"أجبروني على ترك طفلَيَّ (ولد وبنت) مقابل المال، لقد باعوهما لأبيهما ببساطة"؛ تروي شفيقة حسن (26 عامًا) قصتها التي ابتدأت بتنازل منذ كانت قاصرة بعمر 14 عامًا، حين أُجبِرت على الزواج برجل لا تعرفه، أنجبت منه طفلين، نالهما ما نال والدتهما، وعندما لجأت لبيت والدها هربًا من أذى زوجها، تركها هناك لمدة أربع سنوات بلا سؤال أو نفقة.
تقول شفيقة، لـ"خيوط": "والد طفلَيَّ لم يصرف عليهما لمدة أربع سنوات، وبعد كل هذا الغياب جاء إلى (شيخ) المنطقة، ليفرضوا عليّ حكمًا قبَليًّا يحثني على التنازل عن طفلَيَّ وعن نصف النفقة، وفعلًا أجبرني أبي وأخي على أن أتنازل عن (ابنَيَّ) بحُجّة أنهما عياله، ومن العيب أن أرفض الحكم القبَلي الذي لا مطالبة بعده، بالرغم من معرفتي أنّ القانون والشرع يقولان إنّ الحضانة لي؛ لأن القانون اليمني أقرّ حق المرأة في حضانة الأطفال في حال حدث طلاق".
وتزايدت نسب الطلاق في الآونة الأخيرة بشكل ملفت في اليمن، خاصة مع اشتداد سنوات الحرب، ففي ديسمبر/ كانون الأوّل 2021، كشف اتحاد نساء اليمن عن تزايد نسب الطلاق في عدن (جنوب اليمن)، لتبلغ مستويات مقلقة، إذ رُصدت ما بين 15 إلى 20 حالة طلاق يوميًّا لفتيات تتراوح أعمارهنّ ما بين 17 و30 سنة. وبحسب الاتحاد، فإنّ الحالات كافة ترفض الصلح، وتطالب بالانفصال والطلاق من جرّاء المعاناة المعاشة في المنزل الزوجي.
الحضانة للأم
بحسب المادة (138) من قانون الأحوال الشخصية، فإنّ الحضانة هي حفظ الصغير الذي لا يستقل بأمر نفسه وتربيته ووقايته ممّا يُهلكه أو يضرّه، بما لا يتعارض مع حق وليه، وهي حق للصغير، فلا يجوز النزول عنها، وإنما تمتنع بموانعها وتعود بزوالها.
ويؤكد ياسر المليكي، خبير قانوني، لـ"خيوط"، أنّ القانون اليمني واضح فيما يخص الحضانة، حيث اعتبرها حقًّا للطفل، رعى فيها المصالح الفضلى له، وأنّها من واجب الأم ولا يجوز التنازل عنها، حتى إن رفضتها الأم، فإنّ القاضي يجبرها عليها.
في المقابل، لا يأخذ القانون اليمني بأي حكم قبَلي تتنازل بموجبه الأم عن حقها في الحضانة، وإذا وصلت القضية للمحكمة -بحسب المليكي- يُبطل القاضي هذا العرف، ويُلزم الأم إلزامًا بحضانة أطفالها؛ الولد حتى يصل لعمر تسعة أعوام، والبنت حتى تبلغ اثني عشر عامًا، بحسب المادة (139) من قانون الأحوال الشخصية، ما لم يقدّر القاضي خلافه لمصلحة المحضون.
كما تسقط الحضانة في حالة زواج الأم وتعود لأمها، فالمشرع اليمني أعطى الأفضلية في قوانين الحضانة للنساء بحسب المادة (142)، التي تنصّ على أنه "في حال ماتت الأم أو بطلت حضانتها، انتقلت الحضانة إلى أمهاتها وإن عَلَون، ثم خالات الصغير، ثم الأب المسلم، ثم أمهات الأب وإن علَون، ثم أمهات أبي الأم، ثم الأخوات ثم بنات الخالات ثم بنات الأخوات ثم بنات الإخوة، ثم العمات ثم بناتهن، ثم بنات العم، ثم عمات الأب ثم بناتهن، ثم بنات أعمام الأب. وإذا انعدم النساء انتقلت الحضانة إلى الأقرب فالأقرب من الذكور العصبة المحارم".
