعلي لصورة الإله (القمر) على الأرض، وقد كان رمزًا للخصب والزراعة.