منصة خيوط
انقطاع مرتبات المدرسين، وترك الكثير منهم لوظائفهم في المدارس، واستبدالهم بمتطوعين قليلي الخبرة، إلى جانب تغيير المناهج الدراسية لأهداف سياسية، مع بقاء الوسائل التقليدية ذاتها في التلقين- خلق فجوةً كبيرة في وعي الأطفال الأذكياء المكتسب من فضاء المعلومات والتكنولوجيا خارج المدرسة، وبين ما يُقدَّم لهم من علوم في المدراس؛ لهذا تجد مثل هؤلاء الطلاب النابهين لا يكترثون بما يقدّم لهم اليوم من تعليم مُعلّب.
نعاس وملل
يقول خالد (13 عامًا)، أنّه يصاب بالنعاس بوقت الحصص المدرسية، لأنّ شرح المدرسين مملّ جدًّا؛ ممّا يجعله غير مبالٍ بما يقدّم كدروس، فيختار إمّا الحديث مع زملائه أو الهروب من حصة الدرس إن سنحت لهم الفرصة بذلك.
ويضيف: "نادرًا ما يستخدم المعلمون وسائل تعليمية محفزة وقت الدرس. غير أنّ المعلِّمِين يريدون من الطلاب الجلوس على كراسيهم، كأنّهم جنود يسمعون ويردّدون ما هو مدوّن في بطون الكتب كالببغاوات".
يقول موجّه لغة إنجليزية ومدرِّب مع المجلس البريطاني، خالد علي أحمد جابر، إنّ المُدرِّسين في المدارس اليمنية يستمرّون في عملهم باستخدام أدوات التعليم التقليدي، لاعتيادهم عليها؛ نظرًا لعدم وجود التقنيات المطلوبة في المدارس من جهة، ومن جهة أخرى لأنّ الكثير منهم لا يستطيعون استخدام التقنيات والوسائل الحديثة، لأنّهم لم يتدربوا يومًا عليها.
ويضيف جابر أنّ أساليب التعليم التقليدي تعتمد على الإلقاء بنسبة ٩٠%، أمّا بالنسبة لأساليب التعليم الحديث، فتستدعي المشاركة من قبل الطلاب، لهذه العوامل والأسباب تكون المخرجات والنتائج أقل فعالية من نتائج ومخرجات التعليم الحديث أو كما يقال في مثَل باللغة الإنجليزية:
Tell me, I will forget. Involve me, I will never forget""، بمعنى: لو قلت لي، يمكن أن أنسى. ولكن إذا أشركتني في التعليم، فلن أنسى أبدًا.
قلة استيعاب
مدير عام مدارس الأعناب ومدارس الفائز الأهلية، نوفل الخرساني، يقول:
"يجب تغيير الأساليب التعليمية القديمة؛ لأنّ الأجيال السابقة تلقّت علومها بتلك الطرائق، والآن هناك علماء ودكاترة ومتخصصون في مجالات عديدة، ولكنهم ما زالوا يتّخذون أسلوب التدريس على نفس النهج. في التعليم التقليدي يكون هناك مُلقِّن ممثّلًا بالأستاذ، ومتلقٍّ ممثّلًا بالطالب، وهنا يشعر الطالب بالملل والرتابة وقلة الاستيعاب.
ويضيف الخرساني أنّه وفي حين التعليم الحديث استخدم استراتيجية العصف الذهني هنا نجد كل الطلاب يتفاعلون مع هذه الاستراتيجية، والكل بدأ يفكر ويستوعب أكثر، وأيضًا استراتيجية العمل الجماعي، نجد هناك منافسة وسباقًا بين الطلاب.
يتفق أستاذ للغة الإنجليزية والترجمة ومدرب مدرسي اللغة الإنجليزية للناطقين بلغات أخرى، محمد نائف، مع الرأي الذي يقول إنّ التعليم التقليديّ كارثة بحقّ أطفال التكنولوجيا، لأسباب كثيرة؛ منها أنّ التعليم التقليدي يعتمد على التلقين الذي يكون فيه المعلم هو محور العملية التعليمية ويملك المعلومات، ويعتبر التلاميذ أنهم ليس لديهم معلومات أو خبرات يمكن أن يشاركوها زملاءَهم، فالتعليم التقليدي لا يضع اعتبارًا للتغيرات التي طرأت على دور المعلم، وتحوُّلِهِ إلى مرشد وموجّه ومساعد وناصح ومستشار للتلاميذ ليقوموا بالتعلم بأنفسهم تحت إشرافه وتوجيهه من خلال التطبيق والممارسة والخبرات.
انعدام المتعة والتشويق
التعليم التقليدي يواجه منافسة قوية من الوسائل التكنولوجية الحديثة ووسائل التواصل التقني المختلفة؛ وبالتالي إذا أردنا أن يواكب التعليمُ التطورَ التكنولوجي، فلا يمكن أن نتصوّر أن يكون الصف الدراسي بدون سبورة ذكية وجهاز عرض علوي وشاشة وألعاب تعليمية، وحتى ربطه بالإنترنت للأغراض التعليمية، مثل قيام التلاميذ بالبحث عن معلومات وتقديمها ومناقشتها في الصف الدراسي أمام أقرانهم.