التنازل عن حق مقابل آخر
تقول إيمان مهيوب، لـ"خيوط": "تنازلتُ عن كل شيء تمامًا؛ النفقة وباقي المهر والمؤخر، وذهبٍ لي كان عند زوجي السابق، كل هذا مقابل أن يترك لي حضانة ابنتي، إذ تمّت مساومتي؛ إمّا حقوقي أو ابنتي، واخترت ابنتي". وتضيف مهيوب: "حتى الناس الذين تدخلوا في القضية، خيّروني خيارات غير عادلة، ولهذا اضطررت إلى أن أتنازل".
"أحيانًا أقول أنا تنازلت عن ماديات وأخذت الأغلى منها، وهي ابنتي، وأحيانًا أشعر بظلم كبير، وأني خرجت من هذه العلاقة متعبة ومجهدة نفسيًّا ومفلسة أيضًا"، تستطرد مهيوب بمرارة وألم.
ويؤكّد الخبير القانوني المليكي أنّ "الأصل القانوني أن تُعطَى المرأة حقوقها كاملة، وهذا أمر يقدره القانون والقاضي، أما إذا وصلت للمحكمة، وقد تنازلت المرأة عن حقها من نفقة وذهب برضائها بعرف قبلي مقابل الحضانة، فإنّ الحكم القضائي قد لا يُلغِي الحكم العرفي، طالما حظيَت بحق الحضانة".
من جهتها، ترى ذكرى العريقي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، في حديثها لـ"خيوط"، أنّ المرأة في اليمن ما تزال تعاني، وتسلب حقوقها، خصوصًا في حالات الطلاق، والتركة بسبب الموروث الذكوري والأبوي المسيطر في البلاد والذي يحمّل المرأة كل تبعات المشاكل، ليخلق منها شخصية انهزامية تشعر بالظلم، وقلة الحيلة والعجز النفسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي.
وتضيف العريقي أنّ المرأة تتنازل عن حقها، لتلاحقها وصمة "مطلّقة" بكل ما تتضمنه من استنقاص مجتمعي وشحّة فرص العمل والاستقلال، في حين يأخذ الرجل حقوقها التي تنازلت عنها ليتزوج بأخرى، ويبدأ حياته بكل استرخاء وراحة ضمير.
وتُجبِر الأحكامُ العرفية في اليمن تحديدًا، المرأةَ عند الطلاق، على التنازل عن حقوقها، حتى يتمكن الرجل من الزواج بأخرى، بينما تُغفل حق المرأة في بداية حياة جديدة وحاجتها للدعم المجتمعي والمادي.
بحسب العريقي، فإنّ المرأة اليمنية تعاني من نظرة التبعية التي تفرض عليها سمعًا وطاعة عمياء، حتى وإن أتت على حقها وكرامتها، بل إن المجتمع يُرجع فشل مشروع الزواج على المرأة، إذ يرى أنّ الحفاظ على عش الزوجية تتحمله هي دون الرجل.
بينما ترى الناشطة في قضايا المرأة، داليا محمد، تحدثت لـ"خيوط"، أنّ النساء اليمنيات مسلوبات الحقوق والحماية، ويتكبدن خسائر معنوية ومادية معًا عند حدوث الانفصال أو الطلاق، بسبب الفجوة بين الرجل والمرأة، مشيرة إلى أنّ اليمن يحتلّ المرتبة الأخيرة في المؤشّر العالمي للفجوة بين الجنسَين الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو ما يحتم على المرأة اليمنية خوض نضالٍ طويل لانتزاع حقوقها.
وتتابع داليا، في حديث لـ"خيوط": "نحن في بلد لا تزال النساء فيه مسلوبات الحقوق الأساسية، وتعاني من انعدام حماية، هذا ما أكّده تقرير للأمم المتحدة بأنّ نحو 6.1 ملايين فتاة وامرأة يمنية في حاجة ماسة إلى خدمات الحماية".