ومن أجل أن يواكب التعليم في الفصل الدراسي ما تقدّمه وسائل التواصل الاجتماعية والتكنولوجيا خارج الفصل الدراسي من متعة وتشويق، لا بُدّ أن يعمل المدرّس على تشجيع التلاميذ على التعلم من خلال العمل الجماعي والمناقشة والتطبيق والمسابقات والبحث داخل وخارج الفصل، والتركيز على مواضيع مرتبطة بالواقع.
تخلّف في المواكبة
تبيّن أنيسة سالم، مدرسة لغة إنجليزية، أنّ المدارس تفرض على الكادر الذي معها نمطًا محددًا من التدريس، وإذا تم اتخاذ أسلوب آخر للتدريس، يصبح المدرس محاسبًا عليها ويتم تنبيهه وتحذيره بسؤالهم إياه: لماذا تم التغيير؟
حتى إنّ المشرفين على الصفوف قد يتّخذون مخالفة إن لم يجدوا الطالب جالسًا على الكرسي ومربعًا يديه بالطريقة الاعتيادية المعروفة للطريقة التقليدية للتدريس، رغم أنّ الطالب يحتاج للجلوس بالطريقة المناسبة لكي يتلقى المعلومة بالطريقة الصحيحة والمواكبة للعصر.
وتقول سالم، إنّ العملية التشاركية في الفصل قد تُحدِث ضجةً كبيرة بين الطلاب، وبهذا تحسب مخالفة للمدرس أيضًا، ورغم ذلك قامت بعض المدارس بإدخال طرق بسيطة جدًّا من الوسائل التعليمية الحديثة عند الشرح ومشاركة الطلاب في الأنشطة، مثلًا أنّ يشرح أحد الطلاب درسًا معينًا، ويتناوب زملاؤه على ذلك كلَّ يوم.
يشير خالد جابر إلى وجود وسائل تعليمية حديثة، منها: Over head projector، (OHP) جهاز عرض الشفافية، الكمبيوتر، ومن خلاله استخدام بعض البرامج، مثل الباور بوينت PowerPoint أو iTools، ويمكن استخدام التابلتس tablets، والاستغناء عن الكتب.
من جهته، يقول الخرساني: "إنّ استخدام الوسائل التعليمية الحديثة لها دورٌ كبير في تحفيز وشدّ انتباه الطالب، ونجد النتيجة أنّ أغلب أو كلّ الطلاب فهموا الدرس بطريقة أسرع وأفضل وبوقت قصير؛ وذلك لأنّ هناك وسائل تعليمية حديثة عديدة يتّبعها المدرّسون مع الطلاب، منها: استراتيجيات التعلم النشط، والعصف الذهني، والتعليم بالمرح، وغيرها.
تشرح منال عبدالرحمن، مسؤولة إعلام في مدرسة خاصة، أنّ الوسائل التعليمية في بعض المدارس تتم عن طريق أنشطة للطلاب واستخدام شاشات العرض، وأيضًا لا بُدّ من وجود البروجكتر في كلِّ فصل، والتطبيق بمعامل العلوم، وهنا تظهر النتائج واضحة من ناحية الفهم وتثبيت المعلومات والحماس والنشاط.
عوائق الحداثة
تقول أمّ أحد الطلاب، إنّ المدرسة تعطي وسائل تعليمية من خلال اللوحات، وأيضًا في المعامل، ولكن هذه الوسائل لا تكون كافية لإبعاد الطالب عن شعوره بالملل أو حتى تُحسِّن من طريقة فَهمه وتحمّسه للمذاكرة والدراسة؛ لأنّ الوسائل التعليمية التقليدية تطغى على الوسائل التعليمية الحديثة.
تقول سالم إنّ الأستاذ أحيانًا لا يستطيع أن يواكب التعليم الحديث؛ لأنّ الإمكانيات محدودة في المدرسة، والمنهج تقليديّ جدًّا، فالأمر ليس سهلًا، إذ لا بُدّ من تغيير المناهج بما يتناسب مع تطور العصر وأدواته.
كذلك فرض أساليب تدريس حديثة من الوزارة المعنية نفسها، وتوفير الاحتياجات في المدارس أيضًا (سبورة ذكية وتطبيقات خاصة بالتعليم.)، والأمر كله يحتاج إلى رغبة مجتمعية في نهضة تعليمية متكاملة، في كل أنحاء اليمن.
يشير الخرساني إلى أنّ المدرِّسين يحتاجون إلى دورات تدريبية في مجال طرق التدريس الحديثة؛ لأنَّه قد يأتي أستاذ خريج جامعة ولديه أساليب وطرق تقليدية تلقّاها بالجامعة، وعلى ذلك لا بُدّ من عمل دورات للكادر التدريسي لتنمية واكتساب المهارات الحديثة، خصوصًا أنّنا نعاني من هذه الإشكالية لدى المعلمين؛ لذلك لا بُدّ من دورات تدريبية وتنمية لقدراتهم وإكسابهم المهارات العلمية.
تجارب خجولة
يوضّح خالد جابر أنّ "التجربة التركية باستخدام "التابلت" ناجحة، ومن قبلهم في أوروبا، والآن التجربة بدأت في مصر، وكذلك في مركز اللغات بجامعة صنعاء، بدأنا بتطبيقها العام الماضي مع بعض المستويات. في اليمن الآن يستخدمون شاشات العرض في الشرح بدل الكتب، وتم تطبيقها في معهد New Horizon، مثلًا".